في وقت متأخر من مساء الأحد، اعترضت صواريخ الباتريوت الأمريكية الصنع صاروخاً بالستياً أطلقه المتمردون الحوثيون من اليمن باتجاه العاصمة السعودية الرياض. حيث يأتي الهجوم بعد أيام من دعم وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس لـ"جهود عاجلة للسعي لحل سلمي للحرب الأهلية في اليمن. كما يأتي الهجوم أيضا بعد تصويت مغلق لنواب الكونغرس الامريكي، أجري نهاية الأسبوع الماضي (44-55) لمصلحة استمرار الدعم العسكري الأمريكي للحملة التي تقودها السعودية بهدف إعادة الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة إلى عاصمتها صنعاء.
وستجرى تصويتات مماثلة في أقل من شهر وسط نماذج جديدة لمسودة قانون يسعى لمعارضة مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد المتمردين الحوثيين، حيث تتضمن تلك المشاركة حالياً إعادة تزويد أمريكا للطائرات بالوقود جواً، وتأمين الاسلحة والمعلومات الاستخباراتية، إضافة الى الدعم في مجال التخطيط.
وخلال الاسبوع الماضي عُدت من اليمن، حيث قمت بزيارة جميع جبهات القتال الرئيسية ابتداء ً بالبلدات السعودية عند الحدود السعودية اليمنية، والتي هجرها سكانها خوفاً من الصواريخ، وحتى الجبال المطلة على صنعاء من الشرق، كما زرت سهول البحر الأحمر الساحلية، حيث تقترب القوات اليمنية والسعودية والاماراتية والسودانية من ميناء الحديدة الذي يعد آخر ميناء يسيطر عليه الحوثيون.
وقد عززت الزيارة من شعوري بأن الحرب لم تُفهم كما ينبغي في واشنطن وعواصم أخرى. ففي الواقع يساعد الدعم الأمريكي العسكري على تهيئة الظروف العسكرية والإنسانية للوصول الى نهاية للأعمال العدوانية وتقليص حدوث المجاعة وانتشار الكوليرا.
وكلما أطلعت أكثر في السنوات الأخيرة حول الحقائق القاسية لجهود حرب التحالف في اليمن، كلما ازدادت قناعتي بأن هذه حرب تستحق تقديم الدعم. ففي مارس عام 2015 لبى تحالف مكون من السعودية، والامارات اضافةً الى ثماني دول اقليمية اخرى، دعوة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وذلك لتقديم الدعم العسكري بعدما اجتاح المتمردون الحوثيون مقر الحكومة في عدن جنوب البلاد.
وفي غضون بضعة أيام فقط، كان على التحالف الذي تقوده السعودية أن يخوض حربا كبرى منذ البداية، لينقذ الحكومة المعترف بها دولياً من الهزيمة. وخلال الثلاثة أعوام الماضية استوعب التحالف العديد من الدروس نفسها التي استغرقت الولايات المتحدة الامريكية ثلاثة عقود من الزمن لكي تتعلمها فيما يتعلق بالأضرار الجانبية، وحرب التحالف، ومواجهة التمرد والعمليات العسكرية في المدن. وقد تم ارتكاب أخطاء ولكن تم تصحيحها خلال فترة أسرع بكثير مما كان عليه الوضع في التدخلات الامريكية على مر السنين.
الحملة الجوية للتحالف هي مثال على ذلك. فالحوثيون يعتبرون بشكل كبير عدوا يصعب استهدافه جواً: وذلك لأنهم يرتدون ملابس مدنية، ولا يحملون الأسلحة عند تحركهم من ثكنة عسكرية الى أخرى، كما أنهم يتعمدون الاختلاط بالمدنيين ويقومون بإنشاء مقراتهم في المستشفيات والمدارس. وقد تعمد الحوثيون تحريف العديد من حالات وفاة المدنيين الواضحة، حيث أنهم تاريخيا يبرعون كثيراً في عمليات الدعاية ونشر المعلومات المضللة.
وبغض النظر عن هذه التحذيرات، فإن التحالف يعترف بأنه أرتكب أخطاء عديدة في الفترات المبكرة للحرب الجوية، وحالياً يتعين على فريق تقييم الحوادث السعودي المشترك أن يسلك مساراً طويلاً باتجاه تحمل مسؤولية تلك الأخطاء. الأهم هو أن الحملة الجوية في اليمن يتم حالياً تنفيذها على الاقل بنفس دقة الحملات الجوية الامريكية الحديثة، مع تدقيق صارم للهدف وقواعد اشتباك مقيدة للغاية، كما شاهدت بأم عيني المتدربة.
وإذا كان الكونجرس يرغب بالمساعدة في تقليل خسائر المدنيين، فإذن عليه أن يمنح التحالف العربي وصولاً أكبر- وليس أقل- للمعلومات الاستخباراتية الامريكية، وليتم منحهم ذخيرة ذات أثر مخفف مثل القذائف القطرية الصغيرة.
أما بالنسبة للحوثيين، فهم لا يقومون بجهود مماثلة لتخفيف المعاناة. بل إنهم يستمرون بإطلاق الصواريخ الغير موجهة باتجاه المدن والمطارات السعودية، كما يقومون بنشر الغام بحرية غير موجهة في الطرق الملاحية البحرية لناقلات النفط في البحر الاحمر. وقد تحدثت مع فصل دراسي ممتلئ بالجنود الاطفال، بعمر 12 عاماً، قام الحوثيون بتجنيدهم بالقوة بالخدمة العسكرية وزجوا بهم في جبهات القتال.
إنهم الحوثيون إذن، وليس الحكومة اليمنية أو التحالف من يزرع الاراضي الزراعية اليمنية بآلاف الاطنان من الالغام، ويخلقون جيلاً كاملاً من اليمنيين المعاقين. إنهم الحوثيون من يفرضون الضرائب ويحتجزون الغذاء الانساني وصادرات الوقود، مما يجعل تلك السلع غير متوفرة لليمنيين، بينما يفتح التحالف خطوطاً جديدة للإمداد وينخرط في برامج اغاثية على نطاق واسع يتم تسليمها عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والهلال الاحمر الاماراتي.
وطالما يسيطر الحوثيون على عاصمة اليمن والميناء الاكبر في البلاد، فلن تكون لديهم دوافع للتفاوض، حيث لابد أن يخشوا فقدان تلك الغنائم لكي يعودوا الى طاولة السلام.
لا توجد هنالك حرب يمكن فهمها من الخارج. وإنني أوصي الكونجرس بأن يأخذ نظرة عن قرب للصراع في اليمن قبل قيامه بأي عمل ربما يطيل أمد الحرب والمعاناة الانسانية كنتيجة لذلك. إن دعايات الحوثيين الخادعة ليست هي القصة الكاملة، ويُلاحظ أن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة حول اليمن تحولت تدريجياً نحو انتقاد للحوثيين بشكل أكثر حدة من التحالف وذلك في معظم (فقرات) تقريرها السنوي الاخير.
وبكلفة اقل، فإن دعماً امريكيا منتقى بعناية للحرب بإمكانه تخفيف هجمات الصواريخ على اهداف مدنية في السعودية، كما يقلص من حصول الدمار المباشر خلال غارات التحالف، كما انه سوف يحمي الطرق الملاحية البحرية الدولية كمضيق باب المندب، إضافة الى أنه سيجلب الضغط على الحوثيين للانضمام مجدداً لعملية السلام. تلك هي الانجازات التي ينبغي الاحتفال بها، وليس العكس.
*لقراءة المادة من مصدرها الرئيس في موقع "ذا هيل" الأمريكي إضغط هنا