في الـ24 من سبتمبر/أيلول 2014، أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قراراً بتعيين صالح الصماد مستشاراً سياسياً، ضمن صفقة فرضتها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عقب اجتياح صنعاء وسيطرتهم على مؤسسات الدولة وسلاح الجيش، حينها كان أغلب اليمنيين يسمعون اسم الصماد للمرة الأولى.
بقوة السلاح فرض الحوثيون مشاركتهم في حكومة ائتلافية أشرف على تشكليها المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن جمال بن عمر، وُسمّيت "حكومة السلم والشراكة" .
حاول الحوثيون، انتزاع قرار من هادي بتعيين "الصماد" في منصب "نائب الرئيس"، رفض هادي، فاقتحم مسلحو الجماعة منزله ووضعوه تحت الإقامة الجبرية وأجبروه على الاستقالة، قبل إعلانهم الانقلاب وتشكيل لجنة ثورية لإدارة شؤون البلاد عبر ما يسمى "الاعلان الدستوري".
كان "الصماد" واجهة الحوثيين في المفاوضات السياسية محلياً وخارجياً، وقد ترأس أول وفد رسمي للجماعة إلى طهران في الأول من مارس/آذار 2015 ، وأعلن عقب عودته عن تنظيم رحلات للطيران الإيراني إلى صنعاء، و توقيع اتفاقيات مع الحكومة الإيرانية تتعهد بموجبها بدعم سلطة الحوثيين في مجالات الكهرباء والمشتقات النفطية، وهي الاتفاقات التي أثارت غضباً يمنياً خليجياً.
وبعد شهر من إعلان السعودية عن عملية عسكرية ضد الحوثيين يوم 26 مارس/آذار 2015 ، ظهر "الصماد" من على منبر الجامع الكبير في العاصمة اليمنية، يؤكد في خطبة الجمعة، يوم 28 أبريل/نيسان، أن "ثورة" الحوثيين أنجزت أهدافها.
قبل 11 عاما من اعتلاءه منبر الجامع الكبير في العاصمة اليمنية، كان "الصماد" خطيباً لجامع الحوثيين في محافظة صعدة (شمال)، وهي المعقل الرئيس للجماعة ومسقط رأس مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل عام 2004 ، خلال معارك مع القوات الحكومية اليمنية.
كما عمل "الصماد" رئيسا للجنة الثقافية للجماعة، إلى جانب كونه مقاتلا في صفوفها خلال ستة حروب خاضتها ضد القوات الحكومية منذ عام 2004- 2009 ، قبل توقف الحرب عام 2010 ضمن تسوية أشرفت عليها دول خليجية منها السعودية وقطر، ومنذ مطلع 2011 ، أصبح رئيسا للمجلس السياسي لجماعة الحوثيين التي ظهرت باسم جديد هو "أنصار الله".
بعد أشهر من العملية العسكرية للتحالف، الذي تقوده السعودية ، ظهر "الصماد" في العاصمة العمانية مسقط، ضمن وفد تفاوضي من الجماعة ضم الناطق الرسمي محمد عبد السلام، وأجرى مباحثات مع مسؤولين غربيين خلال شهري مايو/آيار، ويونيو/حزيران من العام نفسه، قبل أن يعلن الحوثيون، بصورة غير مباشرة، عن استبعاده، وتعيين محمد عبدالسلام رئيسا لوفدهم إلى مفاوضات جنيف ثم مشاورات الكويت مع الحكومة المعترف بها دولياً.
ولمدة عام كامل ظل صالح الصماد متوارياً عن المشهد السياسي، قبل أن يتصدر اسمه المشهد ونشرات الأخبار مجددا في 28 يوليو/تموز 2016، بعد الإعلان عن تشكيل مجلس سياسي لإدارة شؤون البلاد برئاسته، وبموجب اتفاق بين حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والحوثيين.
ولنحو عامين، جلس "الصماد" على كرسي الرئاسة، الذي شغله قبله الرئيس عبد ربه منصور هادي لعامين والرئيس علي عبد الله صالح لـ33 عاما وإن كان رئيساً غير معترف به دولياً، لكنه أصبح رجل الحوثيين وواجهتهم في السلطة التي باتت تعرف باسم " سلطة الأمر الواقع" وتحكم صنعاء ومؤسسات الدولة ولديها حكومة ومصرف مركزي وموارد مالية كافية.
وخلال عامين حكم فيهما "الصماد"، ظهر الرجل باعتباره سياسيا مرناً سعى مراراً لاحتواء الخلافات بين طرفي حكومة صنعاء من الحوثيين وحزب صالح، قبل أن تشتعل الخلافات بين الطرفين، إثر معارك دامت لأربعة أيام وانتهت بمقتل صالح يوم 4 ديسمبر/كانون الأول 2017.
عقب مقتل صالح، أصبح "الصماد" رئيس ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" (يعد بمثابة رئاسة البلاد، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين)، الرجل الأول في مناطق سيطرة الحوثيين، فيما كانت وسائل الإعلام تتحدث عن خلافات داخل قيادة جماعة الحوثي، بين الصماد، ومحمد علي الحوثي، رئيس ما يسمى "اللجنة الثورية العليا"، وهي لجان حوثية تسيطر على مؤسسات الدولة عبر مندوب في كل مؤسسة يسمى "المشرف".
ومنتصف أبريل/نيسان الجاري، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، في مقابلة مع صحيفة " نيويورك تايمز" الأمريكية ، إنَّ خطته القادمة هي تفكيك الحوثيين من الداخل والتفاوض مع الطرف الذي يلقي قبولاً للسياسة.
ويقول مراقبون، إن الطرف الذي كان يقصده ولي العهد السعودي داخل جماعة الحوثي هو جناح صالح الصماد الذي يقدم نفسه كسياسي مرن ويقبل التفاوض وتقديم تنازلات.
واليوم الإثنين، قالت قناة "المسيرة" الناطقة باسم الحوثيين، في بيان عاجل إن "المجلس السياسي الأعلى ينعي للشعب اليمني والأمة الرئيس الشهيد صالح الصماد".
وأوضحت، أن الصماد قُتل بغارة شنتها مقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، الخميس الماضي، في محافظة الحديدة، غربي البلاد، من دون تفاصيل إضافية.
وكما يتضح فإن مقتل "الصماد" يعني سيطرة الجناح المتشدد داخل جماعة الحوثي، بقيادة "مهدي المشاط"، الذي تم تسميته خليفة له، ما قد يلقي بتداعيات خطيرة على الحرب في اليمن، وفرص السلام الذي وعد المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن البريطاني "مارتن غريفيث"، برسم خارطة جديدة له في غضون شهرين.
وانضم الرئيس الجديد، "المشاط"، إلى المجلس السياسي، في مايو/آيار 2017، خلفا للقيادي "يوسف الفيشي"، ليصبح اليوم، رئيسا للمجلس الذي بات حوثياً خالصاً بعد انفراط عقد الشراكة مع حزب المؤتمر الشعبي العام مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي.