بما أن الإبداع هو مقياس لكيفية تفكيرنا فإن أي دليل على أن الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى أكثر إبداعا يجب أن يكون كامنا في مكان ما بدوائرنا العصبية؛ حيث يعتقد بشكل واسع أن هناك صلة بين الموهبة واستخدام اليد اليسرى. فهل ان أدمغة الذين يستخدمون اليد اليسرى تختلف عن أدمغة أولئك الذين يستخدمون اليد اليمنى؟!
يقول أستاذ علم النفس العصبي بجامعة دريكسيل إريك زيلمر «إن العسر يظهرون بشكل خاص تفارق وظائف الدماغ أقل مقارنة بالذين يستخدمون اليد اليمنى».
ويعرف تفارق وظائف الدماغ بأنه ميل بعض الوظائف العصبية أو العمليات المعرفية إلى التخصص في جانب واحد من الدماغ دون الآخر.
ويرتبط الجانب الأيسر من الدماغ عموما بالكلام والكتابة والحساب واللغة والفهم، بينما يتحكم الجانب الأيمن في الإبداع والمهارات الموسيقية والتعبير الفني، على سبيل المثال لا الحصر. فإذا أثار أحد الباحثين محادثة معك وأجرى مسحا ضوئيا لدماغك باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي، فيجب أن يضيء النصف الأيسر (المرتبط باللغة) أكثر من النصف الأيمن؛ وهذا ما وجده الباحثون لمعظم الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى. أما بالنسبة للمهام التي تنطوي على اللغة فيكون الجانب الأيسر من الدماغ أكثر نشاطا من النصف الأيمن.
غير أن العلماء وجدوا أن هذا ليس هو الحال بالنسبة لمعظم العسر. إذ يُظهر معظم الذين يستخدمون اليد اليسرى نشاطا أكبر في النصف الأيمن من المخ لأداء المهام اللغوية. وهذا بحسب زيلمر «لأن الأعسر يعتمد بدرجة أقل على النصف المخي الأيسر». فيما يصف الباحثون ذلك بأنه يظهر انحرافا أقل للدماغ، وذلك وفق ما نشر موقع «بزنس إنسايدر» العلمي المتخصص.
وفي هذا الإطار، وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2010 حول اليد المهيمنة وإدراك الوجه، أن العُسر يستخدمون كلا من المناطق اليمنى واليسرى من الدماغ عند النظر إلى الوجوه. لكن بالنسبة للأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى المشاركين في الدراسة، فإن التعرف على الوجوه كان إلى حد كبير محددا في الجانب الأيمن من الدماغ.
ويشير زيلمر إلى أن هذه الاختلافات قد تساعد العُسر على التفكير بشكل أكبر خارج الصندوق، وبالتالي يتمتعون بميزة إبداعية أكثر. فقد يأتي الإبداع بسهولة أكبر لمن يستخدمون اليد اليسرى. وربما تأتي بعض الأبحاث الأكثر إقناعا التي تربط بين اليد المهيمنة والإبداع من الدراسات التي أجريت على الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من «النوع الفصامي»؛ وهي سمات شخصية تشبه الفصام لكنها ليست متطرفة.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وجدت مجموعات بحثية متعددة رابطا مثيرا للاهتمام بين المبدعين للغاية، مثل الموسيقيين المحترفين والفنانين، والمستويات العالية من النوع الفصامي.
علاوة على ذلك، أظهر المصابون بالنوع الفصامي اتساعا غير نمطي للدماغ حيث كان النصف المخي الأيمن أكثر نشاطا للمهام التي يهيمن عليها عادة النصف المخي الأيسر، على غرار ما تم العثور عليه في الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى والذين يبدعون في استخدام كلتي يديهم.
لذا، إذا كان تفارق وظائف الدماغ غير المعتاد مرتبطا بإبداع أعلى لدى الذين يعانون من مستويات عالية من النوع الفصامي، فمن المعقول أن نقترح أن العسر والذين يعانون من تفارق وظائف الدماغ أقل قد يكونون أيضا أكثر إبداعا. ورغم ذلك، من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد هذا الارتباط بشكل أكثر مباشرة.
أيضا قد ترجع احتمالية أن يكون العُسر أكثر إبداعا جزئيا إلى الطريقة التي يضطر بها الأشخاص العسر باستمرار للتكيف مع عالم مصمم للأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى.
وفي هذا تقول باحثة علم النفس الإكلينيكي المؤسس المشارك لشركة Daydreamers كاتينا باجاج «إن هذا يوفر فرصا للعسر لاستخدام خيالهم في كثير من الأحيان، ما يمكن أن يساعد الناس على تعزيز الإبداع».
ومن الجدير بالذكر ان كونك أعسرَ لا يجعلك تلقائيا أكثر إبداعا. لكن مع تطور عقلك والتكيف معه قد تتبنى طريقة تفكير أكثر إبداعا.
(الشرق الأوسط)