اختارت الأمم المتحدة أسعد مكان على وجه الأرض، إنه ليس عالم ديزني، إنها فنلندا (شمال أوروبا) التي احتلت المركز الأول في تقرير السعادة العالمي للسنة الثالثة على التوالي.
ليس فقط لأنها بلد الألف بحيرة، أو لأن 73% من مساحتها غابات، ولا لأنها ترى الشمس في منتصف الليل، وتنفرد بظروف جوية غريبة يعود تاريخها إلى آلاف السنين قبل الميلاد، بعد العصر الجليدي الأخير. أو لأن مساحتها تزداد 7 كيلومترات مربعة سنويا مع كل انهيار جليدي. ولا لأن جواز السفر الفنلندي هو الأقوى عالميا للتنقل دون تاشيرات. ولا لأنها الأولى في إعادة التدوير في العالم (98% من المخلفات يتم إعادة تدويرها).
ولا فقط لأنهم أكثر شعوب العالم احتساء للقهوة (متوسط استهلاك الفرد حوالي 12 كيلوغراما سنويا)، والأكثر شربا للحليب في كوكبنا (متوسط استهلاك الفرد حوالي 105 كيلوغرامات سنويا، أو لتر واحد يوميا)، والأكثر هوسا بالساونا (أكثر من 3 ملايين غرفة ساونا، مقابل 5.5 ملايين نسمة، ربما لعلاقتها بتحسين صحة القلب، والجهاز المناعي، وضغط الدم، وفقا لموقع "مايو كلينك".
ولا بسبب مفهوم الـ"سيسو" الذي يعني "قوة الإرادة والتصميم والمثابرة، والتصرف بعقلانية في مواجهة الشدائد" فقط.
ولكن إلى جانب المميزات الحياتية السابقة، فإن فنلندا تواصل تقدمها في "المجالات الستة للرضا عن الحياة" التي حددها مؤشر السعادة العالمي، و7 عوامل أخرى.
المجالات الستة للرضا عن الحياة
في عام 2012 عَرّفت الأمم المتحدة مفهوم السعادة بـ"مدى رضا الشخص عن حياته"، ووضعت مؤشرا سنويا من 6 عناصر لقياسها، تقدمت فنلندا فيها جميعا على العالم، وهي:
1. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ويُعد في فنلندا ضمن الأعلى عالميا، حيث بلغ ما يعادل 49 ألف دولار أميركي سنويا، في عام 2019.
2. الدعم الاجتماعي، فهي أول دولة أوروبية تنفرد بتجربة الدخل الأساسي منذ عام 2017، بهدف مد شبكة الضمان الاجتماعي لمساعدة الأشخاص في العثور على وظائف، وحصل بموجبها ألفا فنلندي عاطل عن العمل على راتب شهري ثابت قدره 560 يوروا (634 دولارا أميركيا).
3. متوسط العمر المتوقع للفرد، يأتي هو الآخر ضمن الأعلى عالميا بمتوسط 81.9 عاما.
4. حرية اتخاذ خيارات الحياة، حيث تحتل فنلندا مرتبة متقدمة في مجال الحريات الشخصية والحقوق المدنية ونوعية الحياة، فهي من أوائل الدول التي منحت المرأة حق التصويت، والأولى في تشريع الاقتراع العام، والحق في التصويت والترشح للمناصب.
5. الكرم، إذ تسجل فنلندا درجات عالية في مؤشر الكرم، حيث يقوم نصف سكانها بإعادة الأموال إلى الأعمال الخيرية بانتظام، ويتطوع ثلث السكان بوقتهم للنفع العام.
6. غياب الفساد، فالنظام الإداري الفنلندي يتميز بالشفافية والانفتاح، كما أن الفساد فيه شبه معدوم، لوجود نظام قوي للرقابة الداخلية والخارجية، ومشاركة المجتمع المدني في إدارة الشؤون العامة.
عوامل تميز نمط الحياة الفنلندية
رصد الخبراء 7 عوامل أخرى، تسهم في رفع مستوى معيشة الشعب الفنلندي، وهي:
1. حرص الآباء على تعليم ممتاز لأبنائهم، حيث تُعد فنلندا الدولة الوحيدة في العالم التي يقضي فيها الآباء وقتا أطول مع الأطفال في سن المدرسة، أما الأمهات فمن الشائع أن يقمن بذلك لعدة أشهر أو حتى سنوات لضمان حضورهن في السنوات التكوينية لأطفالهن. لذا حقق نظام التعليم نجاحا متكررا في التصنيف الوطني. فالدولة والناس يقدرون المُعلم بشدة، والمعلمون يحصلون على تدريبات وأجور ممتازة.
2. عشق القراءة والمكتبات، فالفنلنديون يحبون مكتباتهم، فالعديد منهم ترعرع على الذهاب إلى المكتبة. ويتحدث معظمهم أكثر من لغتين أجنبيتين، ويسافرون كثيرا لاكتشاف ثقافات أخرى. و"المكتبة جزء رئيسي من حياة الناس في فنلندا، كمساحة مفتوحة يؤدون فيها واجباتهم المدرسية أو يمارسون هواياتهم". وتعد مكتبة "أودي هلسنكي" التي افتتحت في عام 2018، أفضل مثال على ذلك. بحسب المرشدة السياحية الفنلندية، هانا لينا هالساس.
3. بلد آمن، فقد تم تصنيف فنلندا كأكثر الدول أمانا في العالم، وفقا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2017، حيث يثق أكثر من 80% من الفنلنديين بالشرطة. كما تُظهر خريطة مخاطر السفر لعام 2019، والتي تُقيّم العالم عبر المخاطر الطبية والأمن والسلامة على الطرق، أن "لدى فنلندا أدنى مستوى تهديد ممكن"، بحسب صحيفة "التلغراف".
4. الرعاية الصحية الشاملة، حيث تتمتع فنلندا بنظام رعاية صحية مزدهر، "يجعل المريض يذهب إلى المستشفى ويعلم أنه سيحصل على علاج جيد، دون أن يكلفه ثروة". بحسب ميرجا هيرالا، التي تعمل في مجال التسويق والاتصالات، وتقيم في هلسنكي.
5. عشق التنزه واستكشاف الطبيعة، فالفنلنديون بارعون في الخروج والاستمتاع بالمناظر الطبيعية المذهلة، بدءا من 40 متنزها وطنيا، وجزر بحر البلطيق، ووصولا إلى أقصى شمال البلاد. كما أنهم يحبون ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة أو ركوب الدراجات. لتوافر "المساحات المفتوحة ومسارات المشي وركوب الدراجات في المدن، والتي يتم صيانتها لتجعل التمرينات سهلة للغاية". كما يقول سامي هيرو، وهو رئيس العمليات في شركة فنلندية متخصصة في قياس رضا العملاء.
6. المطبخ الجديد المثير للإعجاب، بحسب خبيرة التسويق هيرالا، فإن الفنلنديين لا يعتمدون على الأسماك والبطاطس وحدها، "فقد أصبح الاتجاه الأكثر شعبية الآن هو مطبخ الشمال الجديد، حيث تُستخدم المكونات المحلية بما فيها التوت والأعشاب والخضروات البرية".
7. تقديس الصدق والأمانة، فالفنلنديون يؤمنون بشدة بالأمانة، فإذا سألت أحدهم: كيف الحال؟ فكن مستعدا لتلقي إجابة صادقة، بعيدا عن المجاملات التي قد لا تعني شيئا في الحقيقة. يقول هيرو "الناس هنا جادون حقا، ويقصدون ما يقولونه".
المصدر : الجزيرة نت