ما كان في السابق محصورا فقط في الدهاليز الخلفية، بشأن انحرافات التحالف العربي عن أهدافه في اليمن؛ خرج اليوم- بعد ثلاث سنوات من الحرب- إلى السطح، بشكل تصريحات علنية صريحة، أطلقها وزراء في الحكومة اليمنية، الأسبوع الماضي، أمام الجميع.
الإثنين الفائت، أُعلن عن تقديم نائب رئيس الوزراء اليمني، وزير الخدمة المدنية، عبد العزيز جباري، استقالته إلى رئيس الجمهورية. ومساء اليوم التالي، ظهر "جباري" على "قناة اليمن" الفضائية، التابعة للحكومة، في مقابلة تلفزيونية لم تنقصها الصراحة والشجاعة. حيث لم يقتصر على تأكيد خبر استقالته فحسب، بل وأوضح أسبابها، مطالبا بإعادة تصحيح العلاقة مع التحالف العربي، على أساس من الاحترام المتبادل وليس التبعية المطلقة.
في اليوم التالي، أعقبه مباشرة، تقديم وزير الدولة، صلاح الصيادي، استقالته هو الأخر. وفي بيان الاستقالة الذي نشره على صفحته الخاصة بـ"الفيس بوك"، انتقد الوزير المستقيل تحولات العلاقة بين التحالف العربي والحكومة اليمنية، والتي أعتبرها "غير واضحة، وغير متكافئة، وانتقلت من الشراكة إلى التبعية التامة".
انحراف ودور مشبوه
وتأتي هذه الاستقالات، وما ترافقها من دعوات ومطالبات تصحيحية، في خضم تزايد الانتقادات الشعبية والإعلامية، محليا ودوليا، لا سيما مؤخرا، فيما يتعلق بدور التحالف العربي في اليمن، ومدى جديته في حسم المعركة عسكريا لمصلحة الحكومة الشرعية.
وقال لـ"يمن شباب نت"، المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، المتواجد حاليا في مدينة إسطنبول بتركيا والتي غادر إليها عقب اندلاع الحرب اليمنية مباشرة، إن استقالة الوزيرين (جباري والصيادي)، تعبير عن "حالة انسداد" في أفق العلاقات بين الحكومة الشرعية، وما يصفه بـ"تحالف الرياض- أبوظبي".
ويزداد التشكيك في عدم جدية التحالف بحسم المعركة، خصوصا، بعد استكمال دولة الإمارات السيطرة على كامل سواحل ومواني وجزر المحافظات الجنوبية والغربية المحررة، عن طريق قوات عسكرية (تعرف بالأحزمة والنخب الأمنية)، شكلتها ودعمتها وتديرها خارج إطار أجهزة الدولة اليمنية وحكومتها الشرعية. في حين أنها ما زالت تسعى، بكل دأب وتفاني، إلى تشكيل قوات مشابهة، رديفة، في المحافظات الشمالية..!
وهو ما أكده الوزير المستقيل، صلاح الصيادي، حين أشار- ضمن بيان استقالته- إلى أن بوصلة أهداف وغايات عاصفة الحزم وإعادة الأمل "انحرفت من قبل بعض أطراف التحالف العربي لدعم إعادة الشرعية إلى اليمن"، محذرا من أن اليمن أصبحت مهددة بالتشرذم الى كنتونات تتحكم بها مليشيات مسلحة مدعومة بكل ما يلزم مادياً وعسكرياً في مقابل تقليص، وأحياناً منع الدعم، عن المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تتبع مؤسسة الدولة الشرعية.
كما ذكر الوزير "الصيادي"، أن من أسباب استقالته: "عرقلة أعمال الحكومة وجهودها الحثيثة في إعادة تطبيع الحياة في المناطق المحررة، وإيقاف الدعم عنها نهائياً منذ أكثر من عام، وتعطيل كل المرافق والمؤسسات الإيرادية".
وبحسب المحلل السياسي اليمني، التميمي، في سياق تصريحاته الخاصة لـ"يمن شباب نت"، فأن ما وصفها بـ"حالة الانسداد" في أفق العلاقات بين اليمن والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، جاءت "بعد أن مضى هذا التحالف قدما في افناء الشرعية وانهاء وجودها وتأثيرها في المناطق التي كنا نعتقد أنها محررة قبل أن تصبح مجرد مجال جديد لنفوذ هاتين الدولتين".
بين ما هو "معلوم" و "جديد"
وأثارت استقالة الوزيرين (جباري والصيادي)، ومبرراتها، جدلا كبيرا، داخليا وخارجيا.
ومع أن البعض نظر إلى الأمر على أنه ليس أكثر من مجرد تأكيد ما هو معلوم؛ من سيطرة التحالف على كامل قرار وتفاصيل الحرب اليمنية، فقد أرجع هؤلاء السبب الرئيسي إلى عجز الرئاسة والحكومة الشرعية المدعومة دوليا، من التصرف أو القيام بشيء إزاء هكذا وضع مختل، رغم امتلاكها كامل الصلاحيات للقيام بذلك استنادا لقرارات مجلس الأمن الدولي. إلا أنها وبدلا عن ذلك، رضت وتماشت مع تلك الاختلالات خطوة بخطوة منذ البداية، إلى أن بلغت ذروتها من التعقيد، مؤخرا.
فـ"التميمي"، مثلا، يميل في تفسيره إلى هذا الطرف. إذ يرى بتحميل الحكومة الشرعية، جزءا كبيرا من مسئولية ما يحدث، كونها "سكتت في الماضي عن تجاوزات خطيرة من قبل التحالف"، إلا أنه يعتقد بأنها هذه المرة "بدأت تشعر بالقلق فعلا، حيال خطوات تتخذ سرا، لإلغائها من المعادلة السياسية، على ضوء ما أُشيع حول محادثات سرية بين الرياض والحوثيين". في إشارة إلى ما كشفته وكالة "رويترز"، منتصف الشهر الجاري، من وجود محادثات سرية تجريها السعودية مع الحوثيين منذ أكثر من شهرين دون وجود ممثل للحكومة الشرعية. وهو الخبر الذي تناقلته أيضا وكالات ووسائل إعلام دولية أخرى، بشكل مستقل.
وفي المقابل، هناك من نظر إلى هذه التداعيات الأخيرة كحدث (مستجد) مفصلي هام؛ وقد يحرك الركود الذي آلت إليه الحرب بعد ثلاث سنوات، لاسيما إذا ما توالت الضغوطات لجهة المطالبة بتصحيح هذه العلاقة المختلة بين التحالف والحكومة، كما طالب الوزير "جباري" صراحة، بضرورة التوقف لتقييم هذه التجربة ومعرفة أسباب الفشل ومعالجتها.
وفي هذا الجانب، يقف الصحفي اليمني، وسام محمد، الذي يعيش في مدينة تعز- وسط اليمن الأقرب إلى الجنوب- حيث يترسخ لدى معظم أبناء هذه المدينة قناعة متزايدة بعدم رغبة التحالف العربي، وبشكل خاص (الإمارات)، في استكمال تحرير المحافظة، التي تحررت معظم مساحتها بجهود مقاتليها، لكنها ما تزال محاصرة من مدخليها الرئيسيين شرقا وغربا، في ظل أنعدام الجدية لتحريرها من قبل التحالف. كما يؤكد أبناء هذه المحافظة.
وفي سياق حديثه لـ"يمن شباب نت"، ينظر "وسام" إلى استقالة وزيرين في الحكومة اليمنية، أنها "تأتي في سياق الأزمة التي أصبحت تعيشها الشرعية"، مرجعا أسباب ذلك، بدرجة رئيسية، إلى "الاستخفاف بتضحيات اليمنيين، سواء من خلال رضوخ الشرعية لسياسات التحالف وعبثه؛ أم من خلال تهميش القطاعات الشعبية الواسعة، وتجاهل القضايا الحقيقية للشعب".
ويعتقد الصحفي وسام أن "الحكومة لم يعد بيدها الكثير لتقوم به. بعد أن أهدرت فرصها بشكل –شبه- كامل"، مستدركا "والأن، لم يتبقى أمامها سوى فرصة واحدة، هي إصلاح المنظومة السياسية للشرعية برمتها وفق صيغة جديدة وبرنامج واضح".
ولعل هذا- بحسب اعتقاده "يشكل مدخلا مناسبا لإعادة ضبط العلاقة مع التحالف".
وفي الأخير، يرى "وسام" أن الحل هو "العودة الى الميدان، وتنظيم صفوف الجماهير ودفعها باتجاه القيام بدورها سواء كان الهدف انتشال الشرعية أم تجاوزها"، لافتا إلى أن الأمر متوقف على استنهاض شعبي وفق برنامج "محدد وواضح".
مفاجئة حكومية قوية
ثمة شبه اتفاق بين المعلقين، بتحميل الحكومة اليمنية جزءا كبيرا من المسئولية في بلوغ هذا المأزق، الذي تماشت معه برضاها، منذ البداية، دون أن يكون لها موقف علني قوي وصريح يمنع وصولها إلى هذا المنعطف الخطير. حيث يُعتقد أنها، اليوم، قد لا تكون قادرة على تجاوزه بسهولة دون تداعيات سلبية كبيرة.
غير أن ما قامت به الحكومة مؤخرا، فاجئ الجميع، بما يوحي بأنها قد بدأت بالفعل، ولو متأخرة، باتخاذ الموقف المناسب إزاء أبرز الاختلالات الناجمة عن سلوك وتصرفات دولة الإمارات العربية.
فقد رفعت الحكومة، في 20 من هذا الشهر، أول رسالة قوية إلى مجلس الأمن الدولي، مستغلة فرصة الرد على تقرير فريق الخبراء الأممي الأخير بشأن اليمن (أواخر يناير الماضي)، لمهاجمة أذرع الإمارات في اليمن، وعلى رأسها ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي دعمته أبو ظبي للمطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله.
واعتبرت الحكومة في خطابها أن قوات الحزم الأمني والنخبة الحضرمية والشبوانية، التي شكلتها الإمارات، "لا تتبع للشرعية"، وترى أنها "قوات جهوية مناطقية وعشائرية قبلية، ومسؤوليها لا يعملون تحت قيادة المؤسسة الأمنية والعسكرية"، وتعتبرها "تعيق عمل المؤسسات وتحدث تمزقا للمجتمع في اليمن".
وأكدت" أنها تتفق مع ما ورد في تقرير لجنة العقوبات لجهة أن هذه القوات (الحزام الأمني والنخب) تقود البلاد إلى التشرذم وتشكل عائقا أمام الدولة لبسط سيطرتها".
وأشارت إلى أنها وجهت رسالة لقوات التحالف للعمل على ضم قوات الحزام الأمني والنخبتين لسيطرة الحكومة الشرعية. وقالت إنه ما لم تنضوي تلك القوات تحت سيطرة المؤسسات وتتسلم رواتبها من الشرعية فإنها لن تكفل تماسك الدولة.
وفي سياق آخر متصل بانتهاكات دولة الإمارات في اليمن، أكدت الحكومة- ضمن رسالتها أيضا- أن مواقع الاحتجاز خارج القضاء، التي وردت في تقرير فريق الخبراء الدولي، لا تخضع لسلطة المؤسسة الأمنية والقضائية اليمنية.
وقالت إنها وجهت رسالة لقوات التحالف تتضمن الطلب بتسليم كافة أماكن الاعتقال والسجون السرية لسلطة الشرعية وتشكيل لجنة من النيابة العامة والقضاء للفصل والبت في كافة القضايا.
من "تكهنات" الى "حقيقة"
إن هذه الرسالة القوية الأولى للحكومة اليمنية، إلى مجلس الأمن الدولي، في مثل هذا التوقيت، قد تشير إلى أحد أمرين؛ إما أن الحكومة قد حزمت أمرها فعلا لمواجهة تلك الاختلالات القاتلة لحاضر ومستقبل الدولة اليمنية. وكأنها في ذلك، تستغل الفرصة الوحيدة المتاحة في "إصلاح المنظومة السياسية للشرعية"، كمدخل مناسب لإعادة ضبط العلاقة مع التحالف، كما ذهب الصحفي وسام محمد.
أو أن شكوك المحلل السياسي، ياسين التميمي، في محلها بخصوص أن الحكومة اليمنية هي من تقف وراء هذا التصعيد، وليس مجرد تصرفات فردية لوزراء فيها، وذلك تماشيا مع رغبة سعودية (غير معلنة)، بعد تزايد نفوذ وسيطرة الإمارات في اليمن، خارج أهداف التحالف.
فمع أن المحلل السياسي، التميمي، أشار- بشكل عام- إلى أن "مرحلة جديدة من العلاقات المضطربة، من الواضح، أنها قد بدأت بين الحكومة والتحالف، على نحو علني".
إلا أنه- من زاوية أخرى- يذهب إلى الحديث عن شكوكه بشأن دوافع مثل هذا التصعيد، الذي يعتقد أن الحكومة الشرعية تقف وراءه، تجسيدا لرغبة سعودية "في التضييق على النفوذ المتزايد لأبوظبي في اليمن". ما يعزز التكهنات القائلة (لكن غير المعلنة رسميا)، بوجود تذمر، وعدم رضى، سعودي، إزاء تزايد النفوذ الإماراتي في اليمن.
في الواقع، إن صمت الحكومة اليمنية، ومثلها الرياض، إزاء تلك الاستقالات ومبرراتها، حتى الأن؛ إلى جانب ما تحمله رسالة حكومة اليمن الشرعية الأخيرة إلى مجلس الأمن الدولي، من تحول واضح وقوي إزاء تصرفات أبو ظبي، قد ينقل مثل هذه التكهنات، إلى حقيقة راسخة، مالم تحدث تطورات بخلاف ذلك.