هل سبق أن ذهبت إلى حوض السباحة أو أن أخذت حماماً طويلاً وشاهدت أنّ أصابع قدميك أو رجليك بدأت بالتجعد؟ قد تكون معتاداً الأمر ولكن هل تساءلت يوماً عن أسباب تجعد اليدين والقدمين في الماء وعدم تجعد أجزاء الجسم الأخرى مثل الساعدين والجذع والساقين والوجه؟
شغلت هذه التجاعيد التي يسبّبها الماء للجلد على أطراف أصابع اليدين والقدمين أفكار العلماء وعملهم لعقود، وقد تحير معظمهم بشأن أسباب هذه التجاعيد في المقام الأول.
لكن في الآونة الأخيرة، جذب انتباه الباحثين السؤال عن السبب والغرض منها، ومع ذلك، ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو ما يمكن أن تكشفه أصابعنا المنكمشة عن صحتنا.
الأمر يستغرق نحو 3.5 دقيقة في الماء الدافئ وتعتبر 40 درجة مئوية درجة الحرارة المثلى لكي تبدأ أطراف أصابعك في التجعد.
بينما في درجات الحرارة الباردة التي تبلغ نحو 20 درجة مئوية يمكن أن تستغرق ما يصل إلى 10 دقائق.
فيما يستغرق الأمر نحو 30 دقيقة من وقت النقع للوصول إلى أقصى قدر من التجاعيد.
ويشرح موقع Verywell Health الطبي الأمريكي السبب، قائلاً إنه لا أحد يفهم بالضبط سبب تجعد أصابعنا في المياه على الرغم من أننا نفهم كيف تتجعد، مضيفاً أنّ عملية تجاعيد الأصابع ليست عملية تناضح والتي تعني تدفق المياه من مكان إلى آخر وذلك لعدة أسباب هي:
فقط جلد أصابع اليدين والقدمين يتجعد، فيما قد يتسبب التناضح في تجعد كل الجلد إذا كان هذا هو السبب.
لا تؤثر الأعصاب السمبثاوية على التناضح، إذا تضررت الأعصاب السمبثاوية في أصابع اليدين والقدمين، فلن تعود تتجعد.
الجلد في الواقع غير منفذ للماء، والماء لا يمكن أن يتدفق داخل أو خارج الجلد، وهذا هو السبب في أن قطرة من الماء سوف تتبخر عند وضعها على الجلد.
الجهاز العصبي
يُعتقد أن تنشيط العصب الودي هو الحافز الذي يؤدي إلى تجعد الأصابع، إذ تنقبض الأوعية الدموية الطرفية عند تنشيط الجهاز العصبي الودي.
ويعتبر الجهاز العصبي الودي مهماً في التحكم بعدد من وظائف الجسم، وضمن ذلك معدل ضربات القلب وضغط الدم.
والجهاز العصبي الودي جزء من جهازك العصبي اللاإرادي، الذي يتفاعل مع البيئة الخارجية للحفاظ على استقرار جسمك، ويعد التعرض للماء محفزاً مهماً للجهاز العصبي اللاإرادي.
الأوعية الدموية
عند غمر أيدينا في الماء، تنفتح قنوات العرق في أصابعنا للسماح بدخول الماء؛ مما يؤدي إلى اختلال توازن الأملاح في بشرتنا.
يؤدي هذا التغيير في توازن الملح إلى تحفيز الألياف العصبية في الأصابع؛ مما يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية حول القنوات العرقية. ويؤدي هذا بدوره إلى فقدان الحجم في المنطقة اللحمية من طرف الإصبع؛ مما يؤدي إلى شد الجلد المُغَطِي للأسفل بحيث يتحول إلى تجاعيد.
يعتمد نمط التجاعيد على الطريقة التي ترتكز بها الطبقة الخارجية من الجلد- البشرة- على الطبقات الموجودة تحتها.
ولكن لماذا تتجعد الأصابع؟
هناك جدل مستمر حول سبب تطوير أجسامنا لهذه القدرة على تجعد الجلد، لا سيما أنّ التجاعيد تدفع الماء بعيداً عن الجلد.
أحدث نظرية تم اقتراحها في دراسة نشرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للطب في العام 2013، هي أن تجاعيد الجلد تمنحك قدرة أفضل على الإمساك بالأشياء بأصابع مبللة.
ويمكن تشبيه الأمر بإطارات السيارات التي بإمكانها البقاء ثابتة على الأرض عند السير في شارع مليء بالمياه بسبب النقشات المحفورة عليه.
ويقترح الباحثون أن باقي الجسم لا يتجعد عند غمره في الماء، لأن اليدين والقدمين هما المناطق الوحيدة في الجسم التي تمسك الأشياء.
توم سمولدرز، عالم الأعصاب التطوري في جامعة نيوكاسل، يقول لشبكة BBC البريطانية: "نظراً إلى أن تجاعيد الأصابع تعطينا قبضة أفضل تحت الماء، أفترض أنَّ الأمر يتعلق إما بالحركة في ظروف رطبة جداً أو من المحتمل التحكم بالأشياء تحت الماء".
ومن الممكن أنَّ هذا منح أسلافنا ميزة رئيسية فيما يتعلق بالمشي على الصخور الرطبة على سبيل المثال، أو ربما ساعدهم عند الصيد أو البحث عن طعام مثل المحار.
يقول سمولدرز: "تعني هذه الاحتمالية الأخيرة أنَّ هذه الميزة خاصة بالبشر، لكن إذا كانت الأولى، فإننا نتوقع حدوثها في الرئيسيات الأخرى أيضاً، ولم يُلاحَظ بعد تجاعيد الأصابع في أقرب أقربائنا في عالم الرئيسيات مثل الشمبانزي، لكن أصابع قرود المكاك اليابانية، المعروفة بالاستحمام لفترات طويلة في الماء الساخن، شوهدت تتجعد أيضاً بعد غمرها بالمياه".
أشياء غريبة نكتشفها من تجعد اليدين في المياه
من الغريب أنَّ هناك ألغازاً محيرة أخرى؛ على سبيل المثال، تحتاج التجاعيد وقتاً أطول للظهور في أصابع النساء مقارنةً بالرجال.
وهناك أسئلة أخرى: لماذا تعود بشرتنا إلى حالتها الطبيعية، عادةً بعد 10 إلى 20 دقيقة، إذا لم يكن هناك عيب واضح في قبضتنا على الأشياء الجافة من وجود أطراف أصابع مجعدة؟
وإذا كان وجود أصابع مجعدة يمكن أن يحسن قبضتنا في البيئات الرطبة، لكن لا يضر بها عندما تجف، فلماذا لا تتجعد أطراف أصابعنا بشكل دائم؟
قد يكون أحد أسباب ذلك هو التغيير في الإحساس الذي تسببه التجاعيد أيضاً.
تمتلئ أطراف أصابعنا بالأعصاب، ويغير تجعيد بشرتنا شعورنا بالأشياء التي نلمسها على الرغم من أنه لا يؤثر في قدرتنا على التمييز بين الأشياء باستخدام حاسة اللمس.
فيما بعض الناس لديهم نفور حقيقي من ذلك؛ لأنَّ التقاط شيء بأصابع مجعدة أمر غريب.
ويمكن أن يكون ذلك بسبب تغيير توازن مستقبلات الجلد، لكن قد يكون هناك بُعد نفسي أيضاً وسيكون من الممتع التحقق من سببه.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكشف تجعد أصابع اليدين والقدمين في الماء عن معلومات أساسية عن صحتنا بطرق مدهشة أيضاً، إذ تستغرق التجاعيد وقتاً أطول لتتشكل عند الأشخاص المصابين بأمراض جلدية مثل الصدفية والبهاق، على سبيل المثال.
ويعاني مرضى التليف الكيسي من تجعد مفرط في راحة اليد وكذلك أصابعهم، وقد لوحظ هذا حتى في الأشخاص الذين يحملون المرض وراثياً.
ويُظهِر المرضى الذين يعانون من مرض السكري من النوع 2 أيضاً في بعض الأحيان انخفاضاً ملحوظاً في مستويات تجعد الجلد عند وضع أيديهم في الماء.
وبالمثل، لوحظ انخفاض التجاعيد لدى الأشخاص الذين عانوا من قصور في القلب، ربما بسبب بعض الاضطرابات في التحكم بنظام القلب والأوعية الدموية لديهم.
(عربي بوست)