تقرير بريطاني: التنافس على الجنة.. ماذا تعني سقطرى بالنسبة للإمارات والسعودية؟ (ترجمة خاصة)

[ أشجار دم الأخوين الشهيرة في سقطرى ]

سلط تقرير بريطاني الضوء على التنافس على "جزيرة سقطرى" اليمنية باعتبارها استثمار اقتصادي كبير، وكيف عملت الإمارات على بسط نفوذها في ظل غياب الحكومة اليمنية وصولاً إلى الخلاف المُعلن الذي حدث مؤخراً بين الحكومة اليمنية والإمارات والتدخل السعودي الذي أنهى المشكلة.
 
وبحسب التقرير الذي نشره موقع «LSE» البريطاني وترجمه "يمن شباب نت" فإن سيطرة دولة الإمارات العربية المتحدة، تعني تقوية توسعها التجاري والعسكري في المحيط الهندي مما يعزز من مكانتها المتصاعدة اقليمياً".
 
وأضاف التقرير الذي أعدته الكاتبة " ايلينورا آرديماغني" وبالنظر إلى موقعها الاستراتيجي (أي سقطرى) فإنه ربما كان يجري الاعداد لأن تصبح سقطرى (دييغو غارسيا) الاماراتية (على غرار دييغو غارسيا حيث تتواجد القاعدة العسكرية الأمريكية في المحيط الهندي) إذ أن النموذج الذي اتبعه الاماراتيون في الجزيرة يشبه ما ظهر سابقاً في ميناء عصب في (إريتريا) وبربرة (في جمهورية أرض الصومال الغير معترف بها دولياً) إضافة للمدن الساحلية اليمنية الجنوبية.
 
 وأشار "أن الإمارات تنتهج في البداية إعادة بناء أو توسيع الموانئ التجارية ومن ثَـم إنشاء قواعد أو منشآت عسكرية تخدم أهدافاً اقتصادية وجيوإستراتيجية متداخلة في المحيط الهندي".
 
وذكر التقرير "أن هناك نزاعاً بين الحليفين المفترضين وهما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حيث حاولت أبو ظبي إدراج الجزيرة ضمن استراتيجيتها التي تعتمد إنشاء "سلسلة من الموانئ والقواعد العسكرية" في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي في حين أن الرياض - بإجبارها الإماراتيين على تقليص طموحاتهم في سقطرى - قد ساعدت عبد ربه منصور هادي الرئيس المعترف به والذي لا يزال مدعوما من قبل السعوديين ـ في استعادة المستوى الأدنى من النفوذ اليمني على الجزيرة".
 
 
"يمن شباب نت" يعيد نشر نص التقرير

ذات مرة، اعتقد الناس أن سقطرى كانت جنة عدن إلا أنه وبخلاف الأساطير فقد غيرت الحرب الأهلية في اليمن بشكل فعلي واقع هذه الجزيرة الهادئة التي تحميها اليونسكو بسبب تنوعها البيولوجي، إذا أنه وعلى الرغم من عدم وجود الحوثيين ولا الجهاديين هناك، إلا أن سقطرى (التي يبلغ عدد سكانها 60،000 نسمة) عانت من ضغوط جيوسياسية متزايدة وتراكمًا عسكريًا غير مسبوق.
 
على الجزيرة يخاطر التوازن بين الطبيعة والبشر بتغييرها بشكل لا يمكن اصلاحه وذلك من خلال الإنشاءات المخطط لها والسياحة الجماعية وشبكات الرعاية الناشئة حديثاً.
 
ومنذ 18 مايو 2018 بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة بسحب الجنود والعربات العسكرية من سقطرى امتثالاً لاتفاق سعودي بوساطة مع السكان المحليين والحكومة اليمنية المعترف بها.
 
وقد جرى نشر القوات الإماراتية قبل بضعة أسابيع من دون التشاور المسبق مع الحكومة اليمنية كما كانت الامارات قد استولت على الميناء والمطار.
 
حاليا يحل الجنود السعوديون بشكل فعلي محل الإماراتيين "لتدريب قوات الأمن اليمنية" في سقطرى كما أعلنت الرياض عن خطتها التنموية الخاصة بالجزيرة.
 
وعلى عكس التصريحات العلنية فإن هذه القصة المثيرة للجدل لم تُحسم كلياً ومن المحتمل أن تؤثر على مستقبل العلاقات السعودية الإماراتية في اليمن خاصة في مناطق الجنوب التي تم طرد الحوثيين منها.
 
ما هو أكثر من ذلك هو أن ذلك يعتبر نزاعاً بين الحليفين المفترضين وهما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية حيث حاولت أبو ظبي إدراج الجزيرة ضمن استراتيجيتها التي تعتمد إنشاء "سلسلة من الموانئ والقواعد العسكرية" في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي في حين أن الرياض - بإجبارها الإماراتيين على تقليص طموحاتهم في سقطرى - قد ساعدت عبد ربه منصور هادي الرئيس المعترف به والذي لا يزال مدعوما من قبل السعوديين ـ في استعادة المستوى الأدنى من النفوذ اليمني على الجزيرة.
 
وقد تنامى انخراط الإمارات في سقطرى منذ العام 2015 وعندما تعرضت الجزيرة في مايو 2018 لأضرار جزئية بسبب إعصارين ضربا الجزيرة حيث كانت أبو ظبي هي الأسرع في بدء التبرعات للشروع في إعادة الإعمار بالإضافة إلى توفير السلع الأساسية والكهرباء في واحدة من أكثر المناطق تهميشًا في اليمن.
 
 لكن "المعونة الطارئة" سرعان ما تحولت إلى "مساعدات تنموية " ثم إلى ما بدا كما هو الحال في نظر العديد من السكان المحليين على أنه استعمار إماراتي متنامي لسقطرى ليكتفي وزير الدولة الإماراتي لشؤون الخارجية أنور قرقاش بالقول: "كان ينبغي أن نتواصل أكثر"، نافياً أي أهداف استراتيجية قد تقف وراء المساعدات الإنسانية التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
وبالنظر إلى موقعها الاستراتيجي فإنه ربما كان يجري الاعداد لأن تصبح سقطرى (دييغو غارسيا) الاماراتية  (على غرار دييغو غارسيا حيث تتواجد القاعدة العسكرية الأمريكية في المحيط الهندي) إذ أن النموذج الذي اتبعه الاماراتيون في الجزيرة يشبه ما ظهر سابقاً في ميناء عصب في  (إريتريا) وبربرة (في جمهورية أرض الصومال الغير معترف بها دولياً) إضافة للمدن الساحلية اليمنية الجنوبية الرئيسية مثل عدن والمكلا والمخا (حيث تنتهج) في البداية إعادة بناء أو توسيع الموانئ التجارية ومن ثَـم  إنشاء قواعد أو منشآت عسكرية تخدم أهدافاً اقتصادية وجيوإستراتيجية متداخلة في المحيط الهندي.
 
في واقع الامر قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتوسيع ميناء حديبو عاصمة سقطرى (التي أصبحت محافظة فقط في عام 2014) وتقع في الجزء الشمالي كما تعد الأكثر سكانًا في الجزيرة، على الطريق البحري الملاحي للمكلا (حضرموت) وبربرة كما ستكون سقطرة مركزاً مثالياً للروابط التجارية مع الهند نظراً للشراكة الاقتصادية المتزايدة بين أبو ظبي ونيودلهي والتي تعززت باتفاقية عام 2017.
 
وفي العام الماضي أكدت الإمارات وجود قاعدة عسكرية في الجزيرة ومنذ عام 2016 تم إرسال المجندين الإماراتيين إلى معسكر تدريب في سقطرى لإجراء عمليات محاكاة مكثفة في المعارك الضارية وكيفية التعامل مع الأسلحة.
 
 وعلاوة على ذلك يقال إن الإماراتيين كانوا يجندون السكان لإنشاء ميليشيا محلية.
 
في سقطرى وكما في أي مكان آخر في الاقليم فقد تمكنت الإمارات من الجمع بين القوة الصلبة والناعمة التي اعتمدت التركيز على الاحتياجات الأساسية وتقديم الخدمات وإنشاء خدمات أسبوعية مباشرة من مطار حديبو إلى أبو ظبي بالإضافة الى توفير العلاج الطبي ودعم التعليم ومنح تصاريح العمل (للسقطريين) داخل الإمارات وتنظيم الفعاليات الثقافية وحفلات الزفاف الجماعية للسقطريين.
 
وقد عزز هذا النهج متعدد الطبقات، من الموقف الإماراتي في الجزيرة مع ثلاثة تداعيات متداخلة وهي كالتالي:
 
أولاً: ساهم ذلك في إضعاف ليس فقط سلطة الحكومة اليمنية المعترف بها على كامل المنطقة، ولكن أيضاً نفوذها الدبلوماسي مما أدى بدوره الى تآكل شرعية الرئيس هادي.

إذ قررت الإمارات رفع مستوى وجودها العسكري في سقطرى في بداية مايو 2018 بينما كان المبعوث الخاص للأمم المتحدة الجديد مارتن غريفيث يعمل بجد لإحياء المحادثات الدبلوماسية.
 
ثانياً: أحدثت قضية سقطرى مزيداً من الاحتكاك داخل التحالف بقيادة السعودية والذي تدخَّل في اليمن ضد الحوثيين منذ مارس / آذار 2015. حيث في واقع الأمر كان السعوديون والإماراتيون يتبعون بالفعل استراتيجيات متوازية في الجنوب كما بدا ذلك جليا ًمن خلال المصادمات الأخيرة التي شهدتها عدن مؤخراً حيث أن دعم أبو ظبي غير الرسمي للمجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للانفصال إلى جانب ازدهار الميليشيات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة على أساس مناطقي، كلها أمور تغذي النزعة الانفصالية في العديد من مناطق جنوب اليمن وفي سقطرى كما تحدثت تقارير، لتتحدى بذلك الاهداف السعودية الاصلية والاساسية (التي تؤمن) بدولة يمنية موحدة.
 
ثالثًا: لا يجب التقليل من أهمية التأثير الداخلي لأزمة سقطرى حيث شهد السقطريون موجة من التسييس لم يسبق لها مثيلاً  ويرجع ذلك في الغالب إلى شبكات الرعاية والدعم التي بناها الإماراتيون حيث جرى تنظيم مظاهرات للمناهضين للإمارات والمتضامنين معها ايضاً في غمرة  النزاع بين المؤسسات المعترف بها في اليمن إذ أن ذلك يُعرض البيئة الطبيعية والإنسانية الفريدة لسقطرى إلى تداخلات جيوسياسية لا يمكن التنبؤ بها كما حدث بالفعل في المهرة الواقعة في أقصى شرق اليمن حيث كانت عمان تقليدياً جاراً يتدخل بصورة ناعمة إذ تدعم مسقط وريث سلطان المهرة وسقطرى الشيخ عبدالله بن عيسى العفرار.
 
ما يحدث في سقطرى قد شوهد بالفعل في المهرة وهي منطقة أخرى نسبياً لم تتضرر جراء الحرب الاهلية حتى الآونة الاخيرة حيث في البداية زاد الإماراتيون من وجودهم الإنساني والعسكري في المهرة.  ورداً على ذلك قرر السعوديون إرسال مساعدات ووعاظ ورجال دين سلفيين وجنود (في ديسمبر 2017) لموازنة الطموحات الجيوسياسية لدولة الإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك تمت تغطية التنافس داخل منطقة الخليج بالنسبة لسقطرى في وسائل الإعلام على نحو أفضل من تلك التغطية التي حظيت بها المهرة، وهو ما يرجع أيضًا إلى خصوصية جزيرة سقطرى المحمية من قبل اليونسكو إضافة ًالى ردة فعل شريحة من السكان المحليين.
 
بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة فإن السيطرة على سقطرى تعني تقوية توسعها التجاري والعسكري في المحيط الهندي مما يعزز من مكانتها المتصاعدة اقليمياً.
 
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية فإن تحجيم النفوذ الإماراتي في سقطرى يعني إعادة التأكيد على الدور الريادي للرياض ليس فقط في التحالف العسكري في اليمن ولكن أيضا فيما يتعلق بالتوازن بين الدول في منطقة الخليج.
 
تؤكد المعركة غير المباشرة في سقطرى أن الإماراتيين والسعوديين ليسوا دائماً على نفس المنهاج فهم حلفاء ضد الحوثيين (يقاتلون إلى جانب بعضهم البعض على جبهة البحر الأحمر) لكنهم متنافسون بشكل جلي على توازن اليمن الحالي والمستقبلي.
 
وبالنظر إلى طموحاتهم بسقطرى فهم يمضون قدماً باستراتيجيات جيوسياسية حازمة في غرب المحيط الهندي.
 

  •  الكاتبة: ايلينورا آرديماغني هي زميل أبحاث مشارك في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) ، محلل في دول الخليج والشرق الأوسط لمؤسسة كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو ومعهد آسبن إيطاليا.

*لقراءة التقرير من موقعه باللغة الإنجليزية "إضغط هنا"

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر