في حين ما زال الغموض يكتنف تفاصيل عملية مقتل القيادي الحوثي "صالح الصماد"، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، (يمثل رئاسة دولة الحوثيين)، حيث أعلنت ميليشيات الحوثي المتمردة، مطلع الأسبوع الماضي، عن مقتله بغارة جوية لطائرة بدون طيار، في محافظة الحديدة، غرب اليمن..
كشفت مجلة الـ"فورين بوليسي" (FP)، الأمريكية الشهيرة في تقرير مطول لها الجمعة، ترجمه "يمن شباب نت"، أن الصماد قتل بطائرة بدون طيار صينية الصنع، تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ونشرت المجلة تقريرها تحت العنوان الرئيسي: "كيف تغيّر طائرة إماراتية بدون طيار صينية الصنع الحرب في اليمن". وأردفته في الأسفل بعبارة توضيحية تقول: "تُظهر غارة جوية قتلت أحد كبار قادة الحوثيين أن الإمارات تنمو بثقة أكثر في عملياتها العسكرية"
وحيث أن المجلة استندت في بداية تقريرها على تسجيلات فيديو للعملية الجوية نشرها التحالف العربي، الذي تقوده المملكة السعودية في اليمن منذ مارس 2015، فقد كشفت أن الأوامر التي كانت تصدر أثناء الغارة مع الأصوات التي كانت تسمع في التسجيل المنشور على الإنترنت، كانت لضباط إماراتيين في غرفة الرقابة على حركة الطائرات المسيرة (درونز)، بدولة الإمارات.
وألمحت المجلة، ضمن تصريحات نشرتها لقادة عسكريين في التحالف يشرفون على معركة الحديدة، أن المعلومات الاستخباراتية لهذه العملية قدمها لقيادة التحالف، موظفون يتبعون "طارق صالح"، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق "علي عبد الله صالح". والذي تحول مؤخرا، بعد مقتل عمه أواخر العام الماضي، للعمل تحت قيادة ودعم دولة الإمارات في عملية تحرير ميناء الحديدة- غرب اليمن. بعد أن كان قبل ذلك يعمل تحت قيادة المتمردين الحوثيين أنفسهم في إطار تحالف الضرورة الذي نشأ بين الحوثين وعدوهم القديم "صالح".
وركزت المجلة في مطلع تقريرها، على شرح تفاصيل الغارتين الجويتين، مستندة على تسجيلي الفيديو المنشورين للتحالف، لتنتقل إلى الحديث عن دور طارق ورجاله في هذه العملية، قبل أن تتحول بعد ذلك إلى البحث عن عواقب هذه العملية على الحرب في اليمن وتعقيدها عملية السلام المنشود برعاية الأمم المتحدة، وكذا تأثيرها أيضا على تماسك الجبهة الداخلية للتمرد الحوثي.
وفي العمق، ذهب التقرير لتسلط الضوء على دور الإمارات ومطامعها التوسعية في المنطقة وعلاقة الولايات المتحدة ودورها في ذلك. وكيف أن القوة العسكرية المتنامية للإمارات تستهوي إدارة الرئيس الأمريكي ترمب من أجل تخفيف العبئ والضغط والمخاطر على القوات الأمريكية في محارب الإرهاب باليمن.
وتختتم المجلة تقريرها بالحديث عن عواقب ومساوئ هذه الحرب الإماراتية الناشئة في اليمن، بما في ذلك النتيجة التي خلقتها الضربة الجوية الأخيرة على "الصماد"، وصعود شخصية أكثر تشددا بديلا عنه، هو "مهدي المشاط" الراديكالي المرتبط بعلاقات وطيدة مع حزب الله اللبناني.
لقراءة كامل التقرير، بعد ترجمة "يمن شباب نت" له:
في مساء يوم الاثنين، بدأ بتداول شريط فيديو على الإنترنت يظهر طائرة بدون طيار بالأبيض والأسود وهي تقوم بمراقبة قافلة مكونة من سيارتين تسيران باتجاه الشمال على طول الطريق في شارع 45، شرق الحديدة، اليمن. في الفيديو، يظهر هدف الطائرة بدون طيار- وهي سيارة تويوتا لاند كروزر زرقاء – وهي تلتف إلى شارع جانبي. وإن هي إلا ثوان معدودة، حتى تم قصفها بصاروخ السهم الأزرق 7 الصيني الصنع.
سائق السيارة الثانية داس بقوة على الفرامل. وهرع هو ورفاقه إلى سيارة القيادة (المحترقة)، والآن هم في مرمى النيران. "حدد الهدف"، صدرت أوامر من الضابط، المسئول عن مراقبة تغذية الطائرات بدون طيار من غرفة العمليات في دولة الإمارات العربية المتحدة. يبدأ الناجون بالابتعاد عن الحطام. "اقتلهم! أقتل الأشخاص! (يرتفع صوت الضابط في الغرفة)
في تمام الساعة 2:02 ظهرا، سددت الضربة الثانية بنجاح. تنفجر غرفة القيادة بالتصفيق. “ضربة جيدة يا شباب، ضربة جيدة!" أصبنا سيارة ابن الكلب هذا"، ارتفعت ابتهاجات الضباط في لقطات الفيديو التي استعرضتها مجلة السياسة الخارجية (FP).
قُتل صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، في غارة بطائرة بدون طيار، وبمقتله سُددت ضربة قاضية لعملية السلام اليمنية الراكدة أصلا. وكان الصماد يعتبر شخصية تصالحية داخل التمرد الحوثي وكان قد سعى للتوصل إلى تسوية تفاوضية للحرب الأهلية في اليمن. وكان من المقرر أن يلتقي مع مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، في 28 أبريل.
ومع ذلك، فإن التاريخ الدقيق للضربة ما يزال غير واضحا. ويوم الأثنين الماضي أعلن الحوثيون وفاة الصماد، فيما أفادت العديد من وكالات الأنباء الغربية أنه قُتل يوم الخميس قبل الماضي. لكن الصماد بحسب ما تتداوله تقارير كان حاضرا في جنازة يوم السبت، مشيرة إلى أن الضربة التي قتلته وقعت على الأرجح يوم الأحد، 22 أبريل.
وتأتي حادثة مقتل الصماد في الوقت الذي يدخل فيه اليمن عامه الرابع من الحرب الأهلية. ففي العام 2014، سيطر الحوثيون على المناطق الشمالية الغربية من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء. وفي العام التالي، بدأ تحالف بقيادة السعودية، يضم الإمارات العربية المتحدة، عمليات عسكرية لإسقاط الحوثيين في نزاع أسفر عن مقتل أكثر من 10,000 في اليمن.
الضربة الجوية، التي تعد أول عملية اغتيال ناجحة لشخص بارز في تمرد الحوثي، من شأنها أن تسلط الضوء على الحزم العسكري المتزايد لدولة الإمارات العربية المتحدة. ومنذ العام 2016، تحاول هذه الدولة الخليجية ترسيخ نفسها كشريك رئيسي للغرب في مكافحة الإرهاب في المنطقة، في الوقت الذي تقوم فيه بتعزيز قدراتها العسكرية من خلال صفقات أسلحة مع بيجين (العاصمة الصينية).
يقول فارع المسلمي، وهو زميل مشارك في مؤسسة شاتام هاوس: "إنهم يعملون بجد بشكل لا يصدق، لكي يكونوا المقاول التجاري الجديد في المنطقة، سياسياً وعسكرياً". وأضاف: "ما عدوا يريدون البقاء على الهامش. واليمن واحدة من المعارك التي يعتقدون بأنهم يمكن أن يطوروا خلالها كل من قدراتهم وأوراق اعتمادهم على حد سواء".
وعلى نحو مكثف استثمرت دولة الإمارات في المساعدات العسكرية للقوات المدعومة من قوات التحالف في اليمن. وقد أسست عدد من الوحدات الأمنية، التي ينظر إليها من قبل الأمم المتحدة على أنها قوات تعمل بالوكالة، لمحاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على الساحل الجنوبي. وحاليا، توجه الإمارات جهودها لدعم طارق صالح، ابن أخ الرئيس الراحل علي عبد الله صالح الذي يقود هجوماً لاستعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي من الحوثيين.
ويقول قائد عسكري رفيع في القوات البرية للتحالف التي تتقدم من ميناء المخأ: "في الأيام الأخيرة، كنا نراقب عن كثب تحركات قيادة الحوثيين"
الغارة الجوية التي قُتل فيها "الصماد" كانت جزءًا من هجوم التحالف بقيادة السعودية على الحديدة. وعلى الرغم من أن السعوديون أعلنوا المسئولية عن هذه الضربة، إلا أن المعلومات الاستخباراتية عن الهجوم (الجوي) أرسلت عبر موظفي طارق صالح إلى الإمارات، والتي قامت هي أيضا بتنفيذ هذه العملية.
ولم ترد الإمارات العربية المتحدة على طلب (المجلة) بالحصول على تعليق رسمي. (حول هذا الأمر)
كان الرئيس السابق صالح- الذي أطيح به في عام 2011 خلال الربيع العربي- خاض حربًا استمرت 10 سنوات ضد حركة التمرد الحوثية القائمة على أحياء الزيدية والتي كانت تحاول الإطاحة بالحكومة. وفي عام 2014، دخل صالح في شراكة مع الحوثيين كوسيلة فعالة لتقويض حكم خليفته، الرئيس عبد ربه منصور هادي. ومع ذلك، أنهار تحالف الضرورة هذا بعد معركة شرسة في العاصمة أدت إلى مقتل صالح أواخر العام الماضي.
الأمر الذي أضطر طارق صالح ورجاله للارتماء في حضن الإمارات العربية المتحدة، حاملين معهم معرفة عميقة بالأعمال الداخلية للحوثيين.
ويوضح أحد كبار قادة التحالف المشرفين على العمليات العسكرية لاستعادة الحديدة، قائلا: "ما زلنا نحافظ على علاقة تواصل مع بعض الحوثيين. ... وفي بعض الأحيان، تتواءم أجنداتنا".
لم يكن مقتل الصماد هو الحادث الوحيد. فقد قُتل مؤخرا في غارات جوية على مدار الأسبوع الماضي عدد من الشخصيات الحوثية الرئيسية، الذين لهم صلة وثيقة بالمشاركة في مقتل الرئيس السابق صالح. وهم: منصور السعيدي، قائد قوات البحرية الحوثية؛ صلاح الشرقي، نائبه؛ ناصر القبارى، القائد العام للقوة الصاروخية الحوثية؛ وفارس مناع، وهو تاجر أسلحة سيئ السمعة والمحافظ السابق لصعدة.
ومن المرجح أن يؤدي موت الصماد إلى تفاقم الانقسامات الحالية القائمة داخل الحركة الحوثية، حيث كان الصماد قد لعب دوراً هاما في تماسكها. وكان أعضاء كبار في الحركة يقولون إن الوقت قد حان للتفاوض وتأمين صفقة مناسبة للحركة. وكان يُنظر إلى الصماد كمفاوض موثوق به بسبب صلاته القوية مع عائلة صالح. وعلى النقيض من ذلك، اعتقد معظم قادة الحركة أن هزيمة الرئيس السابق أثبتت جدوى اتباع نهج أكثر عدوانية.
وتوضح الضربة التي طالت الصماد أن الإمارات تسعى أيضًا إلى مواصلة الصراع العسكري وتختبر قدراتها الحديثة. وفي العام الماضي، باعت الصين إلى الإمارات العربية المتحدة طائرات وينج لوونج2، وهي مركبة جوية مسلحة بدون طيار وتعادل الطائرة الأمريكية MQ-9.
يقول جاستين برونك، وهو زميل باحث متخصص في القوة الجوية في المعهد الملكي للخدمات العسكرية المتحدة في لندن: "انحرفت الإمارات العربية المتحدة بجرائة في نشر طائراتها بدون طيار"، مضيفا: "فقد رأينا أنهم على استعداد لاستخدامها في مناطق حساسة سياسياً، مثل ليبيا، حيث قاموا بتنفيذ غارات جوية".
ويقول برونك إن الصماد قُتل برأس حربي شديد الانفجار يتسق مع خصائص "AKD-10"، وهو صاروخ صيني الصنع يكافئ صاروخ هيلفاير الأمريكي.
هذا جزء من سياسة إماراتية أوسع لتوسيع النفوذ في كافة أنحاء المنطقة، بعدد من القواعد العسكرية على طول الساحل الجنوبي لليمن؛ وقاعدة جوية هي الأكبر في عصب، إريتريا؛ وخطط للتعاون الدفاعي مع الصومال. كما تقوم الإمارات العربية المتحدة ببناء علاقات مع السودان والسنغال، وكلاهما أرسل قواته إلى الخطوط الأمامية لليمن.
وبحسب ملاحظة ضابط استخبارات في حلف الناتو، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، فإنهم (أي لإماراتيين) "ينفقون الكثير لتوسيع جيشهم". ويضيف أن واشنطن منحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة "تفويضا مطلقا للتوسع".
يتناغم دور الإمارات المتنامي مع مصالح الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وقد شهد اليمن زيادة مثيرة في عدد هجمات الطائرات بدون طيار منذ بداية إدارة الرئيس دونالد ترامب. كما تشن الولايات المتحدة غاراتها وهجماتها الخاصة، بما في ذلك هجوم كبير جدا شنته قوات الكوماندوز في مقاطعة البيضاء في يناير 2017. وهذا الهجوم، الذي أدى إلى مقتل جندي البحرية الأمريكية وليام أوينز وما لا يقل عن 16 مدنيًا يمنيًا، أعتبر فاشلا.
إن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بهجمات جوية مباشرة من شأنه أن يخفف عن القوات الأمريكية أمرين: الضغط الذي عليها، والمخاطر التي تتعرض لها، ولذلك عززت الولايات المتحدة جهود الإماراتيين بشغف كبير. كما شاركت واشنطن في الحرب الأهلية في اليمن، حيث قدمت الأسلحة والتدريب للقوات السعودية والإماراتية، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي والاستخباراتي المباشر لحملة التحالف الجوية، بما في ذلك تزويد طائرات التحالف بالوقود أثناء الطيران.
لكن الضربة الجوية على الصماد تمثل أيضا تحديا للحكومات الغربية. فقد دعمت المملكة المتحدة، والسويد، وهولندا، وآخرين غيرهم، عملية السلام في الأمم المتحدة بشكل قوي. وفي حين أن المملكة العربية السعودية والإمارات نوعتا من مصادر معداتهما، فإنهما رفعتا أيضًا من قدرتيهما على التحرك من جانب واحد باستخدام طرق قد تختلف عن المصالح الأمريكية.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي لمجلة فورين بوليسي (FP): "إننا نتابع التقارير التي تشير إلى مقتل الصماد الأسبوع الماضي، والتي أعلن الجيش السعودي مسئوليته عنها".
وكانت الولايات المتحدة قد رفضت في وقت سابق تصدير طائرات مسلحة بدون طيار إلى الإمارات، لكن إدارة ترمب أصدرت هذا الشهر مجموعة من السياسات الجديدة، تخفف من القيود السابقة.
ومن أبرز ما تضمنته تلك السياسة الجديدة، نقرأ هذا الاقتباس: "سنسهل وصول الشركاء الدوليين إلى [الأنظمة الجوية لطائرات بدون طيار] الأمريكية في الحالات التي ستعزز فيها أمن هؤلاء الشركاء وقدرتهم على تعزيز الأمن المشترك أو أهداف مكافحة الإرهاب".
ومع أن الإمارات تقوم بالفعل بتشغيل طائرات بدون طيار صينية في مهمات قتالية، ومع زيادة التواجد الصيني في جيبوتي، فإن الخليج يمكن أن يصبح جبهة جديدة في الصراع الأمريكي مع بيجيين من أجل النفوذ.
في هذه الأثناء، سيترتب على هذه الحرب الإماراتية الناشئة عواقب على الأرض في اليمن. فخليفة الصماد، مهدي المشاط، الذي تم تعيينه يوم الإثنين، متشدد وله صلات واسعة بحزب الله في لبنان.
ويزعم علي البخيتي، وهو شخصية بارزة سابقة في جماعة الحوثي ويتواجد حاليا في عمان، الأردن، أن هناك تطرفاً تناميا متزايدا داخل الحركة للتطرف الديني بالمتمثل بالصفوية. ويقول: "إن المشاط هو النظير القطبي المعاكس لسلفه: فهو عديم اللباقة، ويهدد، ولا يساوم".
ويضيف: "إنه لا يبني علاقات - إنه يضرهم".
- كتب التقرير بواسطة "روان شايف"- صحفية مستقلة تغطي اليمن؛ و"جاك واتلينج"- أكاديمي يدرس سياسة الصراع المدني.
- المصدر الرئيسي للمادة أضغط
أخبار ذات صلة
الجمعة, 27 أبريل, 2018
غداة تشييع جثمان الصماد.. التحالف يشن غارات عنيفة في صنعاء.. تعرف على المواقع المستهدفة