تدفع دولة الإمارات باتجاه إعادة عائلة الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح إلى واجهة المشهد، كهدف عنوانه البارز مواجهة التدخل الإيراني في البلد المضطرب منذ 3 سنوات، لكن باطنه يعود لأجندة مختلفة، من أجل إضعاف أطراف عدّة، وفق مصادر سياسية واسعة الإطلاع.
ووفقا للمصادر، بدأ الدعم الإماراتي يتضح بشكل أكبر، منذ مقتل صالح على أيدي الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتشريد عدد من القيادات العسكرية والسياسية من العاصمة صنعاء، إلى المناطق الخاضعة للشرعية، ثم الخروج من اليمن.
ورفعت الإمارات الإقامة الجبرية التي كانت مفروضة على النجل الأكبر لصالح، العميد أحمد علي عبدالله صالح، منذ بداية الحرب، كما احتضنت معسكراتها عددا من القادة العسكريين الموالين للرئيس السابق، والذين تمكنوا من الانتقال إلى عدن، وعلى رأسهم، نجل شقيقه، العميد طارق محمد عبدالله صالح.
ويفرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على النجل الأكبر لصالح المقيم في الإمارات، تحت البند السابع، باعتباره أحد المعرقلين للتسوية السياسية في اليمن.
كما أن الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، أقاله من منصبه سفيرا لليمن في أبوظبي، مطلع العام 2015.
ومنذ أيام يقود حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يترأسه صالح الأب، حملة لرفع تلك العقوبات من أجل إعادته للمشهد السياسي.
وشكّل مقتل "صالح" منعطفا جديدا في العلاقة بين حزب المؤتمر والإمارات، فبعد 3 سنوات من وصف وسائل إعلام موالية لصالح، الإمارات بأنها "واحدة من دول العدوان"، كانت ذات الوسائل تنشر أخبارا عن لقاءات تجمع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ووزير خارجيتها، عبدالله بن زايد، بالسفير "أحمد صالح".
وبعد 3 أشهر على مقتل "صالح"، بدأت وسائل إعلام المؤتمر تطالب برفع العقوبات عن نجله الأكبر "أحمد"، فيما بدأ نجل شقيقه "طارق"، بأول تحركات عسكرية ضمن القوات الإماراتية، وذلك بالظهور في مديرية "الخوخة" التابعة لمحافظة الحديدة، غربي البلاد، بعد استعادتها من الحوثيين، الأسبوعين الماضيين.
** خلط الأوراق
عودة عائلة صالح للمشهد العسكري أو السياسي في اليمن، من شأنه أن يخلط المزيد من الأوراق، ففي حين تعتبر الإمارات والتحالف العربي، أن هذه الخطوة تهدف لـ"مواجهة الحوثيين والتدخل الإيراني"، ترى المصادر المطلعة، أن من شأنها إضعاف "الشرعية" التي يتزعمها هادي.
وتتوقع المصادر، أن تسعى الإمارات، إلى تقديم أحمد صالح، بديلا للرئيس هادي وخصوصا في شمال البلد، باعتباره الأقدر على مواجهة الحوثيين، والقائد السابق لقوات الحرس الجمهوري إبان فترة حكم والده التي امتدت بين عامي 1978 و2011.
لكن الشرعية التي كانت قد رحبت بمعركتهم ضد الحوثييين في صنعاء، تريدهم الانضواء تحت صفوفها، كما تقول المصادر.
وفي المقابل، تسعى الإمارات إلى تمكين "طارق صالح" من دور عسكري كبير خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد إفساح المجال أمامه لتجهيز كتيبة خاصة به داخل معسكر التحالف العربي في عدن، واستقبال ضباط الحرس الجمهوري الذين يفرون بشكل يومي من صنعاء ومناطق الحوثيين إلى جنوبي البلاد.
وتجنب "أحمد" و"طارق"، الإشارة إلى "الشرعية" في كافة المناسبات التي ظهرا بها إعلاميا، أو الإعتراف بالرئيس هادي.
غير أنهما أكدا نيتهما العمل مع دول الجوار (في إشارة إلى السعودية والإمارات)، من أجل تنفيذ وصايا "صالح".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت الحكومة الشرعية رفضها ما وصفته بـ"المواقف الضبابية من عائلة صالح".
وقالت "إن المرحلة تستوجب الوضوح؛ إما أن يكونوا (أحمد وطارق) في صفها (الحكومة الموالية لهادي) أو في الضفة المقابلة (في إشارة لجماعة الحوثي)".
كما أعلن الرئيس هادي، في خطاب بمناسبة الذكرى السابعة لـ"ثورة الشباب"، في 11 فبراير/شباط الماضي، أن الشعب "لن يقبل بعودة الحكم العائلي".
وقد يؤدي دعم عائلة "صالح" وفرضها قوة موازية للشرعية في مجابهة الحوثيين، إلى إثارة المزيد من النعرات في اليمن، خصوصا بعد اتهامات رسمية للإمارات، بأنها تدعم "جيوشا مناطقية وقبلية" في المحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد.
ودافعت الإمارات، عن دورها في اليمن، إذ قالت على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الأربعاء الماضي، إنها "تلعب دورها كاملا ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية".
وأضاف: "لن ينال من الإمارات خطاب رخيص أو إشاعة ساقطة أو رشوة مرتبكة"، في إشارة للاتهامات الصادرة من وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، الأحد الماضي.
وذكر قرقاش، في سلسلة تغريدات على تويتر، أنه "ولإدراك الهدف الاستراتيجي، يدير التحالف العربي ملفات مهمة تتضمن السياسي والعسكري والإنساني والأمني، ومن خلالها سندرك هدفنا عبر يمن مستقر ومزدهر ضمن محيطه الطبيعي".
وتشير تصريحات قرقاش، إلى أن للإمارات الحق في إدارة كافة في اليمن، وتشكيل القوات والألوية، باعتبار ذلك هدفا استراتيجيا للتحالف، في رد ضمني على الاتهامات بإنشاء جيوش مناطقية تعمل على تفكيك البلد.
** إضعاف "الإصلاح"
وخلافا للتقديرات التي تشير إلى أن الهدف الإماراتي من دعم عائلة "صالح" هو إرباك المشهد وإضعاف الشرعية أكثر منه مواجهة الحوثيين، يرى مراقبون، أن أبوظبي تهدف إلى المحافظة على كيان حزب "المؤتمر"، وإضعاف دور حزب "الإصلاح" الإسلامي.
وقال نبيل الشرجبي، أستاذ علم إدارة الأزمات الدولية، في جامعة الحديدة اليمنية (حكومية)، إن "حزب المؤتمر تتجاذبه عدة أطراف داخلية وخارجية، وسعي الإمارات وراء تنصب أحمد علي (صالح)، يهدف بدرجة أساسية للحفاظ على كيان الحزب".
وأضاف في تصريح للأناضول: "رغم ضعف أحمد وهزله السياسي، فإنه المرحلة من وجهة نظر الإمارات والسعودية، تتطلب توحيد صفوف المؤتمر تحت رعاية أحد أبناء صالح، ولا طريقة غيرها".
وذكر الباحث اليمني، أن عودة عائلة "صالح" إلى المشهد، واحدة من سيناريوهات إضعاف حزب التجمع اليمني للإصلاح (إسلامي)، وليس جماعة الحوثيين أو الشرعية.
ووفقا للشرجبي، فقد "حاولت الإمارات بكل الوسائل تقليص نفوذ وتواجد (حزب) الإصلاح في الحكومة الشرعية وفشلت، ولن تجد أكثر من حزب المؤتمر للنيل من قوة الحزب (الإصلاح) وإضعافه".
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تعيينات لقيادات من مؤتمر الحزب، داخل صفوف حكومة أحمد عبيد بن دغر.
وذهبت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، في عددها الصادر، الخميس، إلى أن أحمد علي صالح، يقدم نفسه كخليفة لوالده، في مؤشر على دعم التحالف لهذه الخطوة.