تحت المطر؛ طابور طويل للفقراء أمام مؤسسة آمالنا بصنعاءتحت المطر؛ طابور طويل للفقراء أمام مؤسسة آمالنا بصنعاء
امتد طابور طويل أمام مبنى في حي حزيز جنوبي العاصمة صنعاء، ومن نافذة عند بدايته بدا شاب نحيل يعمل كالآلة وهو يضع في كل كيس أرزا وخضارا مطبوخا وخبزا والزبادي ثم يدفعه باتجاه الواقف أمامه.
للوهلة يبدو الطابور -الذي ظل صامدا تحت زخات المطر- وكأنه لن ينتهي، لكن الشاب بمساعدة من شبان آخرين يعملون خلال ثلاث ساعات وزعوا ثلاثة آلاف وجبة عشاء على ثلاثة آلاف أسرة فقيرة، أي ما يكفي لإطعام عشرين ألف فرد.
يتكرر الأمر يوميا خلال شهر رمضان، مما يشعر عبد الفتاح الجرادي نائب رئيس مؤسسة «آمالنا» بالسعادة والرضا حين يعود ثلاثة آلاف شخص من المؤسسة بالطعام الجاهز لأطفالهم.
غير أن التفكير بإطعام هذا العدد الضخم من الجوعى بشكل يومي يشكل صعوبة كبيرة، لكن جهود الشبان المتطوعين يقف خلفها مطبخ خيري تطور مع الأيام واكتسب خبرات جديدة.
يقول الجرادي للجزيرة نت إن المطبخ يعمل بشكل متواصل في رمضان، وينشط فيه مئة شاب متطوع، يطبخون ويوزعون وجبات العشاء التي يتطلع أن تحوي العام القادم على فروجة وتمور.
وازداد عدد المحتاجين هذا العام بشكل كبير مع اتساع دائرة الفقر، وذلك بعد أن انقطعت الرواتب لمليون ومئتي ألف موظف حكومي منذ 19 شهرا، فضلا عن انهيار الاقتصاد بفعل الحرب المستمرة منذ مطلع العام 2015 بين مسلحي جماعة الحوثيين والقوات الحكومية المسنودة بالتحالف العربي بقيادة السعودية.
وتعتبر الأمم المتحدة الأزمة اليمنية الأخطر في العالم، وصنفت اليمن على قائمة أربعة بلدان تمر بمرحلة ما قبل المجاعة في ظل وجود 8.4 ملايين شخص يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية.
مطابخ بجهود ذاتية
وبدأت فكرة إنشاء المطابخ من مطبخ مؤسسة آمالنا الذي تطور من مبادرة شبابية كانت تعمل خلال الأعوام الماضية على جمع بقايا الغذاء من المطاعم في صنعاء، وتوزيعه على الأشخاص الأكثر فقرا، ودفع نجاح المطبخ العشرات من الشبان بصنعاء وبقية المحافظات إلى تعميم تلك التجربة.
ويعمل في تلك المطابخ التي لا يعرف عددها شبان متطوعون يتلقون دعما من المتبرعين والتجار بشكل رئيسي، ولا تقدم سلطات جماعة الحوثيين أو المنظمات الدولية والمحلية أي دعم لنشاطهم، حسبما يقولون.
وظهرت المطابخ في الصورة الأجمل ضمن صور الحرب التي تتصدر واجهة الأوضاع باليمن، حيث يتقاطر المئات من الفقراء إليها لسد جوعهم.
ويشعر جمال الطيب بالنشوة والفخر بعد مرور نصف شهر من افتتاح المطبخ الخيري في شارع الوحدة وسط صنعاء، فالمطبخ الذي يعمل فيه ثمانية شبان متطوعين يطعم نحو سبعين أسرة أي ما يقارب 350 فردا.
ويقول للجزيرة نت «لقينا تجاوبا كبيرا من سكان الحي الذين وفروا لنا مستلزمات الطباخة، ونحن اليوم نساعد الناس، فكثير من الفقراء والنازحين الذين فروا من مناطق النزاع لا يجدون طعاما».
وجبة بالدجاج
في محافظة إب (وسط اليمن) يحاول شبان في مطبخ عطاء الخيري أن يواصلوا نشاطهم بتقديم نصف دجاجة ضمن وجبة العشاء لنحو ألف أسرة، وبتكلفة يومية تصل إلى ستمئة ألف ريال (1300 دولار).
ويقول رئيس المؤسسة ماجد ياسين للجزيرة نت إن الدعم المقدم للمطبخ قل كثيرا بل إنه أوشك على التوقف، مما قد يهدد بإلغاء وجبة الدجاج والاكتفاء بالأرز والخبز والزبادي.
وأضاف أن عدد المحتاجين شكل أزمة كبيرة لنشاطهم، حيث امتد تقديم الوجبات إلى النازحين في المدارس ومرضى الفشل الكلوي، و«نحن لا نجد أي دعم إلا عبر علاقتنا الشخصية».
قيود من الحوثيين
ولا تقدم سلطات جماعة الحوثيين التي تسيطر على صنعاء أي دعم للمطابخ الخيرية، بل إنها تمارس قيودا على نشاطاتها، وفي منتصف العام الماضي أغلقت سلطات الحوثيين في إب مطبخ مؤسسة عطاء، بحجة أنه لا يحمل ترخيصا لمزاولة العمل، كما خطف المسلحون الحوثيون رئيس المؤسسة ماجد ياسين وفق ذات التهمة، ثم أفرجوا عنه لاحقا.
بل إن الجماعة أغلقت العشرات من الجمعيات الخيرية غير الحكومية إبان سيطرتها على العاصمة صنعاء أواخر 2014 بحجة ارتباطها بحزب الإصلاح، حسبما أفادت هيومن رايتس ووتش.
ويأتي إغلاق الحوثيين الجمعيات في خضم حملة احتجاز واختفاء قسري للنشطاء ورموز المعارضة السياسية والصحفيين.