مع بداية كل عام جديد، كثيراً ما ينخرط البعض في كتابة تنسيق قوائم طويلة من المهام والأهداف الجديدة التي يتطلعون إلى إنجازها وتحقيقها خلال 365 يوماً يرون أنها ستوفر لا محالة فرصة جديدة في تعزيز شعورهم بالحماس والطاقة.
لكن ما قد لا يعلمه الكثير من الناس أن هذه القوائم بأهداف العام الجديد قد تسبب أضراراً نفسية تتجاوز بكثير الفوائد التي قد تحققها.
غالباً ما تكون نهاية العام وبداية العام الجديد وقتاً مثالياً وعالمياً لتحديد الأهداف ووضع خطط وطموحات جديدة في قائمة مخصصة ومحاولة تنفيذها.
ويجد معظم الناس أنفسهم قد قرروا إما فقدان بعض الوزن، أو البدء في ممارسة الرياضة وتمارين الاسترخاء، أو الاتصال بالأهل والأصدقاء بشكل أكبر، أو تعلُّم لغة جديدة، وغيرها من الأهداف الشائعة.
يبدأ العام بضجة، وحماس وإحساس بالسباق، نطور ونحافظ على تلك العادات الجديدة ليوم، يومين، أسبوع ربما، ثم نبدأ في التراجع شيئاً فشيئاً.
بالنسبة للبعض، تعتبر قرارات العام الجديد فرصة لوضع أهداف إيجابية، وبينما يمكن أن يكون هذا أمراً رائعاً لتطوير الذات، يمكن أن يكون للقرارات في كثير من الأحيان بعض الآثار الجانبية غير المقصودة والتي قد تهدد السلامة النفسية تماماً.
وبحسب منصة Mental Health Collective للصحة النفسية، يكون من الصعب حينها إجراء تغييرات جذرية في نمط الحياة كما تطلع الشخص بداية العام، مما يؤدي في النهاية إلى الشعور بالهزيمة. ويمكن أن يتسبب هذا في الشعور بالخزي والإحباط وعدم الثقة في النفس.
تهدد السلامة النفسية والصورة الذاتية
توضح عالمة النفس الاجتماعي في كلية هارفارد إيمي كودي لموقع Business Insider، أن البشر سيئون حقاً في تحديد أهداف واقعية. وعندما لا نحقق أهداف العام الجديد التي وضعناها بحماس، تنتابنا مشاعر القلق ونقلل من قيمتنا الذاتية.
وهذا التأثير السلبي الخطير عادة ما يكون ناجماً عن عدد من الأخطاء التي يقترفها الكثيرون عند وضع الخطة:
أهداف العام غير الواقعية
قد يقرر الناس قرارات مطلقة حول ما سيفعلونه خلال العام الجديد، وهذا يدفعهم للفشل على الفور بسبب عدم الواقعية.
عند اتخاذ قرار جديد بالذهاب لصالات الرياضة 3 مرات في الأسبوع، فقد يبدأ الشخص فعلاً في ممارسة الرياضة نسبياً في بادئ الأمر، ولكن في وقت خلال العام، قد تكون هناك فترة يُصاب فيها بالإنفلونزا ويظل طريح الفراش لأسبوعين متتاليين، أو قد يحتاج إلى تأجيل خططه الرياضية فجأة بسبب أعباء مهنية أو عائلية غير متوقعة.
من ناحية أخرى، من غير المفيد التخطيط لهدف غامض وبعيد، مثل "الحصول على وظيفة" أو "خسارة 30 كيلوغراماً"، لأنه لا يوجد شيء قابل للسيطرة بشكل قاطع بهذا الشكل.
الشعور بالطاقة السلبية
وفقاً لخبراء الصحة النفسية وعلم النفس والاجتماع، يميل الناس إلى التركيز على الأشياء السلبية أو التي يريدون تغييرها بشأن أنفسهم والأشياء التي لا يحبونها في حياتهم عندما يقررون أهداف العام الجديد.
وعند القيام بذلك، يثير الشخص في نفسه مشاعر سلبية تجاه قائمة مهامه المتوقعة. صحيح أن بعض المشاعر السلبية قد تكون مُحفّزة وباعثة للطاقة، لكنها في الغالب ليست كذلك وتسبب نتائج عكسية بالنفور والهرب.
على سبيل المثال، وضع هدف يقول: "سأتوقف عن تناول الوجبات السريعة" يشعر الشخص بالإحباط والاتهام حتى قبل أن البدء بالتنفيذ. لذا بدلاً من ذلك، من الأفضل صياغة هدف يقول: "تناول المزيد من الطعام الصحي" حتى يظل متحمساً ومتفائلاً.
التركيز على النتيجة لا العملية
من أبرز أسباب الشعور بالفشل والإحباط وتراجع الثقة في النفس هي مقارنة ما أنت عليه الآن بالمكان الذي تريد أن تكون فيه مستقبلاً.
لا يمكن وضع هدف يقول: "خسارة عدد معين من الكيلوغرامات في فترة زمنية محددة"، لأن هذا ببساطة قرار غير واقعي ولا يمكن ضمان تحقيقه.
فالجسم البشري متغير ومختلف، كما أن الصحة الجسدية والنفسية قد تتداخل مع العملية، لذا من الأكثر واقعية وإنصافاً تحديد "ممارسة الرياضة لمدة معينة أسبوعياً".
الأهداف التي تعتمد على عوامل خارجية
وأخيراً، من أسوأ الأمور هو ربط الأهداف الشخصية بعوامل وظروف خارجية أو معنوية، مثل الاعتماد على أشخاص آخرين للإنجاز، أو انتظار توافر ظروف معينة يكون منوطاً بها تحقيق الهدف.
على سبيل المثال، ربط هدف مثل القراءة اليومية بمزاجك العام غالباً ما سيفشل فشلاً ذريعاً، خاصة إذا كانت عادة القراءة جديدة بالنسبة لك.
إذ قد تصاب بمعكرات كثيرة لصفو حياتك ومزاجك اليومي تمنعك من الشعور بأنك "مستعد" للقراءة ومزاجك مناسب بما يكفي، كذلك الأمر بالنسبة للأهداف المهنية والرياضية والعلمية وغيرها.
علاوة على ذلك، لا يجب انتظار دعم شخص خارجي لتحقيق هدف معين إلا إذا كان مدرباً متخصصاً أو معاوناً شخصياً وظيفته في حياتك هي تقديم المساعدة والدعم، لأن ربط أنشطتك وقراراتك باستعداد شخص آخر، علاوة على نفسك، قد تقدم لك دافعاً ومبرراً للتقاعس وإلقاء اللوم عند الفشل.
صحيح أن مشاركة الأصدقاء قد تعزز الشعور بالحماس في الالتزام بالخطط وأهداف العام الجديد، لكن لا ينبغي لها أن تكون العامل الأساسي في الالتزام بالمهمة.
لذا لا بد أن تكون عملية تحديد الأهداف صغيرة وواقعية وذاتية تماماً وتراكمية يتم تطويرها باستمرار وفقاً لمستوى الإنجاز والتحقيق بدلاً من الأهداف الكبيرة والقاطعة التي قد تسبب شعوراً بالعجز واحتقار الذات.
ما العمل إذاً، هل نتجنب وضع قائمة أهداف العام الجديد؟
لحسن الحظ، هذا ليس أمراً ضرورياً بالمرة؛ إذ إن الأهداف هي حجر الزاوية الرئيسي لعيش حياة سعيدة وصحية وتحتوي على المعنى والحافز للخروج من منطقة الراحة وبذل الجهد وتطوير الذات.
أهداف العام أو أهداف الحياة بشكل عام هي نقطة لا يمكننا تجنبها. ولكن ما يمكننا القيام به هو أن نكون على دراية بمجهوداتنا في ضبط النفس حتى نتمكن من حماية أنفسنا من تأثيرات الآخرين خلال هذه الحالة الضعيفة من التوتر والإرهاق.
إذا كنت تبدأ هذا العام بقرار جديد، فقد ترغب في تجنب مقارنة رحلتك بأصدقاء أو أفراد عائلة أو شخصيات عامة تنشر محتويات مضللة تدفعك للإحساس بالفشل.
وبحسب موقع Psychology Today لعلم النفس، فإنه من الضروري أن تدرك أنك في مكان ضعيف وحساس، خاصة خلال الأيام القليلة الأولى من سعيك لتحقيق هدف جديد، واحمِ نفسك من الحديث الذاتي السلبي وقم بتشجيعها وكأنها صديقك المقرب الذي لا تمتلك إلا دعمه وتعزيز مشاعره الإيجابية.
(عربي بوست)