"ثمان حبات جبن بـ 100ريال" يصيح بائع مواد غذائية بمكبر صوت في أحد الأسواق الشعبية في العاصمة صنعاء، ويتجمع حول بضاعته عشرات من المتسوقين للشراء ورؤية بقية المنتجات الاستهلاكية التي تتكدس بشكل غير مرتب وسط الشارع العام ومكشوفة على أشعة الشمس الحارقة.
غالبية تلك المواد الغذائية المعلبة إما قربت على انتهاء صلاحيتها أو أصبحت منتهية الصلاحية والبعض الآخر منها تعرض لسوء تخزين في مخازن تجار الجملة والمستوردين، ورغم معرفة الناس بذلك إلا أنهم يشترون منها بما تشكل من خطر على حياتهم كونها مواد غذائية ومشروبات في غالبيتها.
وتلاقي المنتجات المقربة من الانتهاء إقبالاً من الناس نتيجة انخفاض سعرها، وهو ما يخفف عليهم التكلفة رغم المخاطر غير أن الظروف المعيشية السيئة التي يعيشونها جراء استمرار الحرب للعام الرابع على التوالي وانقطاع الرواتب منذ أكثر من عام ونصف، بالإضافة إلى فقدان الكثير من الناس مصادر دخلهم نتيجة توقف الأعمال وحالة الركود الاقتصادي.
ليست منتهية
لا توجد سلطات في صنعاء تقوم بدورها في الرقابة على المنتجات التي تُباع على المواطنين وتزداد ظاهرة بيع المواد المنتهية الصلاحية حتى في المحلات التجارية الكبيرة والتي من المفترض أن تكون أكثر حرصاً على بيع تلك المنتجات كالتزام أخلاقي تجاه الناس في ظل غياب سلطة حماية المستهلكين.
"خالد عثمان" بائع المنتجات في بسطة ممتدة في أحد الأسواق "ان البضائع التي يبيعها ليست منتهة تماما وإنما تبقى لها أشهر وتتفاوت من منتج إلى آخر حيث استهلاكها لايزال آمن وهناك الكثير من الناس يأتي إلينا ويشتريها بشكل مستمر".
وأضاف البائع في حديث لـ "يمن شباب نت" ان تلك المواد أسعارها رخيصة للغاية وهو ما يجعل الناس يقبلون عليها دون تحفظ أو خوف رغم معرفتهم أنها أصبحت قريبة من الانتهاء".
وأشار عثمان "أن يشترون تلك المنتجات من مخازن تجار الجُملة الذين يشعرون أن تلك المواد لن تباع خلال الأشهر المتبقية لانتهائها فيضطرون للتعامل معنا لبيعها لهم مقابل حصولهم على نسبة بسيطة من قيمتها ونحن ايضاً نستفيد".
لكن نسبة الشكوك حول صلاحية تلك المنتجات قليلة جدا كونها إذا لم تكن منتهية فهي في تعرضت لسوء تخزين مما عجل بانتهائها، بالإضافة انها معرضة للشمس بشكل مباشر أثناء عرضها للبيع في بسطات مفتوحة في الأسواق الشعبية.
خيار إجباري للفقراء
في العادة غالبية زبائن تلك المنتجات القريبة من الانتهاء هم من أولئك المواطنين الأشد فقراً حيث يرون بتلك المنتجات فرصة للحصول على كمية كبيرة بمبلغ بسيط، غير أن الحرب أدخلت الكثير من الناس ضمن أولئك المحتاجين نتيجة الأوضاع المتردية.
"أم محمد" (40عام) تتسوق بشكل معتاد من البائعين الذين يعرضون تلك المنتجات بشكل يومي على المواطنين، وتشتري كميات قليلة منها بحسب الأهمية وأيضاً الأقل مخاطر حوله من الحاجات التي بالإمكان استهلاكها ومدة انتهائها لا زالت أكثر من شهر.
وقالت في حديث لـ "يمن شباب نت" أنها ليست أول تجربة لها في شراء تلك المنتجات التي أصبحت قريبة من الانتهاء فهي تأتي الى تلك البسطات التي تبيعها ما بين الحين والآخر لرؤية المنتجات الجديدة التي أصبحت معروضة للبيع".
غير أن "أم محمد" ذكرت سبب شرائها تلك المنتجات هو "الأزمة التي تعيشها أسرتها بسبب انقطاع راتب زوجها لأكثر من عام ونصف حيث أنها تجد في تلك المنتجات فرصة للحصول على مواد غذائية بأسعار أقل".
وتعد تلك المنتجات خيار إجباري للكثير من الفقراء والذين تدهورت معيشتهم بسبب الحرب الجارية في البلاد للعام الرابع على التوالي، وهو ما وسع دائرة الفقر بأضعاف ما كانت عليه في السابق وبلغ نسبة الفقر 70% من السكان.
انتشار الأوبئة
يرى خبراء في حماية المستهلك أن تلك المنتجات التي قربت على الانتهاء تعد خطيرة على المستهلكين وأغلب تلك المنتجات تعرضت للتخزين السيئ في مخازن المستوردين وتجار الجُملة الذين لا يراعون الخطوات السلمية لتخزين تلك المنتجات.
واجتاحت الأوبئة عدد من المحافظات خلال السنوات الماضية جراء التلوث التي تعانيه المدن بسبب حالة عدم الاستقرار وغياب الدولة منذ بدء اندلاع الحرب، وهو ما أدى انتشار حمى الضنك، والكوليرا، والدفتيريا وأمراض أخرى لا تزال تتوسع في الانتشار من خلال العدوى، وتردي الخدمات الصحية.
ومع استمرار الحرب تتوسع دائرة الاحتياجات الإنسانية ومعها يتجه معظم المواطنين إلى بدائل خطيرة على حياتهم منها شراء المنتجات منتهية الصلاحية بالإضافة إلى خيارات أخرى أشد خطراً في البحث عن الطعام من القمامة في مأساة تظهر حجم تردي الأوضاع المعيشة للكثير من الأسر.