انتهت طفولة عبد الفتاح قبل عامين أثناء عودته إلى منزله من المدرسة. فقد استولى المتمردون الحوثيون على مدينته عمران تاركين إياه وعائلته تحت سيطرة المليشيات التي انتشرت بسرعة في أرجاء اليمن.
حيث في أثناء عودته مع أصدقائه الثلاثة من دروسهم، توقف طقم مسلح على متنه مقاتلين (حوثيين) جانباً وأمر المسلحون الاطفال َ بالالتحاق بمجموعة مماثلة من أطفال المدارس تقبع في الخلف، وقد هدد المقاتلون بالهجوم على منازل الاولاد إذا لم يفعلوا ذلك.
وخلال الليل كان الفتى النحيف البالغ من العمر 14 عاماً سينتقل من كونه تلميذ مدرسة ليصبح ضمن الاف الجنود الأطفال الذين يتم الزج بهم في حرب اليمن الأهلية الطاحنة.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام منذ أن طردت حركة الحوثي حكومة هادي من معظم الاراضي اليمنية، فقد انزلقت الحرب بما كان بالفعل واحداً من أفقر البلدان العربية، باتجاه المأساة. حيث تشهد اليمن أسوأ أزمة انسانية في العالم وفقاً للأمم المتحدة مع وجود 22 مليون يمني في حاجة للإغاثة إضافة الى مقتل أكثر من 10 الاف شخص نصفهم على الاقل من المدنيين.
وتواجه حركة التمرد الحوثية الشيعية تحالفاً من دول عربية بقيادة السعودية والذي يحاول دعم بقايا حكومة الرئيس هادي عبر تقديم الدعم العسكري إضافة الى حملة مدمرة من الغارات الجوية.
وفي ظل تلقي الحوثيين للدعم الإيراني بما في ذلك الصواريخ الباليستية قصيرة المدى والتي أطلقت باتجاه السعودية، فقد سُحبت اليمن أيضاً نحو تنافس اقليمي بين الرياض وطهران.
ويعتبر اليمن تشابكاً معقداً من جبهات المواجهة الراكدة بدرجة كبيرة والتي خنقت اقتصاد البلاد وقسمت العائلات وتسببت بانعدام الغذاء والدواء والوقود. كما أُغلقت المدارس بفعل العنف. حيث يُتهم كلا طرفي الحرب بالقصف العشوائي وقتل الألاف المدنيين العالقين في الوسط إضافة الى التسبب بهروب الملايين.
وفي تلك الجبهات قالت الامم المتحدة اواخر العام المنصرم أنها وثقت 2100 على الأقل من المجندين الاطفال غالبيتهم في صفوف الحوثيين، لكن أيضاً في مليشيات تستخدمها الحكومة اليمنية، وكان عبد الفتاح قد أخبر خاطفيه منذ البداية بأنه لا يرغب بالذهاب للقتال، غير أن شكوكه وأية جرأة تصدر من رفاقه المختطفين كانت تواجه بالضرب بخرطوم مطاطي.
وفي مركز بمدينه مأرب والذي يسعى لإعادة تأهيل المجندين الأطفال، فقد تحدث عبد الفتاح لصحيفة التلغراف قائلاً "لقد قالوا (الحوثيون) بأنهم سيدربوننا على استخدام الأسلحة" وأضاف "قلت انني لا أريد ذلك لكنهم قالوا سنجعلك رجلاً".
ويقول الأطفال الذين استطاعوا الفرار بأنهم خضعوا لمزيج من التوعية الدينية (الحوثية) المكثفة والتدريب على استخدام السلاح.
وقد أُرسل عبد الفتاح بعد تعليمه كيفية استخدام البنادق، الى مواجهة القوات الحكومية في منطقة الحديدة الغربية في عام 2016. كما قيل له بأنه لن يقاتل في البداية وبأنه بدلاً من ذلك سيقوم بجلب وحمل والتأكد من ذخائر الاسلحة التي يتم نقلها الى المقاتلين الحوثيين في الجبهة.
ومع ذلك فلم يمنعه عمله في الإمداد من رؤية أهوال الصراع فقد شاهد أحد رفاقه من الجنود الأطفال الذي أصيب بقذيفة صاروخية موجهة على مقربة منه، وأضاف "لكن المشرف أخبرني فقط أن أقوم بدفنه وبأن لا أخبر أحداً بما حدث".
صبي آخر يدعى رياض خالد منصر يبلغ من العمر حالياً 15 عاماً وقد أخذ أيضاً من عمران في عام 2016، قال بأنه ورفيقه الذين لايزال في سن المراهقة، كان لديهم مهمة أخرى مروعة ومخيفة عندما تم إرسالهم الى جبهة جبلية قرب مأرب.
حيث كانت أحد وظائف الجنود الاكبر سناً هي تمشيط جبهة القتال بحثاً عن القتلى والجرحى. وجرحى العدو الذين بدا أنهم رفيعي الرتب بشكل يمكنهم من دفع فدية مالية، كان يتم حملهم بعيداً عن الجبهة. أما أي شخص اخر فقد كان يتم الاجهاز عليه في مكانه.
وقد جاءت فرصة عبد الفتاح للهرب ذات يوم عندما تعرض الطقم الذي كان يقله، لقذيفة مدفعية وقتل السائق ومن ثم تمكن من الفرار.
محاولة التعامل مع تداعيات هكذا تجارب هو أمر ينطبق على نبيلة علي الحمادي وهي استاذة في مدرسة قريبة للبنات حيث تقدم الاستشارة في مركز تموله السعودية. وقد شرحت السيدة الحمادي ذلك قائلة ً"من الممكن ان يكونوا عنيفين مع بعضهم البعض ويعانون من كوابيس سيئة وبعضهم لن يستمع لأحد".
وأضافت "أحياناً عندما أرى هؤلاء الأطفال ويتوجب على مساعدتهم، أُضطر الى التوقف عن محادثتهم وأخرج الى الخارج وأجهش بالبكاء".
وتعد مدينة مأرب مكاناً استثنائياً ً للأمان في البلاد منذ أن تم دحر الحوثيين من أطرافها قبل عامين ومنذ أن نصبت السعودية بطاريات الباتريوت لحمايتها من صواريخهم.
وقد أصبحت المحافظة ملاذا ً آمناً للكثير من اليمنيين الفارين من بيوتهم في الاراضي التي يسيطر عليها الحوثيين، كما ازداد عدد سكانها بمقدار خمسة اضعاف ليصل الى 2،2 مليون نسمة.
وجلب النازحون الاثرياء اموالهم وباتت المدينة تشهد ازدهاراً اقتصاديا حيث تضج الاسواق بالإسمنت كما يتم بناء العديد من مباني البلك الرمادية وتظهر بعض المخيمات في أطراف المدينة، لكن معظم النازحين تم استيعابهم في منازل أقربائهم.
ومع خلو المنطقة من الحوثي إضافة الى أن أقرب جبهة تبعد قرابة 90 ميلاً باتجاه الغرب فإن سكان مأرب هم ايضاً لديهم نصيب من غارات التحالف الجوية ضد الاراضي التي يسيطر عليها الحوثيون والتي قتلت مئات المدنيين واستنكرتها الامم المتحدة.
وفي جبهة المواجهة في جبال الفرضة القاسية غرب مأرب يقول اللواء عبد الله محمد معزب بأن الغارات الجوية للتحالف ساعدت كثيراً في التقدم الذي أحرزوه، وقال "بالطبع فقد ارتكبنا نحن والتحالف بعض الأخطاء وقُتل مدنيون ونحن نتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك وليس هناك حرب بدون أخطاء".
وباستثناء الملاذ الذي تشكله مدينة مأرب، تقسوا محنة البلد، فالكوليرا والدفتيريا والحصبة تستمر بالتفشي في اليمن والمستشفيات والعيادات الطبية لا تملك الدواء.
وعلى وقع الاتهامات بأنها تفاقم المعاناة اليمنية بحصار الموانئ لإيقاف تدفق الاسلحة للحوثيين، فقد أعلنت الرياض عن مبالغ مالية كبيرة إضافة الى إنعاش العملة وتركيب رافعات على المرافئ.
وخلال الاسابيع الاخيرة حرصت السعودية على إظهار مأرب للصحفيين حيث يظل ذلك غير ممكن في أي مكان اخر.
وتقول الرياض أن كافة الموانئ اليمنية مفتوحة امام المساعدات بما في ذلك الحديدة والصليف وهي الاقرب لأولئك المحتاجين. وتشتكي وكالات الاغاثة بأن التأجيلات لاتزال تحصل. وبمجرد أن تدخل المساعدات الى البلاد فإنه غالباً ما يتم أخذها للسوق السوداء.
الجمعيات الخيرية لاتزال تشكك في الكيفية التي سيتم خلالها تشارك الاغاثة مع مناطق سيطرة الحوثيين حيث تعيش غالبية سكان اليمن.
وتقول ميرلا حديب والتي تعمل للجنة الدولية للصليب الاحمر في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون " اكثر من 80 % من السكان هم في حاجة للإغاثة فليس هناك غذاء ولا وقود ولا كهرباء والاحتياجات تتزايد بشكل يومي".
*لقراءة المادة من موقعها الأصلي في صحيفة صانداي تلجراف البريطانية إضغط هنا
أخبار ذات صلة
الخميس, 08 فبراير, 2018
أطفال اليمن يساقون إلى جبهات الموت " قسّريًا"(تقرير خاص)
السبت, 25 نوفمبر, 2017
أطفال اليمن.. قرابين في مذابح ميليشيات الحوثي الانقلابية
الإثنين, 20 نوفمبر, 2017
الأطفال اليمنيون.. الفقر والحرب تحولهم إلى باعة متجولين ومتسولين (تقرير خاص)