تجربة قاسية تلك التي عاشها الشاب أحمد في الاعتقال انسته أجمل اللحظات في حياته وتركت في جسده ونفسه أذى عميقا يحتاج لفترة من الزمن للتعافي من أهوال التعذيب بمختلف أنواعه.
أحمد اسم مستعار لهذا الشاب الثلاثيني الذي اختار إخفاء اسمه الحقيقي حفاظا على سلامته بعد تجربة اعتقال دامت خمسة أشهر في سجن بئر أحمد غربي محافظة عدن جنوبي اليمن الذي تشرف عليه القوات الإماراتية وأعلن فيه المعتقلين السبت بدء إضرابهم عن الطعام حتى إطلاق سراحهم فورا أو إحالتهم للقضاء إن كان عليهم تهم واضحة.
يقول عن تجربته وظروف اعتقاله لـ" يمن شباب نت"" اعتقلت من قبل قوات الحزام الأمني في عدن بداية العام الجاري دون أي مبرر وعندما سألتهم لماذا تعتقلوني أخبروني بأني مُشتبه به وسيتم التحقيق معي والإفراج عني لكن هذا لم يحدث حيث أخذوني إلى مكان يبدو أنه مركز تجميع للمعتقلين الذين يتم ربط أعينهم ثم نقلهم وتوزيعهم على السجون".
شهور في الجحيم
بعد أيام قليلة من احتجازه في أول مكان اعتقال نُقل أحمد من ضمن آخرين إلى سجن بئر أحمد وهناك عاش على مدى خمسة أشهر حياة الجحيم التي تنوعت فصولها بين التعذيب النفسي والجسدي والحرمان من النوم والتحقيق المطول الذي يغلب عليه الإهانات والرغبة في الإذلال والتغييب عن الأهل.
" كنت أفكر في السجن كيف أخفف من معاناة أسرتي بإخبارها بمكان اعتقالي لعل وعسى تتحرك لإخراجي وحصل ذلك أخيرا عبر أحد المعتقلين الذين سبقوني للحرية والذي أبلغها وتحركت من خلال شخصيات مؤثرة ضغطت حتى أُطلق سراحي" يضيف أحمد في روايته لرحلة استعادة حريته.
قصة أحمد تمثل جانبا من قصص كثيرة ما يزال أصحابها خلف قضبان السجن منذ عام ونصف على الأقل دون تهم واضحة أو إحالة للقضاء إن كانوا مذنبين، وترفض القوات الإماراتية التي تديره جميع مطالبهم بما فيها عرضهم على القضاء ليفصل في الأمر.
وهو نفس مطلب أسرهم التي دأبت على تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر قيادة قوات التحالف بعدن والمجمع القضائي بالتواهي والجهات المعنية الأخرى في محاولة منها لنقل معاناة أبناءها إلى الرأي العام والإعلام والمنظمات والحكومة والتحالف للتحرك دون جدوى.
معركة الحرية
وفي محاولة لإيصال صوتهم إلى أبعد مدى لخلق تعاطف وتضامن واسعين، قرر المعتقلون في السجن والذين تختلف التقديرات بشأن أعدادهم بين 100 إلى 120 معتقلا خوض معركة" الأمعاء الخاوية" بالإضراب عن الطعام بدءا من السبت 21 أكتوبر الجاري حتى الإفراج عنهم أو عرضهم على القضاء.
وقالت أسرهم في بيان وجهته للرأي العام المحلي والدولي أن "أبناءهم سيواصلون الإضراب عن الطعام بصورة مفتوحة حتى يتم تنفيذ مطالبهم المتمثلة في إحالتهم إلى النيابة العامة وتقديمهم إلى المحاكمة القانونية لنيل العدالة وللبت في أمرهم، بعد توجيه تهم واضحة لكل فرد منهم، ومنحهم الحق القانوني في توكيل محامين قانونيين للترافع عنهم أمام القضاء، والمطالبة بحقوقهم كاملة من قبل ومن بعد".
وكشف البيان عن تعرض معتقلين في السجن للتعذيب الجسدي والنفسي طوال فترة الاعتقال، دون أن توجه لهم أي تهمة على الإطلاق، وطالب أهاليهم بمنحهم الحق القانوني في زيارة ذويهم الذين حرموا منه منذ لحظة اعتقالهم، وحتى صدور هذا البيان، داعين إلى إطلاق سراح من لم توجه له أي تهمة أو تثبت عليه قضية ذات ارتباط فورا وبدون قيد أو شرط، طبقا لما ينص عليه الدستور اليمني والقوانين الحقوقية الدولية.
وعبر الأهالي في بيانهم عن رضاهم بأي حكم قانوني رسمي يصدر بحق أحد من المعتقلين من قضاء نزيه تحت إشراف السلطات المختصة، محملين الجهات التي تقف وراء الاعتقال كامل المسؤولية القانونية والإنسانية عن سلامة المعتقلين والمخفيين عن أسرهم والمنقطعة أخبارهم.
ويعد سجن بئر أحمد واحدا من ثمانية سجون تديرها القوات الإماراتية أو الموالية لها في عدن وحدها يقبع فيها عشرات المعتقلين والمخفيين قسريا بحسب منظمات حقوقية محلية ودولية.
ومن هذه السجون التي وثقتها منظمة سام للحقوق والحريات ومقرها جنيف، في تقرير لها أواخر مايو الماضي، معتقل خور مكسر، ومعتقل معسكر العشرين في منطقة كريتر بالقرب من المقر الرئيسي المؤقت للحكومة، ومعتقل معسكر الحزام الأمني في منطقة البريقة والذي كان يقوده قائد عوضته القوات الإماراتية بآخر، ومعتقل بير أحمد وهو مزرعة استؤجرت لإقامة سجن فيها، ومعتقل معسكر الإنشاءات وتعرض فيه ضحايا للتعذيب من قبل قوات تتبع الحزام الأمني، ومعتقل معسكر الإنشاءات (معسكر الإسناد والدعم) التابع لأبو اليمامة، ومعتقل في منطقة البريقة، ومعتقل في قرية الظلمات وهي منطقة خلف البريقة.
تصعيد لإسماع العالم
ويرى مسؤول الرصد في المنظمة توفيق الحميدي، إن اللجوء للإضراب تصعيد مدني وسلمي لإسماع العالم بمعاناتهم التي مضى على بعضهم 19 شهرا لعلها تجد من يتحرك لأجلها داخليا أو خارجيا ووضع الحكومة الشرعية أمام مسؤوليتها الدستورية والقانونية وكذلك قوات" الحزام الأمني" ومن يشرف عليها أمام المسؤولية الدولية.
ويقدّر الحميدي في تصريحات لـ" يمن شباب نت" عدد المعتقلين بهذا السجن بقرابة المائة واصفا إياه بسيء الصيت، مشيرا إلى أنه يُشتبه أن عددا من معتقليه ربما يكونوا يرحلون إلى خارج اليمن ، برغم تجاهل قوات" الحزام الأمني" كل النداءات الحقوقية والأوامر القضائية بالإفراج عن المعتقلين وحرمانهم من حقوقهم الدستورية والقانونية.
وأوضح أن المعتقلين في الجنوب ظلوا بعيدا عن الاهتمام السياسي والإعلامي والإنساني حتى كشفت عدد من المنظمات الحقوقية ومنها منظمتنا سام للحقوق والحريات وهيومن رايتس عددا من السجون السرية التي تدار خارج سلطة الحكومة الشرعية من قبل قوات" الحزام الأمني" وإشراف من دولة الإمارات وأظهرت للرأي العام حجم الانتهاكات التي تمارس بحق المعتقلين في كلا من عدن وحضرموت.
بدورها، تفاعلت كريتسين بيكرلي، الباحثة بمنظمة هيومن رايتس ووتش، مع إضراب المعتقلين وقالت على حسابها بتويتر إن المعتقلين يسعون لرفع صوتهم عما يتعرضون له من انتهاكات داخل السجن وأن منظمتها ستهتم بالقضية.
شبكة سجون سرية
وفي أواخر يونيو الماضي، كشف تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس عن وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة، ويخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب تصل إلى حد "شواء" السجين على النار.
وأوضح أن هذه السجون توجد داخل قواعد عسكرية ومطارات وموانئ يمنية عدة، بل حتى في مبان سكنية جرى توثيق ما لا يقل عن 18 سجنا سريا في الجنوب تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودربتها الإمارات، وفق تقارير جمعتها من معتقلين سابقين وعائلات السجناء ومحامين وحقوقيين ومسؤولين عسكريين يمنيين.
وأقر حينها في التحقيق عدد من المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بأن واشنطن شاركت في استجواب محتجزين في هذه المعتقلات السرية التي تشرف عليها قوات يمنية وإماراتية، وبأنها تستطيع الوصول بشكل دائم إليها، وهو ما قد يشكل انتهاكا للقانون الدولي.
أخبار ذات صلة
السبت, 21 أكتوبر, 2017
معتقلون في سجن بمدينة عدن تشرف عليه الإمارات يعلنون بدء "الإضراب عن الطعام"
الخميس, 22 يونيو, 2017
العفو الدولية تطالب بتحقيق أممي بانتهاكات الإمارات باليمن