هل سبق أن سمعت شخص يلمز آخر بـ "القفل الغثيمي" قد تكون تعرضت انت أيضاً لنفس الوصف، وهو الأشهر تداولاً على ألسن اليمنيين للوصف بالغباء أو بمعنى آخر عدم مرونة الشخص في التعامل من الحياة وفهمها وإيجاد حلول متنوعة للمضي قدماً في تجاوز تعقيداتها المركبة أحيانا.
تحتفظ منازل صنعاء القديمة باستخدام "القفل الغثيمي" لإغلاق الأبواب الخشبية السميكة والتي تعتبر الرئيسية للمنازل الشاهقة والتي تصل بعضها إلى ثمانية طوابق، ويعد القفل هو الأكثر اماناً وحكمة حيث يصعب فتحة بسهولة في حال استفرد لص بالمنزل بسبب تعقيد صناعته الدقيقة ومفتاحه الطويل.
انقرض استخدامه القفل الغثيمي بالعصر الحديث مع تطور البنيان حيث لم يعد أحد يستخدم نوعية الأبواب القديمة التي تناسب القفل، لكن مالكي المنازل في صنعاء القديمة لا يزالون يستخدمونها وهناك محلات لصناعتها في "سوق الملح" الشهير وهي تعمل على صيانة الأقفال أيضا.
أمان أكثر وأصالة
تتميز أبواب صنعاء القديمة بتشكيلات فنية جميلة ومتناسقة في غالبية منازلها التي تعود إلى الآلاف السنيين، وكان الإنسان اليمني القديم أكثر حرفية في تشكيل أدوات البناء وصناعتها والتي لازالت باقية تلفت الزائر إلى المدينة القديمة بمنازلها العتيقة.
تقوم "أم ريم" أن منزلهم قديم وبابة كبير جداً وسميك ولازالت تستخدم القفل الغثيمي حيث لا يمكن التخلي عنه والطريقة الوحيدة للتوقف عن استخدام القفل هو تغيير الباب كامل بباب حديث لكن ذلك غير ممكن لأن القديم أفضل وأجمل.
وأضافت في حديث لـ " يمن شباب نت" ان الباب يجعل منزلها أكثر أماناً بالإضافة إلى انه يلامس هوية المنزل القديم وأنها تعمل على صيانة الباب والقفل بشكل مستمر في حالة تعرض لأي عطل.
الأبواب في "صنعاء القديمة" واجهة حضارية بتفاصيلها الكلاسيكية التي تعبر عن هوية المدينة الأكثر حضوراً بتلك الفنون الهندسية الدقيقة التي دائما ما تجذب السائح أو المتجول في أحيائها والتي تتميز بكثير من الفنون التي كان يمارسها الإنسان اليمني قديماً.
التأريخ وحاضر القفل
صناعة الأقفال في اليمن وبمدينة صنعاء تعود إلى أيام الملك المظفر الرسولي، أما بالنسبة للقفل الغثيمي نسبة لصانعيه من عائلة "بيت الغثيمي" حيث يعود الفضل لجدهم "غثيم" أول من صنع هذه الاقفال بهذه الأشكال وبهذه التقنية من الحديد المطاوع وبأحجام كبيرة وبعملية صناعة دقيقة ومحكمة حيث يصنع لها مفتاح واحد فقط.
في مفتتح القرن العشرين توارثت صناعة القفل الغُثيمي عديد عائلات في صنعاء، صعدة، ذمار، ريدة، بحسب ما ذكرت "موسوعة المحيط" حيث حافظت تلك الأسر على صناعته الدقيقة، حيث يتكون من 24 قطعة لها أسماء متداوله تثبت بطريقة حرفية، بالإضافة إلى أجزاء المفتاح أو ما يطلق عليه بصنعاء (الداير).
وتتواجد إلى حد الآن في "صنعاء القديمة" ما يطلق عليها "الحدادة" وهي ورش كانت تصنع فيها الأقفال ومنها "القفل الغثيمي" لكنها الآن تعمل في صناعات أخرى حديثة بالإضافة إلى عملها في صيانة الأقفال القديمة ومفاتيحها التي تتعرض أحياناً لأعطال، ومن الصعوبة ان تجد شخص يصنع قفل جديد حيث تدهور العمل بها بسبب عزوف الناس عن استخدامها.
مفتاح "القفل الغثيمي"
بالإضافة إلى كثرة القطع بالقفل الغثيمي وتعقيداته فإن أكثر مميزاته هو المفتاح الوحيد الذي لا يمكن ان يفتح إلا فيه، ومن هنا يتداول الناس لقب "القفل الغثيمي" على الشخص شديد الغباء والذي لا يفهم إلا من شخص وحيد فقط هو من يمكن أن يستمع إليه أما الآخرين فلا يفهمهم.
ويتكون المفتاح من أربعة أشياء أبرزها ما يطلق عليها "السارقة" ومهمتهما تخلل الجملون عند عملية فتح القفل، كما أن فتحتيهما لا تسمحان باستخدام مفتاح آخر، أما إغلاق القفل فيتم بواسطة الضغط باليد على القطعتين في القفل دون استخدام المفتاح.
تلك التفاصيل المعقدة لا يسهل فهمها بسرعة أو بديهية عن حالة الشرح الشفوية بسبب كثرة الأسماء للقطع التي تستخدم في الصناعة بالإضافة إلى طرق فتح القفل وإغلاقه، التي تمارس بسلاسة لدى الكثير من مستخدمين الأبواب القديمة في مدينة صنعاء.