على مدى أكثر من ستة أشهر كان واضحاً أن العجز التام لما يعرف بحكومة الإنقاذ المشكلة من تحالف الانقلابين المدعوم من إيران، هو السمة البارزة في كافة مناحي الحياة وقطاعاتها.
جامعة صنعاء.. بداية الانتفاضة
وأمام هذا الوضع الكارثي الذي خلقته الميليشيات الانقلابية، كان لابد من التحرك والانتفاض على هذا الواقع الذي كبل حياة اليمنيين. ومنذ يناير الماضي، بدأت نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء بكسر حاجز الخوف، بإعلانها الإضراب العام في جميع كليات الجامعة احتجاجا على عدم صرف المرتبات لأعضاء الهيئة ومساعديهم المتوقفة منذ اكثر من سته اشهر، إلى جانب المطالبة بوقف التعينات الادارية المخالفة للوائح وقانون الجامعات اليمنية، من قبل مليشيا الحوثي التي تسيطر على الجامعة منذ العام 2014.
وأكدت نقابة اعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، في بيان لها، مؤخرا، أن الاضراب شمل جميع كليات جامعة صنعاء ونجح بنسبة 87%.
ومثّل نجاح الإضراب في أهم وأكبر مؤسسة تعليمية في اليمن (جامعة صنعاء) بداية الانتكاسة للمليشيات الانقلابية، التي سارعت - خشية ان تتفلت الأمور من يدها - إلى محاولة كسر إرادة أستاذة الجامعة من خلال سلسلة من الاعتداءات الهمجية التي طالت بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، كان آخرها ما تعّرَضَ له الدكتور جميل عون، مطلع الأسبوع الجاري، من اعتداء بالضرب من قبل عناصر مجهولة اعترضت طريقه في شارع الرباط ونهبت تلفونه الشخصي. سبقتها أعتداءات طالت أعضاء أخرين في هيئة التدريس بسبب الإضراب، منها: تعَرُضَ الدكتور علي البريهي، عضو هيئة التدريس، لمحاولة أغتيال فاشلة منتصف الشهر الجاري، بإطلاق النار علي سيارته في شارع الرقاص وسط العاصمة صنعاء، وقبلها تم تهديد الدكتور محمد الظاهري، رئيس نقابة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، بالتصفية الجسدية.
للمزيد أطلع على: مجلس تنسيق نقابات الجامعات الحكومية يحمل الحوثيين مسؤولية سلامة أعضائه
سلطات العصابة
وإزاء تلك الممارسات الهمجية والاعتداءات والتهديدات التي طالت وتطال أكاديميي جامعة صنعاء، عبرت الدكتورة فاتن عبده محمد، عضوة هيئة التدريس بجامعة صنعاء، عن غضبها مما يحدث لدكاترة الجامعة من اعتداءات وتصرفات همجية، مؤكدة أن الحوثيون "يمارسون عمل العصابة التي تحكم بالقوة". ووصفت ما يحدث لأساتذة جامعة صنعاء بأنه "لا إنساني".
|
وأعربت، ضمن تصريحاتها لـ"يمن شباب نت"، عن أسفها أن يتم "التعامل مع نخبة المجتمع بهذه الطريقة المهينة". وحملت "سلطة الأمر الواقع مسؤولية حياة أعضاء هيئة التدريس وأسرهم".
وكانت البروفسور آمنة يوسف، عضوة هيئة التدريس بجامعة صنعاء، نشرت على صفحتها الشخصية بـ"الفيسبوك" رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تشكتي فيها من حالة العوز التي تعيشها مع أسرتها. جاء فيها: "أنا مواطنة من اليمن، أفنيت شبابي في خدمة الوطن كبروفسور في جامعة صنعاء لأكثر من عشرين سنة، وحالياً اصبحت مهجرة في وطني وراتبي مغتصب لا أجد ما أقتات به أنا وأسرتي ولا أمتلك منزلاً يأويني".
للمزيد أقرأ أيضا: اكاديمية بجامعة صنعاء تستغيث بالامين العام للامم المتحدة لصرف رواتبها
ويرى مراقبون أن ثبات وصمود أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء أمام سلطات الميلشيات الانقلابية، مثَلَ اللبنة الأولى لقيام حركات احتجاجية أخرى، حيث ساعد ذلك على كسر حاجز الخوف لدى الكثير من موظفي الدولة الذين خرجوا يطالبون بحقوقهم من خلال تنظيم العديد من الوقفات الاحتجاجية وصولا إلى الإضراب الشامل عن العمل.
80% من قدرة مستشفى الثورة مشلولة
[caption id="attachment_20065" align="alignright" width="300"][caption id="attachment_20065" align="alignright" width="300"] موظفو مستشفى الثورة أثناء احتجاجهم للمطالبة بتسليم رواتبهم |
وفي مستشفى الثورة العام، بالعاصمة صنعاء، الواقع تحت سلطات الميليشيات الانقلابية أيضا، تنفذ نقابة الأطباء والعاملين بالمستشفى إضرابا شاملا عن العمل منذ أسبوعين تقريبا، للمطالبة بصرف الرواتب والمستحقات المالية المتوقفة منذ أشهر.
وكانت نقابة أطباء وموظفي هيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء أعلنت بدء الإضراب العام بعد أن اعتدت مليشيا الحوثي وصالح على وقفة احتجاجية نظمها أطباء وموظفي الهيئة يوم 11 فبراير الجاري، للمطالبة بصرف مستحقاتهم التي نهبت من قبل المليشيات.
وأكدت مصادر طبية لـ"يمن شباب نت" أن جميع الأقسام الطبية في مستشفى الثورة توقفت عن العمل وباتت مغلقة تماما، نتيجة الإضراب عن العمل الذي دخل أسبوعه الثالث من قبل أطباء
موظفي المستشفى، إحتجاجا على توقف صرف رواتبهم ومستحقاتهم الشهرية منذ ستة أشهر.
وأوضحت المصادر أن "الأقسام التي مازالت تعمل هي: قسم الطوارئ – طوارئ نساء - طوارئ أطفال والطوارئ العامة"، مشيرة إلى أن العاملين في هذه الاقسام "هم طلاب الامتياز في الجامعات، الذين جاؤا لغرض التطبيق".
وكشفت المصادر أن "80% من القدرة التشغيلية للمستشفى، توقفت عن العمل نتيجة عدم إيفاء إدارة المستشفى المعينة من قبل مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، بالتزاماتهم بصرف مرتبات الكادر الطبي مع الحوافز المتأخرة منذ أكثر من عام".
|
المعلمون.. الكتلة الأكبر
قطاع التعليم، وهو الأكثر في عدد الموظفين، شهد هو الآخر إضرابا شبه كلي، احتجاجا على عدم صرف المرتبات المتوقفة منذ شهر أغسطس الماضي.
وأكدت مصادر تربوية لـ"يمن شباب نت"، أن أكثر من 70% من مدرسي التربية والتعليم في أمانة العاصمة، مضربين عن التدريس احتجاجا على عدم صرف مرتباتهم.
|
وكشفت مصادر أخرى، قامت بزيارة عدد من المدارس بالعاصمة صنعاء، أثناء الإضراب: أن "مدارس مديرية السبعين ذات الكثافة العددية للطلاب، لا يتجاوز عدد الحضور فيها نسبة 10%"، مرجعة السبب عدم حضور المدرسين إلتزاما بالدعوة إلى الإضراب، مشيرة إلى أنه يتم "جمع ثلاثة فصول في فصل واحد وإعطائهم حصة واحدة او حصتين في اليوم".
وكان مدراء مدارس في مديرية الصافية جنوب العاصمة صنعاء ابلغوا الأسبوع الماضي مكتب التربية والتعليم في المديرية بالبدء بالاضطراب الكلي الذي بدؤه بالفعل يوم السبت الماضي.
وقالت المصادر إن مليشيا الحوثي وصالح وجهت تهديدات بالسجن إلى عدد من المدرسين المضربين في بعض المدارس بالأمانة، في حال عدم رفع الإضراب واستئناف العمل. وذكرت مصادر أخرى أن القيادي الحوثي المدعو "صالح الشعري" المعين من قبل مليشيا الحوثي نائبا لمدير الأمن السياسي، هدد معلمي مدرسة الشهيد علي عبد المغني بالسجن في حال عدم موافقتهم على طلبه بفرض 1000 ريال على الطلاب لتسليم رواتبهم وإيقاف الإضراب".
احتجاجات متوسعة
وفي العاصمة صنعاء، التي تحكمها الميليشيات الانقلابية عمليا منذ إجتياحها في 21 سببتمبر 2014، لم تتوقف الإحتجاجات ضد تأخر الراتب منذ ستة أشهر، عند تلك القطاعات المؤثرة فحسب، بل تعدى الأمر ذلك لتصل أيضا إلى عمق وزارة المالية، المسئولة عن صرف مرتبات الدولة. فالأثنين الماضي، رفع موظفو الوزارة، بما في ذلك موظفي مصلحتي الضرائب والجمارك، أصواتهم عاليا في مظاهرة نظموها أمام مبنى الوزارة للمطالبة بصرف مرتباتهم المتوقفة منذ شهر نوفمبر الماضي، وهتفوا خلال المظاهرة بشعارات منددة بقطع المرتبات.
وتأتي أهمية هذه الاحتجاجات، بكون هاتين المصلحتين (الجمارك والضرائب)، ما زالتا تشكلان أهم موردين ماليين لسلطات الإنقلاب في صنعاء، وتدران عليها مبالغ مالية طائلة من كافة
|
المحافظات الواقعة تحت سيطرتها حتى الأن.
وتكشف الإحتجاجات الأخيرة التي قام بها الموظفون في المالية ومصلحتي الجمارك والضرائب التابعتين للوزارة، أن سلطات الانقلابيين، حتى لم تعد قادرة مؤخرا على صرف مرتبات موظفيها، التي - وعلى عكس بقية القطاعات الأخرى، واصلت صرفها حتى شهر نوفمبر الماضي، في حين توقفت عن الصرف لبقية القطاعات الأخرى، غير الإيرادية، منذ شهر سبتمبر الماضي. الأمر الذي يؤكد الشكوك التي تتهم الميليشيات بالتلاعب بالإيرادات المالية وتحويلها إلى ما يسمى بـ"المجهود الحربي"، وشراء الولاءات والصرف على القادة.
وقال مصدر في مصلحة الضرائب لـ "يمن شباب نت"، إن وزير المالية أرسل مذكرة للبنك المركزي تتضمن التوجيه بصرف 50% من المرتبات الأساسية والبدلات القانونية المرتبطة بالراتب لشهر أكتوبر. أي صرف نصف راتب شهر أكتوبر لامتصاص غضب الموظفين. أنظر الوثيقة المرفقة أدناه، بهذا الخصوص.
|
وأضاف المصدر "أن موظفي الوزارة ومصلحة الضرائب والجمارك أمهلوا وزير المالية المعين في حكومة الانقلابين أسبوعا لصرف المرتبات مع الحوافز المتأخرة". وهددوا "أنه في حال عدم صرف المرتبات فإنهم سيدشنون مرحلة جديدة من والاحتجاجات".
كرة الثلج تتدحرج
وعلى ما تبديه التطورات الأخيرة في هذا الجانب، يبدو أن حركة الاحتجاجات تتسارع وتتوسع بما يشبه "كرة ثلج"، التي بدأت بالتدحرج متنقلة بين مؤسسات الدولة الخاضعة لسيطرة وحكم المليشيات الانقلابية، والتي من المرجح أنها لن تستطيع ايقاف توسعها مهما استخدمت من اساليب القمع والبطش، التي باتت، تقريبا، غير مجدية أمام جموع الغاضبين من تدهور حالتهم المعيشية شهرا تلو آخر.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى التطور الذي حصل مؤخرا في جامعة صنعاء. حيث اعلنت نقابة العاملين في الجامعة، الاربعاء الماضي، الاضراب الشامل للمطالبة بتغيير رئيس الجامعة الدكتور فوزي الصغير، المعين من قبل الحوثيين، على خلفية مواقفه الداعمة والمعززة لسلوك الميليشيات الانقلابية ضد مصالح أعضاء هيئة التدريس والعاملين في الجامعة.