لا يتمكن رأفت من النوم، وعندما ينام يرى كوابيس عن ابنه أكرم الذي يحتجزه المتمردون الحوثيون منذ نوفمبر في العام 2016 حيث يقول والده" لقد كانت جريمته الوحيدة هي انه كان بحوزته بعض الصور والرسائل المناهضة للحوثيين في هاتفه الجوال. (يشار الى انه تم حجب الاسماء الحقيقية لرأفت وأكرم من أجل سلامتهم الشخصية).
أكرم البالغ من العمر 22 عاماً هو موزع اغذية غير موظف تم اختطافه في نوفمبر عام 2016 اثناء توجهه من عدن الى صنعاء، بحثاً عن عمل.
ويقوم الحوثيون الذين يسيطرون على الكثير من مناطق اليمن بما في ذلك العاصمة صنعاء، بتفتيش هواتف الموبايل الخاصة بأي شخص يسافر من محافظات تسيطر عليها الحكومة باتجاه مناطق سيطرتهم.
وفي حالة أكرم وصل الحال لاتهامه بالعمل مع التحالف الذي تقوده السعودية حيث انتهى المطاف بالعديد ممن اُتهموا بجرائم مماثلة بأن حُكم عليهم بالإعدام على الرغم من انه لم يتم تنفيذ الاعدام بحق أحد حتى زمن كتابة هذا التقرير.
ويقول رأفت "هذه محكمة حوثية وليس بإمكاننا الدفاع عن ابنائنا " وأضاف " إذا حاولت الدفاع عن ولدي سيقوم الحوثيون باعتقالي انا ايضاً كما حصل معه وحينها النساء فقط سيكون بمقدورهن الذهاب والدفاع عن أبناءهن".
محاكم في مأزق
النظام القضائي اليمني تعرض للتخريب كغيره في باقي اليمن لأن أي جماعة مسلحة سواء كانت مدعومة من مليشيا أو الحكومة أو من متمردين، تحكم مدينة او منطقة ما، فهي غالباً تدير مؤسسات الدولة فيها بما ذلك سلطتها القضائية.
فمثلا محكمة الجنايات الابتدائية المتخصصة في صنعاء والتي تتعامل مع جرائم من ضمنها الارهاب، يتم تشغيلها من قبل الحوثيين. وخلال العامين المنصرمين أصدرت أحكاماً بحق أشخاص من بينهم أكرم على سبيل المثال حيث تم اعتقالهم واتهامهم بالعمل لصالح التحالف الذي تقوده السعودية أو القاعدة وتنظيم داعش.
ويوم الاثنين أصدر المجلس القضائي الاعلى في عدن وهو أعلى سلطة القضائية في اليمن، أمراً بإغلاق المحكمة الواقعة بصنعاء حيث قالت أن مهامها ستُنقل الى محكمة ومكتب نائب عام جديدين في محافظة مأرب التي تديرها الحكومة، وعلى ذلك سيترتب الغاء كافة احكامها بشكل فوري. وهو القرار الذي تجاهله الحوثيون في صنعاء.
أحمد وهو قاضي في صنعاء تحدث لموقع ميدل ايست اي البريطاني مشترطاً عدم الكشف عن هويته لاعتبارات امنية، قائلاً "نحن نعمل في صنعاء الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين) ونطيع فقط قرارات أنصار الله ".
كما قال بأن القرار (الصادر من عدن) هو ببساطة تكرار لقرار سابق من قبل حكومة الرئيس هادي التي تقيم في الخارج، والذي كان قضى بإغلاق محاكم صنعاء.
وقال "الخائن هادي وحكومته مطلوبون للمحاكمة في صنعاء وسنحاكمهم يوماً ما" مضيفاً بأن المحاكم والمدعيين العامين سيواصلون العمل بشكل طبيعي.
وفي نفس اليوم الذي قررت فيه سلطات عدن القضائية اغلاق محكمة صنعاء، حكمت السلطة القضائية بصنعاء على ثلاثة مختطفين بالإعدام بتهمة العمل مع الاستخبارات السعودية والقتال الى جانب القاعدة ضد لجان الحوثيين الشعبية.
وفي 24 ابريل حُكم على اربعة اشخاص بالإعدام بتهمة كونهم مرتزقة لـ " العدوان " كما يعرف التحالف الذي تقوده السعودية (لدى الحوثيين) اضافة لتهم تقديم مواقع وتحركات قوات الحوثيين العسكرية لأجهزة الاستخبارات التابعة للمملكة العربية السعودية، وفقاً لوكالة سبأ التابعة للحوثيين.
كما واجه اربعة اخرين نفس الحكم حيث وجهت لهم اتهامات بالعمل مع القاعدة وداعش حيث حـكم على اربعة مختطفين من ضمنهم امرأة، بالإعدام بتهمة العمل مع تحالف السعودية وذلك في يناير مطلع العام الجاري.
عدالة "خارجٍ على القانون "؟
قامت المحاكم في صنعاء احياناً بإبطال قرارات سابقة لها، ففي ابريل من عام 2017 حكم على الصحفي يحيى الجبيحي الذي اعتقل كحالة أكرم في نوفمبر 2016، بالإعدام ومن ثم تم اطلاق سراحه وسط ادانة دولية للحكم .
ويخشى رأفت، والد المختطف أكرم، من ان تكون المستجدات الاخيرة بما في ذلك مقتل الزعيم الحوثي صالح الصماد قد صرفت الانتباه عن محنة السجناء حيث قال "إذا لم نسمع تعليقات تصدر من المنظمات خلال وقت قريب فإنه ربما يكون المختطفون قد قـُتلوا".
ولديه منطق في أن يقلق، ذلك أنه خلال الصيف الماضي نفذ الحوثيون اعدامات علنية في صنعاء بحق رجلين تمت ادانتهما باغتصاب وقتل أطفال.
حيث تم إطلاق النار على كل من محمد المغربي وحسين الساكت من الخلف (في الظهر) باستخدام بندقية آلية. وتم جلد المغربي قبل تنفيذ القتل فيما رُفعت جثة الساكت للأعلى بواسطة رافعة عقب إطلاق النار عليه وذلك ليتسنى للحشد الذي تجمع من الاف الناس رؤية ذلك.
رابطة امهات المختطفين التي تأسست في العام 2015 إثر اختطاف الحوثيين لألاف الاشخاص، من اجل دعم الاُسر وبالأخص الامهات، أدانت الاحكام الصادرة بحق المختطفين وقالت ان المحكمة تعتبر " محكمة خارجة عن القانون يتم فيها اخضاع المختطفين لمحاكمات غير قانونية بتهم كاذبة".
كما قالت الرابطة بأن الحوثيين يتحملون المسؤولية الكاملة عن سلامة المختطفين.
وهناك مايقدر بـ 14 ألف معتقل في سجون الحوثيين وفقاً لوزارة حقوق الانسان في الحكومة اليمنية من بينهم 111 على الاقل تم تعذيبهم حتى الموت، ويخشى البعض من ان يكون العدد أكبر من ذلك.
بإمكان المال المساعدة – احياناً
تتمثل احد التهم الشائعة حول احكام الاعدام والاعتقالات الحوثية في أنها تُستخدم من قبل المتمردين الحوثيين كوسيلة لاستغلال عائلات السجناء، غير ان رابطة امهات المختطفين قالت بأنه بينما تضمن عمليات الدفع اطلاق سراح السجين احياناً، فإنها لا تجدي نفعاً عند تعلق الامر بتهم خطيرة كالقتل مثلاً.
عبدالاله البالغ من العمر 33 عاماً تعرض للاعتقال في منطقة الحوبان بتعز في مايو 2016 حيث ادعى الحوثيون ان يعمل مع الاستخبارات السعودية لأنهم عثروا على صور لقادة مناوئين للحوثيين داخل جواله. وفي البداية قضى ثلاثة اشهر في مدينة الصالح (السكنية ) الكبيرة قبل ان ينقل الى السجن المركزي بصنعاء.
ويقول عبدالاله " بعد مرور أكثر من سبعة أشهر أخبر شقيقي وسيط يقوم بالوساطة بين الحوثيين والمختطفين عن انه يريد مليون ريال يمني (ما يعادل 4000) دولار امريكي لتسليمها للحوثيين لكي يطلقوا سراحي " مما اضطر الاسرة لبيع مجوهراتها لتوفير المال حتى تم إطلاق سراح عبدالاله في نهاية المطاف.
وأضاف " يمكن دفع المال لضمان التحرر من السجن لكن فقط بالنسبة لأولئك الذين لا تتوفر تهم حقيقية ضدهم امثالي والذين بالإمكان إطلاق سراحهم ولا اعتقد ان بإمكان المختطفين دفع اموال بعد صدور احكام بحقهم. ".
عبد الرحمن برمان، محامي يمني أُجبر على الهروب من اليمن بعدما دمر الحوثيون منزله في الضالع، والعضو في اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات المزعومة ضد حقوق الانسان، قال بأن محكمة صنعاء هي "محكمة مليشيا" وبأنها ليست قانونية.
أما سامي القدسي وهو محام في تعز فيقول بأن القضاة في محكمة صنعاء لا يتجرؤون على اتخاذ احكام مستقلة ربما تزعج الحوثيين.
كما ادان الحكومة والمنظمات الدولية لعدم قيامهم بالمزيد، واضاف "يجب وقف كافة احكام الاعدام في عموم البلاد لان المحاكم ليست مستقلة والمليشيات تقوم باستخدامها لأغراض سياسية".
وقد تواصل موقع ميدل ايست اي مع الحكومة اليمنية للتعليق على ذلك غير انها لم تجب حتى زمن نشر التقرير.
هل سيتراجع الحوثيون؟
احمد وهو قاضٍ في صنعاء نفى صحة الاتهامات بالتحيز وقال بأن المحكمة تعمل وفقاً للقانون اليمني حيث قال "أعمل في هذه المحكمة لأكثر من 15 عاماً ونعمل حالياً كما كنا دائماً خلال الاعوام القليلة الماضية طالماً ان القانون هو القاضي الفعلي".
وقال بأن حالياً هنالك قضايا سياسية أكثر من فترة ما قبل اندلاع الحرب في عام 2015، غير ان القانون اليمني لايزال مستخدماً باعتباره اساس كافة الاحكام في المحاكم المدعومة من الحوثيين بما فيها احكام الاعدام، وبأن المحامين لايزالون يملكون الحق في الطعن ضد القرارات والاحكام.
واضاف " في الفصل الثاني من القانون اليمني تقول المادة رقم 125 " كل من يرتكب عملاً يمس استقلال الجمهورية او وحدتها وسلامة اراضيها فحكمه هو الاعدام ".
وأضاف " وتقول المادة 126: كل من يرتكب عملاً يتعمد اضعاف القوات المسلحة فحكمه الاعدام".
غير أن ذلك كله لا يرضي رأفت الذي ليس موظفاً فهو يعتمد على أحد ابنائه الاخرين لتوفير مال كافي للعائلة، وليس بإمكانه ان يدفع فدية مالية.
وقد زارت ابنته اخاها في السجن خلال الاسبوع الماضي وقالت بأن المختطفين كانوا قلقين كونهم يواجهون تهماً مماثلة لأولئك الذين تم اعدامهم.
ويقول رأفت "احتاج ان أخرج ولدي من السجن او على الاقل ضمان انه لن يُعدم".
لكن لديه امل باهت بمقدرة السلطات في عدن على فعل اي شئ حيث قال " الحوثيون اعداء الحكومة ولذا فلن يطيعوها وفقط سيواصلون اصدار احكامهم الجائرة لكي يثبتوا انهم لايزالون فاعلين في صنعاء".
لقراءة المادة بالانجليزية من مصدرها من هنا.