قدرت إحدى الدراسات أن نسبة الأميركيين الذين تنطبق عليهم معايير "اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع" (ASPD) تصل إلى 3.8%.
وقد تظل تتعامل -في محيط الأسرة أو العمل أو الأصدقاء- مع شخص عصبي محدود الصداقات والمهارات الاجتماعية، دون أن تتوقع أنه "معتل اجتماعيا" (Sociopaths).
وربما يكون حولك من يبدو متعلما جيدا ويشغل منصبا، ويتمتع بصفات ساحرة وذكاء ملحوظ، ويحظى بثقة الآخرين، دون أن تكتشف لفترة طويلة أن ما يُظهره هو مجرد قشرة خارجية براقة أو "قناع" يُخفي نقص البنية الداخلية لشخص معتل عقليا "سيكوباتي" (Psychopaths). وفقا لما ذكره الطبيب النفسي الأميركي الرائد الدكتور هيرفي ميلتون كليكلي في كتابه الشهير "قناع العقل" المتداول منذ عام 1941.
ونظرا لأن السيكوباتية والاعتلال الاجتماعي فرعان من "اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع"، فليس من المستغرب أن يكون هناك قدر كبير من الخلط بينهما في أذهان الكثيرين، وهو ما يجعلنا نعرض أهم علاماتهما الأساسية، وأوجه التشابه والاختلاف بينهما، وكذلك مدى إمكانية علاجهما.
اضطرابان مختلفان
يقول الطبيب النفسي الدكتور براكاش ماساند "يعتقد بعض الأشخاص أن السيكوباتية أكثر خطورة من الاعتلال الاجتماعي، ولكن هذا غير صحيح إطلاقا، فكلاهما مختل عقليا ومختل اجتماعيا".
فالاعتلال الاجتماعي هو أحد صور اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، والمعتل اجتماعيا هو شخص لا يهتم بمشاعر أحد، ويفكر في مصلحته فقط، ولا ينشغل بتأثير أفعاله على الآخرين. وهو سلوك تصفه كارلا مانلي -المختصة النفسية في كاليفورنيا- بأنه "مليء بالأكاذيب والتلاعب".
أما الدكتور دونالد دبليو بلاك -أستاذ الطب النفسي بجامعة آيوا- فيقول "بالرغم من أن الاعتلال الاجتماعي هو متلازمة تتميز بسوء السلوك مدى الحياة"؛ حيث يميل الأشخاص المصابون به إلى أن يكونوا "مخادعين ومندفعين، ويتجاهلون المسؤوليات، وغالبا ليس لديهم ضمير"، لكن من الخطأ استخدام مصطلحي "معتل اجتماعيا" و"معتل عقليا" في وصف جميع الحالات، لأنهما مختلفان.
فمعظم المعتلين اجتماعيا هم عرضة للسلوك الاندفاعي، وغالبا ما يُنظر إليهم على أنهم مضطربون أو مختلون. في حين أن السيكوباتي بارد وحساس، وأحيانا يكون جذابا. لذا نجد "جميع السيكوباتيين تقريبا معادون للمجتمع، ولكن ليس كل المصابين باعتلال نفسي معادين للمجتمع بالضرورة".
أيضا، في حين أن السيكوباتيين يتمتعون بمعدلات ذكاء عالية، ويفوزون بالوظائف. فإن المعتلين اجتماعيا غير متعلمين جيدا غالبا، ومعظمهم عاطلون عن العمل.
كذلك نجد السيكوباتيين شخصيات كاريزمية لا تندم، تضع "قناع العقل" وتجيد استغلال الآخرين. أما المعتلون اجتماعيا فليسوا جذابين، بل فوضويون مزعجون.
9 علامات لاكتشاف الحالة
لتشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، يجب أن يكون عمر الشخص 18 عاما على الأقل، ويكون له تاريخ من العدوان وكسر القواعد والخداع، يعود إلى طفولته. إلى جانب علامات حمراء أخرى يجب الانتباه إليها، مثل:
- قلة التعاطف، فالافتقار للتعاطف وعدم الندم علامة لدى الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، "فمعظمهم -وخاصة السيكوباتيين- يفتقرون إلى الضمير". بحسب الدكتور بلاك.
- العلاقات الصعبة، حيث يقول الدكتور بلاك "إن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، يجدون صعوبة في تكوين روابط عاطفية، لذلك غالبا ما تكون علاقاتهم غير مستقرة وفوضوية". وبدلا من إقامة اتصالات طبيعية مع الآخرين، فإنهم يحاولون استغلالهم لمصلحتهم الخاصة من خلال الخداع والتخويف.
- المناورة، يميل المعتلون اجتماعيا إلى محاولة إغواء الأشخاص من حولهم لتحقيق أهدافهم الخاصة، وإن كان هذا لا يعني أنهم جميعا يتمتعون بكاريزما ساحرة. يقول الدكتور بلاك "قابلت الكثير من المعادين للمجتمع، ولم أجد فيهم أي سحر".
- الخداع، فالمعتلون اجتماعيا معروفون بكونهم غير أمناء ومخادعين، وغالبا ما يفضلون الكذب للوصول إلى أهدافهم، أو لإخراج أنفسهم من المشاكل. ويرحبون بالحقيقة إذا كانت ستفيدهم.
- عدم المسؤولية، فتجاهل الالتزامات المالية والاجتماعية علامة على وجود اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. يقول الدكتور بلاك "إن تجاهل المسؤوليات، كعدم دفع مصروفات الطفل، والسماح بتراكم الفواتير، وأخذ إجازة كثيرة من العمل، هي أمور شائعة للغاية".
- السلوك المحفوف بالمخاطر، فكثيرا ما يتورط هؤلاء في سلوك محفوف بالمخاطر، يجمع بين اللامسؤولية والاندفاع والحاجة إلى الإشباع الفوري، دون اهتمام بسلامة الآخرين أو سلامة أنفسهم.
- القسوة، فالأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع يميلون إلى إظهار تجاهل قاس لمشاعر الآخرين، وقد يكون بعضهم عنيفا وعدوانيا بشكل صريح.
- العداء، المعتلون اجتماعيا ليسوا معاديين لأنفسهم فحسب، بل من المرجح أن يفسروا سلوك الآخرين على أنه عدائي، مما يدفعهم إلى السعي للانتقام.
الاندفاع، يقول الدكتور بلاك "إنهم يجدون صعوبة بالغة في وضع خطة والالتزام بها".
علاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع
وفق الدكتور بلاك "يمكن أن يساعد علاج هذه الحالات في تخفيف بعض الأعراض وتقليل الآثار الجانبية، لا سيما في الحالات الأكثر اعتدالا"، لكن من غير المعتاد أن يطلب الشخص المعتل اجتماعيا المساعدة المتخصصة، حيث يُعد "الافتقار العام إلى البصيرة أحد أهم الخصائص المميزة لهذا النوع من الاضطراب".
فالمعتلون اجتماعيا قد يدركون أن لديهم مشاكل، وقد يعرفون أن أزواجهم ليسوا سعداء معهم، وقد يعلمون أنهم يواجهون أزمة في العمل لكنهم يميلون إلى إلقاء اللوم على الآخرين، وعلى الظروف.
لكن الخبر السار هو أن أعراض هذا الاضطراب قد تتراجع مع تقدم العمر، كما يقول الدكتور بلاك، الذي ينصحك في الوقت نفسه "إذا كنت تعرف شخصا مصابا باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، فإن أفضل شيء تفعله هو الابتعاد، تجنبهم بأفضل ما يمكنك، لأنهم سيعُقّدون حياتك".
وهو ما تؤكده كارلا مانلي، قائلة "غالبا ما يستمتع المعتل اجتماعيا بتدمير الثقة بالنفس لدى الآخر وإبعاده عن العائلة والأصدقاء".
المصدر: الجزيرة، مواقع إلكترونية