حجبت شركة ميتا في اليومين الماضيين جزءاً كبيراً من المحتوى المتضامن مع الفلسطينيين عبر منصتيها "فيسبوك" و"إنستغرام". وظهرت يومَي الأحد والاثنين رسائل من المنصتين عن حجب وسم #عملية_طوفان_الأقصى "لمخالفة بعض المنشورات التي تحمل هذا الوسم قواعد المنصة".
ودان مركز صدى سوشال لرصد وتوثيق الانتهاكات الرقمية ضدّ المحتوى الفلسطيني، محاربة إدارات منصات التواصل الاجتماعي (ميتا، تيك توك، إكس) للمحتوى الفلسطيني المتعلق بالأحداث الراهنة في فلسطين المحتلة. وكشف أن هذه المحاربة تمثلت في حجب صفحات إعلامية وحسابات شخصية عند التغطية الصحافية الفلسطينية.
وجاء في بيان "صدى سوشال": "في الوقت الذي تتسارع الأحداث الميدانية في فلسطين المحتلة ومحاولة المستخدمين متابعة الأحداث، تقوم إدارات هذه المنصات بعمليات انتقائية تقرر خلالها ما يسمح للمستخدم برؤيته وما لا يسمح به، عبر عمليات ممنهجة من حذف المحتوى أو تقليل نسب وصوله للجمهور، وهو ما يعتبره المركز بمثابة حظر شعب بأكمله مع تاريخه، وأن تقييد ومسح هذا المحتوى يعني أيضًا حظر سردية أساسية تستحق أن تسمع وأن يُعترف بها".
وأشار المركز إلى أنّ هذه الإجراءات تجعل من الصحافة الرقمية غير فعّالة ومنقوصة، "حيث تعيق تدفق المعلومات وتعيق نشر الأخبار بالذات في مثل هذه الظروف الحرجة. وإن مثل هذه الإجراءات لا تنتهك فقط الحق الأساسي في التعبير عن الذات، بل تنتهك أيضًا الحق العالمي في الوصول إلى المعلومات بحرية، وعلى حق التعبير الحر".
من جهته، عمل مركز حملة - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي على رصد وتوثيق مئات من حالات انتهاك الحقوق الرقمية منذ يوم الأحد، و"شملت هذه الانتهاكات حالات خطاب كراهية وتحريض باللغة العبرية، وحذف المحتوى الفلسطيني، بالإضافة إلى تقييد حسابات ناشطة في الحقوق الفلسطينية، ويقوم مركز "حملة" بالتواصل المستمر مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي، ونجح في إزالة عدد كبير من هذه الانتهاكات حتى الآن".
وأكد المركز على أهمية الإبلاغ عن حالات خطاب الكراهية والتحريض، مشدداً على "الحالات المكتوبة باللغة العبرية، بما أنه يسهم بشكل كبير في توثيق ومتابعة الانتهاكات التي يتعرض لها الأفراد الفلسطينيون والمؤسسات الفلسطينية".
وأكد أيضاً على ذلك مدير مركز "حملة"، نديم ناشف، قائلاً: "هنالك كم هائل من التحريض باللغة العبرية على شبكات التواصل الاجتماعي، وهنالك أهمية قصوى لمكافحة خطاب الكراهية والتحريض، لأنه، وكما شاهدنا في حالات سابقة، فإنه يترجم الاعتداءات والهجمات على أرض الواقع، وندعو شركات التواصل الاجتماعي إلى تحمل مسؤولياتها والتأكد من عدم تواجد أي مضمون من هذا القبيل على منصاتها".
وكانت منصة Red قد أعلنت الأحد عبر منصة "إكس"، أن "ميتا" حجبت صفحتيها على "إنستغرام" و"فيسبوك" بسبب المحتوى الداعم لفلسطين. وبالفعل تعذر الدخول إلى صفحة المنصة على الموقعَين. واتهمت "رِد" شركة ميتا بالانحياز لمصلحة الرواية الإسرائيلية، وإسكات الصوت المدافع عن فلسطين؟
بينما غردت الصحافية الفلسطينية مريم البرغوثي يوم السبت قائلة إن مختلف منصات شركة ميتا، بدأت بإغلاق الحسابات الفلسطينية التي توثق وتقدم التحليل السياسي لما يحصل في فلسطين. واتهمت البرغوثي "ميتا" بـ"الاستهداف العسكري الاستراتيجي للسردية (حول ما يحصل) وبناء أسس للتهرب من أي مساءلة مقبلة (لإسرائيل)".
لكن هذه الرقابة على المحتوى الفلسطيني المرتبط بعملية طوفان الأقصى ليست جديدة، بل تشكّل جزءاً من مشهد متواصل منذ سنوات عبر المنصات التابعة لشركة ميتا.
ففي شهر مارس/آذار الماضي نشر المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) تقريراً، كشف فيه عن انتهاك منصتي فيسبوك وإنستغرام لحقوق الإنسان الأساسية للمستخدمين الفلسطينيين. إلى جانب الارتفاع الكبير في الخطاب المحرّض على الشعب الفلسطيني. ففي وقت بات حجب أي مدونة أو صورة أو فيديو متضامنة مع الفلسطينيين أو مع المقاومة، يتكرر بشكل يومي على منصات "ميتا"، كشف تقرير "حملة" أن الخطاب المعادي للفلسطينيين ارتفع بنسبة 10 في المائة في عام 2022، مقارنة بالعام الذي سبقه.
التقرير استند بشكل أساسي إلى مجموعة من الكلمات المفتاحية بينها "العرب" و"الفلسطينيون" وغيرها من الكلمات التي يستخدمها الإسرائيليون على مواقع التواصل الاجتماعي. وبحسب تحليل "حملة"، فإن سبب ارتفاع خطاب الكراهية والتحريض، مرتبط بأحداث على أرض الواقع أبرزها اغتيال الاحتلال لمراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المسجد الأقصى.
وبحسب تصريحات سابقة لمديرة المناصرة والاتصالات في مركز "حملة"، منى اشتية: "إن الزيادة بنسبة 10% في الخطاب العنيف ضد العرب والفلسطينيين أمر مثير للقلق، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد من عمالقة التكنولوجيا حتى يتمتع الجميع بحقوقهم وحرياتهم في هذا الفضاء الرقمي".
وفي التقرير نفسه إشارة إلى أن مواقع التواصل تتقاسم المحتوى الكاره للفلسطينيين، فمنصة إكس "لا تزال المنصة الرئيسية للخطاب العنيف ضد الفلسطينيين".
ومطلع العام الحالي كذلك أعلن مركز صدى سوشال نفسه، تسجيل أكثر من 1230 انتهاكاً ضدّ المحتوى الفلسطيني خلال عام 2022، على منصات التواصل الاجتماعي.
وقالت المسؤولة الإعلامية في المركز نداء بسومي وقتها إن "2022، شهد اتساعاً في حجم المعطيات المنشورة والمتوفرة حول ضلوع شركات تكنولوجيا المعلومات والشركات المقدمة لخدمات مختلفة في الفضاء الرقمي وإدارات مواقع التواصل الاجتماعي في الشراكة مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي تزويده بتقنيات يستفيد منها في قمعه الفلسطينيين، إضافةً إلى دور تقنيات وبرمجيات التجسّس التي قدمتها شركات إسرائيلية في انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين وحول العالم".
هذا التراكم الكبير من الرقابة على المحتوى الفلسطيني، انعكس بشكل واضح ومباشر في اليومين الماضيين. وقد رافق هذا الحجب، ضخّ من صحافيين وناشطين إسرائيليين لصور وتدوينات وأخبار محرّضة على الفلسطينيين وعلى سكّان قطاع غزة بشكل خاص. كما لم تحجب منصتا "فيسبوك" و"إنستغرام" تدوينات تدعو إلى قتل الفلسطينيين، وإلى تدمير قطاع غزة كاملاً، ولا تلك التي تشجّع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على ارتكاب مجازر في القطاع "انتقاماً للإسرائيليين".
كذلك، كان للإعلام الغربي دوره، في التجييش والتحريض ضد سكان القطاع، من خلال تجاهل القصف الإسرائيلي على الأحياء الفلسطينية، ثمّ من خلال تأخير نشر هذه الأخبار، مقابل إضاءة وترويج أخبار وتقارير حول القتلى الإسرائيليين، وشهادات مستوطنين حول هجوم المقاومين الفلسطينيين.
(العربي الجديد)