مؤخرا، وفي أحد خطاباته المطولة، دعا زعيم ميليشيا الحوثي الانقلابية المسلحة، عبدالملك الحوثي، إلى إقرار قانون التجنيد الإجباري لخريجي الثانوية العامة، مثيرا بذلك تكهنات عديدة مشوبة بردود افعال ساخطة ومتخوفة.
فمن جهة، بحسب مراقبين، تأتي مثل هذه الدعوة في خضم حرب داخلية أشعلتها الميليشيات ضد الشعب اليمني، إثر انقلابها على السلطة الشرعية منذ أكثر من عامين ونصف؛ في الوقت الذي يدرك فيه الجميع أن القدرات القتالية لميليشيات الحوثي وحليفه المخلوع صالح، باتت اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه إبان انقلابها على السلطة في مارس 2015.
الأمر الذي يعكس رغبة لدى زعيم الميليشيات الحوثية الانقلابية في استغلال هذه الشريحة الشبابية الكبيرة وتحويلها إلى وقود لحربها. لاسيما وأنها أصبحت – منذ فترة - تواجه عجزا كبيرا في أعداد المقاتلين، بعد أن فشلت في استقطاب مقاتلين جدد إلى صفوفها.
ومن جهة أخرى، مع أن الكثير من المراقبين لديهم قناعة بعدم قدرة الحوثي وجماعته على تنفيذ مثل هذا القرار الخطير على أرض الواقع لصعوبته، أو ربما لاستحالته على الأرجح، إلا أنهم ينظرون إلى دعوة كهذه، باعتبارها توجيها من زعيم الميليشيات إلى أتباعه بأهمية الالتفات إلى هذه الشريحة الطلابية الواسعة، وبالتالي تكثيف عملية استقطابهم إلى معسكراتهم بشتى الطرق، والعمل على تعبئتهم عقائديا ومذهبيا حتى يكونوا جنودا طائعين للميليشيات السلالية، حد وصف بعض المراقبين.
ومن خلال استطلاعات ميدانية أجريت، في إطار العاصمة اليمنية صنعاء، وجدنا أن الميليشيات كانت قد بدأت بالفعل على أرض الواقع بعمليات استقطاب حثيثة للشباب، لاسيما طلاب الثانوية العامة. وحتى نكون أكثر دقة ومهنية، ننقل لكم أهم وأبرز نتائج هذا الاستطلاع الميداني في سياق هذا التقرير.
وسائل استقطاب.. أخطرها "المرأة"
الطالب "جهاد الأهدل"، من "مدرسة عبدالإله غبش"- مديرية السبعين، كشف لـ"يمن شباب نت" بعض تفاصيل قصة استقطابه من قبل الميليشيات. يقول الأهدل: استدعاني أحد الزملاء الحوثيين إلى منزله أنا والعديد من زملاء المدرسة، وقال لنا بأنه سيقوم بعمل حفلة التخرج من الثانوية، ولما أتينا إذا بشخص مسلح يقوم بإلقاء محاضرة علينا تحرض على قتال الوهابيين، وأهمية طاعة عبدالملك الحوثي لأنه هو ولي أمرنا.
واستدرك: لكن الأمر الذي أثار استغراب الكثير منا، حين قال لنا هذا الشخص (المحاضر)، بأن علي عبدالله صالح سيتم القضاء عليه قريباً لأنه فاسد وقاتل وعميل للعدوان.
ويضيف زميله الطالب "سعد ع."، الذي يدرس في المدرسة نفسها، وكان حاضرا معه في المحاضرة المذكورة، قائلا: طالبنا الشخص المسلح بتأدية الصرخة الحوثية، ولما امتنع البعض عن تأديتها، اضطر الرجل إلى القاء محاضرة أخرى عن الصرخة، معناها وقدسيتها.
وثمة وسائل أخرى عديدة يستخدمها الحوثيون في استقطاب الشباب وخريجي الثانوية، بعضها خطيرة، وغير معهودة في المجتمع اليمني، كاستخدام الفتيات في محاولة كسب الطلاب الشباب والعمل على تعبئتهم تعبئة عنصرية ومذهبية.
يقول "صلاح أ."، خريج ثانوية عامة، مدرسة هائل- مديرية معين بالعاصمة صنعاء، لـ"يمن شباب نت": ذهبت للتسجيل في أحد المعاهد القريبة لدراسة اللغة الإنجليزية، وبعد ثلاثة أيام جاءت اليّ فتاة وأنا في القاعة وقالت بأن أخوها كان يدرس معي في المدرسة وأخبرها عني بأنني طالب خلوق، وطلبت مني رقمي لان أخوها طلب منها ذلك، أعطيتها الرقم، فوجدت نفسي مضافاً في مجموعة "موالون أنصار الله وآل البيت (ع)"، ولما غادرت المجموعة إذا بالرسائل والاتصالات تتوالى وتسأل عن سبب مغادرتي، حتى اضطررت إلى تغيير رقمي.. (...)
أما "غمدان ب." خريج من إحدى المدارس بالصافية، فيحكي تجربته هو الأخر في هذا المضمار، قائلا لـ"يمن شباب نت": تعرفت عليّ بالصدفة فتاة في المعهد (تدريس انجليزي)، وقالت بأنها طالبة في مدرسة خديجة بنت خويلد، وظلينا على تواصل لمدة أسبوعين بشكل طبيعي، بعدها انتقلت معي إلى مرحلة أخرى من التعامل، حيث دعتني إلى حضور حفل إحدى المبادرات، ولما حضرت على أساس أنه الحفل، تفاجأت بأنها كانت عبارة عن محاضرة للمشرف أبو جبريل في قاعة أحد المباني الحكومية.
لكن الطالب (ع.م)، يؤكد لـ"يمن شباب نت" أن الحوثيون يلجؤون احيانا إلى استخدام بعض الفتيات لأقناع الشباب بالالتحاق بهم، غير أن معظمهن لسن من أصول هاشمية، لأن الهاشميات -حسب ما يقول- غير مسموح لهن ذلك، إلا بالنادر، وربما للضرورة فقط.
ومؤخرا، انتشرت قصص من هذا القبيل بالعاصمة صنعاء، وأصبحت حديثا خصبا يتداوله الشباب، لاسيما بين طلاب الجامعات الحكومية والخاصة، ومعاهد اللغات، وبعض طلاب الثانوية العامة.
بين الترغيب والترهيب
هناك أيضاً طرق أخرى لاستقطاب خريجي الثانوية تقوم بها مليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء، بينها إغراء المعوزين بالمنح والمال وغير ذلك من الإغراءات، التي غالبا ما تكون معظمها وهمية أو كاذبة.
"عبدالرب أ."، والد أحد الخريجين من مدرسة (....) -مديرية السبعين، يقول لـ"يمن شباب نت": قالوا لولدي بأنهم سيعطونه منحة إلى لبنان مقابل حضور دورة تدريبية في اللغة حتى يتم قبوله في المنحة، وكان ولدي يخرج من البيت في الساعة الثامنة صباحاً ويعود في السادسة مساء، في البداية كانوا يعلمونه وبعض الطلاب اللغة الإنجليزية بالفعل، لكن في الأيام الأخيرة بدأوا في إعطائهم دروس في العقيدة فيها تمجيد لجماعة الحوثي وآل البيت وسب الصحابة.
ويضيف الأب: "لم يخبرني ولدي بذلك، لكنني اكتشفت عندما وجدت في الغرفة ملزمة من التي يوزعها الحوثيين، وحين حاولت منعه من مواصلة الذهاب، كان الوقت قد تأخر كثيرا، حيث رفض الانصياع لي، وبدأ بالكذب والتمويه، ولما استخدمت معه العنف، ترك المنزل، والآن نقلوه إلى صعدة لدراسة فكرهم". وأختتم بالقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله..عينتقم منهم الله".
"مجدي ع."، خريج من مدرسة (...)- مديرية السبعين يحكي لـ"يمن شباب نت" عن تجربته مع الحوثيين، فيقول: ذهبوا بي إلى أحد مراكزهم بالقرب من جامع بدر في الصافية، ومن ثم نقلوني إلى حزيز، وكنت أذهب معهم فقط بغية أن أحصل على بندق، لكنهم اشترطوا علي حضور كل المحاضرات ومن ثم الذهاب إلى صعدة وبعد ذلك سأصبح مجاهدا، مللت من كذبهم، وفي إحدى الأيام ذهبنا إلى أحد المباني الحكومية بالزي الشعبي، ووضعوني في البوابة، وكان هناك مسدس ربع في مكان الحارس، أخذته مقابل وعودهم المطاطية وذهبت فورا، وغادرت العاصمة صنعاء.
وحين لا تجد مليشيا الحوثي مجيبا لإغراءاتها، تلجأ إلى النقيض بتبني أساليب الترهيب الأكثر عدوانية..
(م.ن) والد أحد الطلاب يسكن في منطقة شملان في العاصمة صنعاء، أبلغ "يمن شباب نت" أن المليشيا طلبت من ولده أكثر من مرة الالتحاق بها، لكنه رفض، وبعد ذلك اعتدت المليشيا عليه وعلى ولده أمام المنزل وقاموا بتهديدهما أمام الناس.
ومثله، يؤكد الطالب (س.ع) أن أصبح يتلقى رسائل تهديد بعد أن رفض أكثر من مرة دعوات من زملاء حوثيين بالذهاب معهم. وقال بأنه متأكد بأن زملاء له، يعرفهم جيدا، هم من يقفون خلف التحريض عليه، لاسيما بعد أن تورطوا واستجابوا لدعوات الحوثيين.
خدعة التجنيد الاجباري
وعلم "يمن شباب نت"، من عدة مصادر متطابقة، أن عددا من خريجي الثانوية العامة، يتعرضون للترهيب بشتى الأنواع، من قبل زملاء حوثيين في الدراسة أو في الحي، أخطرها التهديد بالتصفية، وأقلها التهديد بمضايقة أسرهم إن واصلوا رفضهم الاستجابة لهم. كما حصل مع عدد من خريجي مدرستي سلمان الفارسي والحورش في مديرية السبعين بالعاصمة صنعاء.
وأبلغ "يمن شباب نت"، طلاب يتعرضون للتهديد، أن حوثيون استخدموا خطاب زعيم الجماعة "عبد الملك الحوثي"، الذي دعا فيه إلى إقرار قانون التجنيد الاجباري لخريجي الثانوية العامة، لترهيب كل من يرفض الاستجابة لهم الأن، بأنه سيتم قريبا "جرجرتهم إلى المعسكرات بالقوة، ما سيعرضهم إلى معاملات قاسية"، وذلك بعكس من سيستجيبون لهم الأن، حيث سيكون لهم شأن كبير حينها. حسب زعمهم.
لكن مراقبون قللوا من نتائج تلك التهديدات، التي اعتبروها "مجرد محاولة فاشلة أخرى" لترهيب الطلاب الرافضين للاستقطاب.
وربط بعض المراقبين السياسيين بين دعوة الحوثي إلى إقرار قانون التجنيد الإلزامي، وبين ما يحدث على أرض الواقع من محاولات فاشلة لاستقطاب الطلاب، معتبرين أن إطلاق مثل تلك الدعوة التي وصفوها بـ"المستحيلة التنفيذ"، من المرجح أنها جاءت بعد مواجهتهم رفضا واسعا من معظم الطلاب لمحاولات استقطابهم بشتى الوسائل الترغيبية والترهيبية.
وأضاف أحد المراقبين – تحت شرط السرية: من المؤكد أن محاولات استقطاب الطلاب سبقت بكثير خطاب الحوثي بتجنيدهم إجباريا، لكن تلك المحاولات من المؤكد أيضا أنها تعرضت لفشل ذريع، وإلا لما لجأوا إلى استخدام هذا الترهيب بتفعيل التجنيد "الإجباري"، الذي يعتقد انه جاء فقط "لتعزيز تحركاتهم الفاشلة على أرض الواقع".
وفي حين أكد على استحالة تنفيذ قرار كهذا على أرض الواقع، أكد ايضا أن الحوثيون هم أكثر من يعلمون بهذه الاستحالة، مضيفا: لكنهم يعتقدون أنهم سيجنون بعض النتائج من وراء إطلاق هذا التهديد الدعائي الزائف، وأهمها "تخويف بعض الطلاب سعيا إلى ارضاخهم للاستجابة الأن لدعوات استقطابهم، قبل أن يجبروا لذلك بالقوة" كما يزعمون، وكما حدث مع أولئك الطلاب الذين تعرضوا لمثل هذا الأمر، بحسب ما جاء في هذا التقرير أنفا.