ترتفع درجات الحرارة منذ يوليو/ تموز الماضي في البحر المتوسط ووصلت إلى مستويات قياسية ما ألحق الضرر بالنظام المائي، فما الحلول لمواجهة ذلك خاصة مع توقع الباحثين تكرار موجات الحر القاسية في مقبل الأيام؟
اجتاحت موجة حر قاسية منطقة البحر المتوسط على مدار الأسابيع حيث اندلعت حرائق الغابات في تسعة بلدان من الجزائر وحتى اليونان فيما يحذر خبراء من أن درجات الحرارة المرتفعة لا تشكل خطرا على البشر والنظم البيئية على اليابسة فحسب، بل ويمتد الضرر إلى الحياة البحرية.
وكانت درجات الحرارة قد بلغت فوق سطح البحر المتوسط في نهاية يوليو/ تموز الماضي 28.7 درجة مئوية حيث تجاوزت درجة الحرارة في أجزاء المياه في شرق البحر المتوسط عتبة الثلاثين درجة مئوية مع استمرار ذلك خلال أغسطس/ آب الجاري الذي يعد الأكثر سخونة.
وقالت كاترين شرودر، الباحثة في علوم المحيطات بمعهد علوم البحار في إيطاليا، إن ظاهرة تغير المناخ السبب الرئيسي وراء تكرار موجات الحرارة في البحر وزيادة ضراوتها، مضيفة بالقول: "لا شك أن هذه الظاهرة تتسبب في ارتفاع درجة حرارة البحر والمحيط".
مخاطر ارتفاع الحرارة على الحياة البحرية
مع ارتفاع درجات الحرارة، تتعرض الكائنات البحرية لخطر الاختناق لأنه الغازات مثل الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون تذوب بشكل أفضل في الطقس البارد، ما يعني أنه كلما زادت درجة حرارة الماء، كلما قل الأوكسجين اللازم لتنفس الكائنات البحرية.
بدوره، قال دييغو كيرستينع، عالم البحار في المجلس الوطني الإسباني للبحوث، إن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي الى زيادة التمثيل الغذائي ما يدفع الكائنات البحرية إلى التنفس بشكل أكبر من المعتاد، مضيفا أن كلا الأمرين يزيدان من خطر موت الكائنات البحرية.
وأشار أيضا إلى أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى تسريع عملية الأيض فيما تحتاج الكائنات الحية إلى المزيد من الغذاء للحفاظ على معدل الأيض.
وتوفر المياه الأكثر سخونة فرصة لنمو الطحالب ما يعني أن استهلاك المزيد من الأوكسجين، فضلا عن أنها تنتج سموما ضارة بالأسماك والثدييات البحرية فيما يمتد الضرر إلى الطيور.
الكائنات البحرية الأكثر عرضة للخطر؟
تعتبر درجات حرارة المياه المرتفعة أكثر ضررًا للكائنات الحية التي تعيش في قاع المحيطات أو البحيرات أو الأنهار بما في ذلك الشعاب المرجانية وبلح البحر والإسفنج ونجم البحر والرخويات وحتى النباتات مثل أعشاب البحر فيما من الصعب أن تقدم هذه الكائنات البحرية على الانتقال نظرا لأنها تكون متصلة في الغالب بالصخور.
وفي سياق متصل، قال علماء إنهم رصدوا تعرض الكائنات التي تعيش في قاع البحر للموت الجماعي على طول آلاف الكيلومترات من ساحل البحر المتوسط بين عامي 2015 و2019.
بدوره، حذر العالم غواكيم غارابو، كبير الباحثين في المجلس الوطني الإسباني للبحوث، من إن قاع البحر المتوسط كان "يزخر بأنظمة بيئية غنية بالتنوع البيولوجي، سوف نفقد المزيد خاصة في المياه الضحلة".
وتلعب الكائنات البحرية التي تعيش في القاع دورا بارزا في الحفاظ على النظام البيئي البحري حيث تقوم بتنظيف المياه إذ تتغذى على الكائنات الحية الميتة فيما تعد بعضها مصدرا غذائيا لكائنات أخرى فضلا عن دور الشعاب المرجانية الناعمة والأعشاب البحرية والأعشاب البحرية في توفير موائل حاضنة لبعض الأسماك واللافقاريات.
وقال بيدرو بيكا كاريتيرو، الباحث في مركز لايبنيز للبحوث البحرية الاستوائية في ألمانيا، إن ارتفاع درجات الحرارة يشكل ضررا على نباتات "البوسيدونيا" البحرية على وجه الخصوص التي تعد من أهم النباتات في البحر المتوسط حيث توفر الأوكسجين وسط البحر وتحطم الأمواج العاتية وتحافظ على الرمال من التيارات البحرية بفضل عروقها ما يعني أن حلقة أساسية في سلسلة التوازن البيئي.
وقال بيكا كاريتيرو إن هذه النبتة تشكل "أهمية خاصة للبشر لأنها بمثابة حوض طبيعي رئيسي لتخزين الكربون ما يجعلها أحد أكثر النظم البيئية فعالية في تخزين الكربون على المدى الطويل".
هل يمكن أن الطقس الحار مفيدا؟
ومع ارتفاع درجات الحرارة، يطرح كثيرون تساؤلا حيال هل يمكن أن تستفيد بعض الكائنات البحرية من موجات الحر القاسية؟
وفي ردهم، يقول الباحثون إن قنديل البحر من بين الكائنات الأكثر استفادة من الطقس الحار حيث ينمو بشكل أسرع فضلا عن أن الصيد الجائر وفقدان الموائل الحاضنة للأسماك يعني أن وجود عدد أقل من الكائنات التي قد تفترس قناديل البحر.
ويضم البحر قرابة ألف نوع من الكائنات الاقتحامية وهو الأعلى في العالم. ورغم أن هذا الأمر لا يرتبط بشكل مباشر بتغير المناخ أو ارتفاع درجات الحرارة، إلا أن كيرستينغ يشير إلى أن الطقس الحار يخلق ظروفا مناسبة. وأضاف أن من بين هذه الكائنات سمكة الأرانب التي تعيش في المحيطين الهندي والهادئ حيث وجدت موطئ قدم لها في شرق البحر المتوسط فيما باتت الصحاري المائية محل غابات الأعشاب البحرية الكثيفة.
ضرر ارتفاع مياه البحر المتوسط على البشر؟
يؤثر ارتفاع درجة حرارة البحار بالفعل على أنشطة الصيد في المنطقة حيث يقوم الصيادون بصيد عدد أقل من الأنواع المألوفة فيما يجيدون أنواعا أكثر من الأسماك الاقتحامية التي يصعب بيعها في الأسواق.
وقال جارابو إنه على الرغم من أن أسماك الأرانب والأسد – وهي من الأسماك الاقتحامية- صالحة للأكل، إلا أن "بعض الأسماك الغازية الأخرى لا يمكن تناولها حيث أن بعضها سام مثل السمكة المنتفخة".
وحذر باحثون من أن فقدان الموائل الحاضنة للأسماك يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في أعداد الأسماك فضلا عن اختفاء الأعشاب البحرية يعني أن السواحل ستكون أكثر عرضة للعواصف وهو ما سيؤثر على حركة السياحة البحرية.
ما الحل إذا؟
يتفق الباحثون على الطريقة الوحيدة لإنقاذ الموائل الحاضنة للأسماك في البحر المتوسط تتمثل في وقف انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
قال كريستيان فيلد، رئيس قسم البيئة البحرية في جامعة بريمن في شمال ألمانيا، إنه لا توجد طريقة مباشرة لحماية الموائل الحاضنة للأسماك في أعماق البحر المتوسط من الإجهاد الحراري، لكن يمكن جعلها أكثر مقاومة عن طريق مكافحة نمو تكاثر الطحالب.
ويأمل العلماء في أن يصب ما أعلنته الأمم المتحدة من حماية 30 بالمائة من البحار بحلول عام 2030، في صالح الحفاظ على البحر المتوسط حيث لم يتم توفير حماية إلا لقرابة 8 بالمائة فقط من مساحته.
ويشدد يواكيم جارابو على ضرورة "زيادة عدد المناطق المحمية بشكل صارم بما يحظر الصيد والغوص وركوب القوارب لأن هذه المناطق رغم أنها لا توفر برودة مائية إلا أنها تتعافى بشكل أسرع وأفضل".
في المقابل، يرى باحثون أن زيادة عدد المناطق المحمية ليس كافيا إذ يستلزم الأمر إدارتها بشكل صحيح حيث تعاني المحميات البحرية من سوء الإدارة.
ويقول باحثون إن ارتفاع الحرارة في البحر المتوسط قد يوفر ملاذا آمنا لكائنات بحرية أخرى مثل بعض الأعشاب البحرية الاستوائية التي تتكيف بشكل جيد مع ارتفاع درجات الحرارة ومستويات الملوحة مقارنة بالأعشاب البحرية الأخرى.
(DW)