مساء الاحد، 25 مارس، شن الحوثيون المدعومين من إيران، أكبر هجوم صاروخي على المملكة العربية السعودية، بسبعة صواريخ بالستية أطلقت دفعة واحدة على عدة مناطق سعودية متفرقة بينها العاصمة (الرياض)، عشية الذكرى الثالثة لدخول التحالف العربي، بقيادة السعودية، الحرب في اليمن، لإنهاء انقلابهم واستعادة الشرعية إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته المعترف بها دوليا.
جاء الهجوم الحوثي الصاروخي بعد يوم واحد فقط على وصول المبعوث الأممي الجديد، البريطاني مارتن جريفيث، العاصمة اليمنية صنعاء، في أول زيارة له منذ تعيينه نهاية الشهر الماضي خلفا للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، لعقد لقاءات مع قيادات المتمردين الحوثيين، بحثا عن فرص السلام وإنهاء الحرب.
قبلها بأيام، كانت هناك تسريبات تتحدث عن مشاورات (سرية) بين السعودية والحوثيين. أعترف بها هؤلاء على مضض، بينما تجاهلت الرياض التعليق حولها بشكل رسمي.
وأيً كان الأمر؛ فإن الهجمات الصاروخية الأخيرة للحوثيين، يبو أنها قد طمرت معها كل شيء ممكن ومتاح. بل أبعد من ذلك، تنقلنا إلى البحث في مصير جهود المبعوث الأممي الجديد، التي بدأها لتوه، آملا في إعادة إحياء فرص السلام الدائم عبر مفاوضات شاملة ترعاها الأمم المتحدة، على أساس المرجعيات الرئيسية الثلاث: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، ومقررات مجلس الأمن...!! بحسب تأكيده الأسبوع قبل الماضي، في أول بيان له.
لماذا هذه الصواريخ مختلفة؟
خلال الثلاث سنوات من الحرب في اليمن، أطلق الانقلابيون الحوثيون عددا من الصواريخ البالستية على السعودية، تجاوزت حد الـ100 صاروخ. بحسب آخر تصريحات للناطق الرسمي باسم التحالف العربي. لكن صواريخ الأحد الماضي، السبعة، على ما يبدو، مختلفة عن سابقاتها.
والاختلاف هنا، ليس من حيث تأثيرها ونتائجها العسكرية- فجميع الصواريخ تؤكد المملكة أنها اعترضتها. بل الأمر يتعلق أكثر من حيث توقيتها الزمني، كما يرى محلل الشئون الدبلوماسية لشبكة CNN، نيك روبرتسون، في مقال تحليلي له نشره الموقع العربي للشبكة بعد يومين من الهجوم الصاروخي الحوثي، وحذر فيه من أن الحوثيين بهذه الهجمات يصبون "الوقود على نار في أوج اشتعالها"، مضيفا: "وبدلا من إخماد ألسنة اللهب والتفاوض، قاموا برفع المخاطر بدلا من ذلك".
وللتوضيح أكثر، أشار إلى أنه "خلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت هناك تلميحات إلى أن المحادثات عبر القنوات الخلفية تعمل على سد الثغرات بين الجانبين. إلا أن هذه الصواريخ من المحتمل أن تتسبب بوقف أي محادثات من هذا القبيل".
في الواقع، لطالما أعتقد محللون دوليون، أن أكثر ما يهم المملكة السعودية، للقبول بحل سياسي يخرجها من هذه الحرب بسلام، سواء بشكل ثنائي مع الحوثيين، أم عبر حوار شامل برعاية أممية، يتمثل بتأمين الرياض لأمرين رئيسيين؛ الأول: إيقاف إطلاق الحوثيين صواريخهم البالستية إلى أراضيها؛ والأخر: تأمين كلي لحدودها الجنوبية مع اليمن.
وبرغم مواصلة قيادات كبيرة في الجماعة الحديث عن استعدادهم للتعاطي الايجابي مع أي جهود سياسية تسعى لحل الازمة اليمنية، وايقاف الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن تصرفات الجماعة، بشقيها السياسي والعسكري، كانت دائما تنحو لإثبات العكس.
لذلك، عملوا أكثر على تعزيز قوتهم الصاروخية ومواصلة التقدم أكثر في معاركهم الحدودية مع السعودية. ولاسيما بعد فض شراكتهم الداخلية مع الرئيس السابق، علي صالح، الذي لقي حتفه على أيديهم أواخر العام الماضي. وذلك على العكس تماما لما اعتقده التحالف في هذا الجانب.
والأن، قد ينظرون أكثر إلى أن الحديث عن فرص التوصل لتسوية سياسية تفضي الى انهاء سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق شمال اليمن، ذات الكثافة السكانية الأكبر، لم يعد متاحا. أو على الأقل، ليس بتلك الصورة التي كانت في السابق. فالوضع الراهن، أصبح يتيح لهم فرص أكبر للمناورة، أفضل من ذي قبل. خصوصا في ظل ما نحت إليه، مؤخرا، العلاقة بين الحكومة الشرعية ودول التحالف.
وفي قرأته لمألات الحرب ومستقبل الأزمة اليمنية في ظل التصعيد العسكري للحوثيين، يرى الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي، أن "الحروب تستطيع أن تفرض السلام إذا كانت اهدافها نظيفة واخلاقية وعادلة"، مضيفا: "وما أراه في اليمن هو محاولات لفرض الإرادات على حرب لا أخلاقية".
وأكد، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، على أن "هذا الامر للأسف، بات ينطبق على التحالف، وليس فقط على الحوثيين"، موضحا: "فالتحالف نجح بعد ثلاث سنوات في فرض انقلاب موازي عبر التشكيلات السياسية والعسكرية الانفصالية التي دعم تأسيسها في الجنوب".
وأردف: "إن التحالف أيضا ينقلب على السلطة الشرعية عبر تقليص نفوذها السياسي والدستوري واقصائها من المناطق اليمنية التي دحر منها الانقلابيين".
ليست الصواريخ فقط.. بل التحالف أيضا
وفي الوقت الذي أعتقد فيه الحوثيون أن إثبات قدراتهم الصاروخية على هذا النحو، وفي هذا التوقيت، في ظل حراك دبلوماسي دولي لإنهاء الحرب اليمنية، من شأنه أن يعزز موقفهم التفاوضي؛ يرى مراقبون، أن تنامي القدرات الصاروخية للجماعة الانقلابية، بعد ثلاث سنوات من الحرب، قد يزيد الأمر تعقيدا في طريق المبعوث الدولي الجديد للتوصل إلى تسوية سياسية تفضي الى وقف الحرب وإنهاء معاناة اليمنيين.
وهو ما يذهب إليه التميمي، الذي يرى أن الحوثيين، بإطلاقهم الصواريخ على الرياض "يأملون في تعزيز موقفهم التفاوضي كشريك سياسي يمني، مقابل التحالف وليس مقابل السلطة الشرعية". الأمر الذي جعله ينوه الي أن "الحل السياسي يواجه تعقيدات لا يمكن تجاوزها في ظل الأجندات المتضاربة للتحالف".
وبدوره؛ يقلل المحلل السياسي والعسكري، علي الذهب، من الدور الذي يمكن أن يضطلع به المجتمع الدولي، بعيدا عما تفرضه الحقائق العسكرية والسياسية الماثلة على أرض الواقع. ويضيف "فحتى الأمم المتحدة، التي تمثل هنا المجتمع الدولي- ولو شكليا- دورها ليس فرض الحلول، بل التوفيق بين مختلف أطراف الحرب، وهذا ما اثبتته السنوات السبع الماضية منذ اندلاع احتجاجات فبراير/ شباط 2011".
وبناء على هذه الحقيقة، يرى "الذهب"، في تعليقه لـ"يمن شباب نت" أن من يفرض إرادته، هو "المنتصر"، مستدركا: "والحوثيون لم يصلوا بعد إلى مرحلة يمكن أن تضعهم في موقع المنهزم، فمازالت صواريخهم تستهدف المدن السعودية، وقواتهم ترابط على الحدود معها، بل وتشن، من وقت إلى آخر، هجمات وغارات على حدود هذه المدن، كما لا تزال أغلب مناطق الثقل السكاني اليمنية تحت سيطرتهم".
إلا أن ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، مع ذلك، يعتقد أن الحوثيين "أصبحوا معزولين سياسيا بشكل متزايد". كما نقلت عنه صحيفة "نيويورك تايمز"، خلال اللقاء الذي عقده مع محرريها ومراسليها الأسبوع الماضي، في إطار زيارته الحالية للولايات المتحدة.
وقد علقت الصحيفة على حديث ولي العهد السعودي، الذي ينسب إليه اتخاذ قرار الحرب السعودية في اليمن، بأنه "سعى لرسم صورة إيجابية للتقدم السعودي في الحرب في اليمن". وقالت الصحيفة إن "بن سلمان" أعتبر صواريخ الحوثيين السبعة التي أُطلقت على المملكة العربية السعودية يوم الأحد "جهدا أخيرا، لا يظهر سوى أنهم ضعفاء".
وبحسب الصحيفة الأمريكية، واسعة الانتشار، يحاول الأمير السعودي "إيجاد انقسام داخل الحوثيين مع الحفاظ على الضغط العسكري عليهم".
وعلى هذا النحو، يبدو أن الهوة تتسع أكثر بين الطرفين، بعيدا عن سبل السلام. ويفضل الباحث الاستراتيجي اليمني، "علي الذهب"، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، النزوع أكثر إلى تقييم أداء التحالف العربي مع المجتمع الدولي في الحرب اليمنية، منوها إلى أن هنالك "خللا واضحا في إدارة الحرب منذ اليوم الأول. كما أن هنالك خللا مماثلا في إدارة المعركة السياسية، وفي إدارة المفاوضات من قبل وسطاء الحل، الدوليين والإقليميين".
الأمر الذي- في نظره "جعل الحوثيين قوة غير قابلة للإخضاع، سواء من قبل التحالف أو من قبل الشرعية، التي يقف التحالف من خلفها، لكنه وقوف مكشوف الأهداف، تفصح بداياته عن النهايات التي يريدها من هذه الحرب".
وعليه؛ يستبعد "الذهب" أن تكون هنالك وسيلة لإجبار الحوثيين على الإذعان والرضوخ للحل السلمي، مالم تكن البداية أولا بتحديد: من هو الطرف الشرعي، الذي يدعمه التحالف؟"، مشددا على أن هذا الأمر، سيترتب عليه "تمكينه- دون مواربة- من كافة المناطق التي توصف بأنها محررة".
وعندها- يضيف "الذهب": "يستطيع هذا الطرف أن يفرض نفسه على الحوثيين". وحينها فقط "يمكن التصديق بأن التحالف يقف إلى جانب الشرعية، في دحر الانقلاب".
معركة إقليمية تقلص فرص الحل
على نحو آخر، لكنه يصب في سياق تعقيدات الحالة اليمنية؛ أعادت الهجمات الصاروخية الأخيرة للحوثين ضد المملكة السعودية، التركيز على إيران كطرف رئيسي متهم بدعم وتزويد الحوثيين بالصواريخ البالستية. الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تعقيد الحلول السياسية للحرب اليمنية. بحسب بعض المراقبين.
ومن جهته؛ لم يستبعد المحلل اليمني، ياسين التميمي، أن الحوثيين "ينفذون أيضا أهدافا إيرانية تسعى طهران من خلالها إلى تجنب مزيد من الضغوط أو التنازلات فيما يخص اتفاقها النووي مع الغرب".
ولفت الانتباه الي أن "هناك محاولة لتحويل الحرب في اليمن إلى مواجهة إقليمية". وهذا بدوره "يقلص فرص الحل، سواء تلك التي يمكن فرضها بواسطة الحرب أم بواسطة المفاوضات".
ويُعتقد أن زيارة ولي العهد السعودي الحالية إلى أمريكا، جزء أساسي منها يتعلق بالحصول على دعم أمريكي واسع، من مختلف المؤسسات الفاعلة والمؤثرة هناك، ضد سياسات إيران العدائية في المنطقة، بما يفضي إلى فسخ وإيقاف الاتفاق النووي معها من جهة واشنطن على الأقل.
أبعد من هذا؛ هناك من يتحدث عن محاولة يخوضها الأمير "بن سلمان" للتوصل إلى اتفاق سعودي-أمريكي-إسرائيلي، مشترك، للقيام بـ"مغامرة عسكرية ضد إيران، شبيهة باحتلال العراق عام ????، مع مفاعيل مدمرة لكل المنطقة دون تمييز". بحسب مخاوف أعرب عنها السياسي اللبناني الدرزي البارز، وليد جنبلاط، في إحدى تغريداته.
وقد أعتبر محلل الشئون الدبلوماسية في شبكة (CNN) الأمريكية، روبرتسون، إن "هذه الصواريخ هي لفتة من الصعب على الحكومة اليمنية والتحالف الذي تقوده السعودية بالإضافة إلى الأمم المتحدة أن تتجاهلها".
إلا أن العامل الأكثر خطورة في كل هذا، في اعتقاده، ربما هو "انتقاء اللحظة التي يكون فيها رجل السعودية الأقوى، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خارج البلاد في زيارة تستغرق أسبوعين للولايات المتحدة".
ويتابع: إنه أمر خطير، لأن ولي العهد السعودي يدعو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب لأن يكون أكثر صرامة مع إيران، وقد يكون ترامب الآن، أكثر تقبلاً لهذه الفكرة، بعد أن عين مؤخراً مزيدا من منتقدي إيران في إدارته.
وفي أحدث موقف، شكك البيت الأبيض في التزام الحوثيين بعملية السلام، بعد شنهم، الأحد الماضي، هجمات صاروخية على السعودية، متهما الحرس الثوري الإيراني بتزويدهم بالأسلحة.
وأعتبر البيت الأبيض، في بيان له اليوم السبت، أن الحوثيين "ردوا على جهود الأمم المتحدة لاستعادة العملية السياسية في اليمن بالتهديد بشن المزيد من الهجمات الصاروخية".
وأضاف: "الهجمات تؤكد استمرار الحرس الثوري الإيراني في عرقلة العملية السياسية وزعزعة استقرار المنطقة"، مؤكدا على أن "الولايات المتحدة ثابتة في مساعدة شركائنا على الدفاع عن أنفسهم وتقديم المساعدة الإنسانية التي هم في أمس الحاجة إليها".
ويأتي هذا التصعيد الأمريكي، بعد يومين على محاولة مجلس الأمن الدولي تخفيف التداعيات السلبية.
فقد أصدر المجلس، الخميس الفائت، بيانا، استهله بإدانة تلك الهجمات الصاروخية البالستية للحوثيين على السعودية، مؤكدا على أنها "تُشكل تهديدا للأمن القومي للمملكة ولأمن المنطقة".
وحرصا منه على عدم تأثير تلك الهجمات الصاروخية على مسار الحوار، جدد المجلس في بيانه التأكيد "على ضرورة عودة جميع الأطراف إلى الحوار، باعتباره الوسيلة الوحيدة للتوصل لتسوية سياسية"، داعيا الجميع إلى "الانخراط بشكل بناء مع المبعوث الدولي بهدف التوصل لاتفاق نهائي وشامل لإنهاء النزاع".
والأن، بعد هذا كله، من الواضح أن طريق المبعوث الأممي (الجديد)- الذي كان معبدا قبل أسابيع قليلة، أكثر من أي وقت مضى، بفعل الحراك الدبلوماسي الدولي النشط خلال الشهرين الماضيين- هاهي قد دمرته الصواريخ الحوثية في بضعة دقائق معدودة، ونثرت في طريقه صخور كبيرة.
ومع ملاحظة أن المبعوث الجديد ينتهج سياسة الصمت وعدم الادلاء بتصريحات أو بيانات صحفية حول ما يقوم به أو نتائج لقاءاته؛ بل إنه فضل عدم التعليق، حتى الأن، على تلك الهجمات الصاروخية المتعددة، والأقوى، على الأراضي السعودية؛
فإن السؤال الملح، هنا، هو: إلى أي مدى يمكن لهذا المبعوث، الذي عول الجميع على خبرته التفاوضية الكبيرة، أن ينجح في تجاوز تلك التداعيات المتصاعدة يوما إثر آخر، في ظل متغيرات متسارعة، يحكمها توتر دولي وأقليمي متزايد هو الأخر؟