كانت "إيمان"- 12 سنة، وشقيقتها "أريج"-9 سنوات، على موعد مع الموت الرحيم، إلى جانب أمهما التي تجرعت معهما سما قاتلا فتك بثلاثتهن، الأسبوع قبل الفائت، في حادثة أليمة هزت أرجاء مديرية السدة، ومحافظة إب، واليمن بأكملها.
في زمن الحرب والمجاعة، تحصد آلة الموت حياة الكثيرين، وفي حين يقضي بعضهم جوعاً، ثمة ضعفاء فضلوا الفرار من حياة البؤس برغبتهم واختيارهم..!!
الحرب وتداعياتها القاتلة
منذ أكثر من عامين من الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي وصالح من أجل إحكام سيطرتها على البلد، عقب أن أسقطت الدولة ومؤسساتها بالقوة في انقلاب سبتمبر2014م المشؤوم، برزت ظواهر مجتمعية عديدة تسببت بها تداعيات تلك الحرب.
قصص مؤلمة وحكايات أشبه بالخيال، في زمن الحرب، التي أنتجت واقعا مؤلما، وجروح يُعتقد أنها لن تندمل سريعا، على الأقل ليس على المدى القريب.
حلّت المجاعة في بلد السعيدة كمتلازمة للحرب، انتشرت الأوبئة، وشُرد الناس من أكثر من مدينة، وسجلت يوميات الحرب أحداث فضيعة، بعضها كشفتها وسائل الإعلام، وكثير منها حدثت، ومازالت تحدث، بعيداً عن العدسات وأقلام الإعلاميين.
محافظة إب، مثلها مثل المحافظات اليمنية، التي طالتها تبعات الحرب: من توقف لمرتبات الموظفين، إلى إغلاق المؤسسات الخاصة والمتاجر الشخصية، إلى توقف عجلة الاقتصاد في البلاد، وغيرها من النتائج والآثار السلبية التي أثرت عليها سلباً، فانتشر فيها الفقر كالهشيم، لدرجة أن أُعلنت فيها مديريات كمناطق "منكوبة"، كالقفر، وحبيش، وحزم العدين، حيث وجد المواطن نفسه وحيداً مجرداً من كل شيء في مواجهة قاتل آخر غير الرصاصة والمدفع: "شبح المجاعة" الفاتك.
وأفضت جرائم الانقلابيين، في محافظة إب، إلى نتائج مباشرة وغير مباشرة، على حياة معظم المواطنين، على رأسها الفقر وتداعياته، حيث لم يجد البعض من خيارات متاحة سوى التفكير بالهروب من الحياة ومتطلباتها عبر اختيار أسهل الطرق: "الانتحار"، بوسائل وطرق مختلفة، هربا من الواقع المؤلم الذي يعيشونه.
عشر حالات انتحار في نصف عام..!
بحسب إحصائيات خاصة، حصلنا عليها في "يمن شباب نت"، سُجلت عشر حالات انتحار ناجحة في محافظة إب خلال الستة الأشهر الماضية فقط، إلى جانب تسجيل محاولة انتحار واحدة فاشلة.
وتعتبر هذه المحاولة الفاشلة، هي الأحدث، والتي قيدت بأسم السجين "فارس العواضي"، الذي أقدم الجمعة الماضية، على محاولة الانتحار، احتجاجاً على عدم إطلاق سراحه من السجن.
وتفيد المعلومات التي بين أيدينا أن الوضع المعيشي الصعب الذي يعانيه معظم المواطنين، ضمن تبعات الحرب الدائرة في البلد، لاسيما بعد توقف المرتبات وتردي الوضع المعيشي للموظفين، تأتي في طليعة أسباب الانتحار التي تم تسجيلها، إضافة إلى مشاكل أسرية وأخرى نفسية.
وبحسب التقارير، فإن عمليات الانتحار العشر الناجحة سُجلت كالتالي: ضابطين، وامرأة وطفلتيها، وثلاثة عمال، وشاب حديث الزواج نتيجة لمشاكل أسرية، والعاشرة كانت لأحد السجناء، فيما فشلت المحاولة الـ11، التي اشرنا إليها للسجين "العواضي".
وجاءت مديرية السدة ومديرية حزم العدين في طليعة المديريات التي شهدت حوادث انتحار بواقع ثلاث حالات لكل مديرية، تلتهما مديرية النادرة بحالتي انتحار، ثم مديريتي القفر والفرع (حزم العدين)، بحالة واحدة لكل منهما.
أم وطلفتيها.. المأساة الأحدث
في الأسبوع قبل الفائت، لجأت إحدى الأمهات في عزلة "جبل حجاج"، مديرية السدة –محافظة إب، إلى الانتحار مع طفلتيها، عبر تناول جرعة سم قاتلة.
وقالت مصادر متطابقة لـ"يمن شباب نت"، إن الأم (40 سنة)، أرادت تخليص نفسها مع طفلتيها من بؤس الحياة، بعد أن عجزت عن مواجهتها، فقامت بتجريع طفلتيها: "إيمان" ـ 12 سنة، و "أريج" ـ 9 سنوات، جرعة سم قاتلة، قبل ان تلحقهما بتجريع نفسها جرعة مشابهة.
وأكدت المصادر أن الأم وطفلتيها توفيتها يوم الأربعاء قبل الماضي، جراء تلك الجرعة السامة.
وأثرت الحادثة على المجتمع بشكل كبير، خصوصا وأن الجميع في المنطقة كانوا يدركون تماما: لماذا لجأت الأم إلى هذه الطريقة للتخلص من حياتها وطفلتيها المسكينتين؟ حيث كانت الأسرة تمر بظروف معيشية صعبة جدا.
وقد شيّع الأهالي جثامين الأم والطفلتين إلى مثواهم الأخير، وسط جو من الحزن والأسى الذي خيم على المنطقة، نتيجة هذه الحادثة الأليمة.
يفرون من الجوع إلى حبل المشنقة
قبلها، في شهر مايو الماضي، لجأ عاملين فقيرين، في مديرية حزم العدين، شمال غرب محافظة إب، إلى الانتحار شنقا، في حادثين منفصلين.
وأكدت مصادر في المنطقة لـ"يمن شباب نت"، أن المنتحرين الشابين، كانا يمران بظروف معيشية صعبة، ولابد أنهما اضطرا – على ما يقال -إلى التخلص من حياتهما عبر حبل المشنقة، كل على حده، كحل اضطراري، كان هو الأسهل في اعتقادهما لمواجهة تلك الظروف البائسة.
وبحسب المصادر، فقد عثر الأهالي على جثتي الشابين مشنوقين، كل على حده في حادثتين منفصلتين، في مديرية حزم العدين، التي أصبحت مؤخرا خاضعة لسلطات الانقلابيين.
وأفاد سكان في المنطقة لمصدرنا، أن أحد الشابين المنتحرين كان "عامل طلاء"، ومؤخرا مرّ بوضع معيشي صعب، عجز فيه عن الوفاء بمتطلبات أسرته، قبل أن يُعثر عليه مشنوقاً في عمارة بمنطقة نجد العدن، عزلة حقين.
وتزامناً مع تلك الحادثة، تم العثور على جثة شاب أخر يُدعى "صالح عبد رباحي"، من أهالي قرية "مديرا" بعزلة بني أسعد، وهو مشنوق على شجرة.
وتقول روايات الأهالي إنه تعرض لضغوط نفسية وعائلية نتيجة خلافات أسرية بسبب الوضع المعيشي والاقتصادي، ما أضطره -بالتأكيد- إلى محاولة التخلص من حياته البائسة بقتل نفسه شنقاً بتلك الطريقة المؤلمة.
وجاءت تلكما الحادثتان بعد حادثة مشابهة، سبقتها في شهر يناير الماضي، حين أقدم المواطن "محمد حسن دماج"، من أبناء عزلة العاقبة بمديرية فرع العدين، على الانتحار شنقاً.
ومثل السابقين، تعتقد مصادرنا في المنطقة أن حادثة انتحار المواطن دماج، جاءت كمفر اضطراري من الضغوطات التي واجهته طوال أشهر من البطالة وانقطاع مصادر الدخل له ولأسرته المكونة من نحو 20 فردا.
وبحسب المصادر، فأن سبل العيش ضاقت به، لاسيما بعد فقدانه مصدر رزقه الوحيد نتيجة توقفه عن العمل، في الوقت الذي كان هو العائل الوحيد، تقريبا، لأسرته المكونة من 20 فردا، والذين كانوا جميعهم يعانون أمراضاً نفسية وعقلية مزمنة.
انقطاع الراتب يدفع بضابطين إلى الانتحار
وفي السياق ذاته، سجلت التقارير حادثتي انتحار لضابطين من أبناء مديرية النادرة، خلال شهري مارس ومايو الماضيين على التوالي، بسبب صعوبة وضعهما المعيشي بعد انقطاع مرتباتهم منذ أشهر.
الضابط الأول، وأسمه "صالح مثنى الصباري"، كان ضابط أمن برتبة عقيد، وهو من أبناء مديرية النادرة بمحافظة إب، لكنه كان يعيش في العاصمة صنعاء، وقد أطلق النار على نفسه في منزله بصنعاء في أواخر مايو الماضي.
فيما الضابط الأخر، المتقاعد "علي صالح الوجيه" من أهالي عزلة الفجرة بالمديرية نفسها، وانتحر بعدد من الطلقات النارية أفرغها على نفسه من سلاح “آلي” تابع لأحد أبناء المنطقة في منتصف مارس الفائت.
يقتل زوجته ثم يلحقها
وفي شهر ديسمبر الماضي، شهدت مديرية حزم العدين أيضا، حادثة مؤلمة أخرى، حين أقدم مواطن على قتل نفسه بعد قتله لزوجته.
وتقول مصادرنا، إن المواطن (ع ع س أ) قام أولا بقتل زوجته بسلاحه الشخصي، الذي استخدمه لاحقا لقتل نفسه. وأكتفت المصادر بنقل ما يتردد في المنطقة من أن الحادثة كانت نتيجة خلافات أسرية، دون أن تورد أية تفاصيل إضافية.
وفي الفترة نفسها، أي في أواخر العام الماضي، أيضا، عُثرّ على جثة السجين (م.ع.غ)- 30 سنة، معلقة بحبل متدلي من سقف أحد حمامات السجن المركزي بمدينة إب، حيث يُعتقد أنه قام بربط الحبل من سقف الحمام ولفه على عنقه حتى فارق الحياة.
وبحسب المصادر، فإن السجين المنتحر، وهو من أبناء مديرية القفر شمال غرب إب، يقال إنه كان مصابا بحالة نفسية، ومحكوم عليه بالإعدام في تهمة جريمة قتل.
ومنذ خضعت لسلطة الانقلابيين في أكتوبر 2014، اشتهرت محافظة إب بكونها أحد أكثر المحافظات اليمنية التي تشهد – وبشكل متواصل-انتهاكات أمنية جسيمة وفوضى عارمة، في ظل انتشار مكثف للسلاح الغير منضبط، مع غياب تام لأجهزة الأمن وسلطات القضاء، ما أدى إلى انتشار رقعة الجريمة في المحافظة في وقت تعيش فيه البلد حرباً مفتوحة وأوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، أدت في مجملها إلى ازدياد وتيرة حوادث الانتحار.