متى أستطيع رؤية عائلتي؟ أو دعوة أصدقائي لمنزلي؟ أو الخروج في المساء؟ أو حتى العودة إلى مقر العمل؟ متى يستطيع الأطفال العودة إلى مدارسهم؟
الإغلاق ضروري من أجل احتواء انتشار فيروس كورونا، لكنه تسبب في الكثير من المشاكل والعقبات لحياة الناس حول العالم.
فمتى يمكن أن يرفع الإغلاق؟
أمام الحكومات قرارات يصعب اتخاذها: متى ينبغي التحرك؟ أي القيود تُرفع؟ وكيف يمكن احتواء الوباء في غياب الإغلاق؟ وكيف نوازن بين إنقاذ الأرواح اليوم والأضرار بعيدة المدى على المجتمع؟
هذه الرحلة ستكون طويلة، ولا تظنوا أنها ستنتهي خلال أسابيع قليلة.
"لدينا العديد من الخيارات غير الجيدة.. الأمور لن تتغير في يوم واحد، بل إن الوضع قد يسوء"، حسبما قال لبي بي سي الطبيب آدم كوتشارسكي من جامعة لندن لعلوم الصحة وطب المناطق الحارة.
لماذا لا نستطيع رفع الإغلاق مباشرةً؟
لا نستطيع العودة للحياة الطبيعية ببساطة بعد وصول العدوى إلى الذروة أو حتى بعد تراجعها إلى مستويات منخفضة جدا.
في بريطانيا، مثلا، يشير أفضل التقديرات إلى أن نسبة الذين أصيبوا بالفيروس واكتسبوا مناعة ضده هي 4 في المئة فقط. بصياغة أخرى، هناك 63 مليونا معرضون للإصابة.
إذا رفعنا الإغلاق مباشرة، فنحن معرضون لموجة مدمرة من العدوى.
كما أن أساسيات انتقال العدوى لم تتغير: فالمصاب الواحد، في غياب الإغلاق، يمكن أن ينقل العدوى لثلاثة أشخاص آخرين بالمتوسط.
نحن بحاجة لتقليل فرص العدوى بنسبة تتراوح بين 60 و70 في المئة، أي تقليل التواصل البشري بالنسبة نفسها.
إذا رفعنا قيود التباعد الاجتماعي، يجب أن يحل محلها أمر بديل لكبح جماح الفيروس، أو على الأقل لحماية الناس من أن يكون مصيرهم أقسام العناية الفائقة بالمستشفيات.
مساحة للمناورة؟
ربما نحقق مكاسب سهلة لو استطاعت الدول تقليل انتقال العدوى بنسبة تزيد على 70 في المئة.
" هناك أدلة على أن كثيرا من الدول الخاضعة لحالة إغلاق تجاوزت هذه النسبة، حيث تتراوح في الصين بين 80 و90 في المئة"، بحسب كوتشارسكي.
والنسبة العالية حاليا تعتبر أمرا جيدا، حيث تنخفض حالات الإصابة سريعا.
لكنها فرصة كذلك لإلغاء بعض القيود المفروضة حاليا دون أن يؤدي ذلك إلى ازدياد حالات الإصابة.
فرضت الصين، خاصة في ووهان التي كانت مصدر الوباء العالمي، حالة إغلاق صارمة لمدة طويلة، شملت إيقاف المواصلات العامة.
وليس واضحا بعد مدى المساحة التي تملكها كل دولة للمناورة في ما يتعلق بصرامة حالة الإغلاق فيها.
لماذا لا نجري المزيد من الفحوص؟
زيادة الفحوص بشكل كبير تتيح تنفيذ استراتيجية يُطلق عليها "البحث والتدمير".
وتقوم هذه الاستراتيجية على رصد حالات الإصابة، ثم فحص جميع من كانوا على تواصل مع المصابين وعزلهم قبل أن يدخلوا في طور العدوى.
هذا يشبه الأسلوب الذي اتبع في بداية انتشار الفيروس حين كان عدد الحالات الوافدة من الخارج التي تلاحقها السلطات قليلا نسبيا.
ومن شأن تطبيق هذا الأسلوب بدرجة النجاح المطلوبة تقليل قدرة الفيروس على الانتشار، وهو ما يعني أننا لسنا بحاجة لنفس درجة الصرامة في القيود المفروضة على أنشطة الحياة اليومية.
وقال كوتشارسكي "في الوقت الراهن، هناك حاجة لتقليل التواصل الاجتماعي بنسبة 60 إلى 70 في المئة من أجل الحيلولة دون اتساع رقعة الانتشار".
"إذا استطعنا تقليل هذا (انتشار العدوى) إلى 30 في المئة، سيكون معنا هامش أكبر للمناورة ".
لكن حتى الفحص على نطاق واسع لا يعني العودة إلى الحياة الطبيعية.
سنكون بحاجة إلى إجراءات أخرى للسيطرة على المرض. وسيكون علينا اتباع تلك الإجراءات على المدى البعيد، إذ لم تتغير أساسيات الموقف (فيروس ينتشر وأشخاص عرضة للإصابة).
وقال كوتشارسكي إن هذا السيناريو سيكون بمثابة "نسخة مخففة مما نحن فيه الآن".
وبالإضافة إلى هذا، هناك عمل مكثف ينبغي القيام به لنسبق انتشار العدوى. وحينئذ يكون موعد الحديث عن رصد حالات الإصابة عبر تطبيق بالهواتف الذكية. لكن أفضل فرصة لتطبيق هذه الاستراتيجية تصير متاحة عندما تكون مستويات العدوى منخفضة.
ماذا عن حماية المهددين أكثر من غيرهم؟
هناك استراتيجية أخرى تدعى "التحصين المُدَعَّم".
فبدلا من محاولة وقف انتشار الفيروس في شتى فئات المجتمع، يمكن أن يكون الهدف هو وقفه بشكل نهائي في أوساط المهددين أكثر من غيرهم.
التقدم في السن والأمراض المزمنة تزيد احتمال أن يؤدي المرض إلى الوفاة.
وتساهم سياسة الإغلاق في منع اكتظاظ أقسام العناية الفائقة، لكن يمكن الوصول إلى النتيجة نفسها من خلال ضمان عدم إصابة الأشخاص الأكثر ضعفا، حتى إذا ظل الفيروس ينتشر في أوساط الشباب والأصحاء.
وقال مراك وولهاوس الأستاذ بجامعة أدنبره "لنعبر عن الأمر بفظاظة: بالنسبة للأصحاء، أي 80 في المئة منا، سيكون هذا فيروسا خطيرا، لكن الإصابة به لن تنهك القطاع الصحي ولن تشل المجتمع. لو عززنا هذا التحصين... فإن هذا سيمنحنا هامشا كبيرا، وربما أتاح تخفيف بعض الإجراءات بشكل دائم".
نحن بالفعل نحمي المهددين أكثر من غيرهم، حيث نطلب منهم البقاء في البيت لمدة 12 أسبوعا.
وتعزيز هذا يعني أن يخضع جميع العاملين في المستشفيات ونزلاء دور المسنين لفحوص منتظمة للتأكد من خلوهم من الفيروس. في أفضل الحالات فإن وجود الأجسام المضادة في الدم سيعني أن الشخص اكتسب مناعة.
الخطر في تطبيق هذه الاستراتيجية هو أنه في حال ترك الفيروس ينتشر في المجتمع سيصبح من الصعب السيطرة عليه، وستتعرض هذه "الحصون" لضغط كبير.
أي إجراءات الإغلاق يمكن رفعها؟
بعض القيود يكون تأثيرها على الفيروس أقل من غيرها.
ويقول كوتشارسكي "هناك تفاعلات وأنشطة أقل خطرا بشكل عام".
ويرى أن بالإمكان تصنيف القيود الممكن رفعها في ثلاث فئات: خطر طفيف، خطر متوسط وخطر داهم - وذلك من حيث احتمال زيادة نشر العدوى.
بالنسبة للخطر الطفيف فهو مثل ممارسة الرياضة خارج المنزل، وهو ما فرضت بعض الدول قيودا عليه.
ومن أمثلة الخطر المتوسط السماح بفتح بعض المحلات غير الأساسية والسماح باللقاءات بين أفراد لا يعيشون تحت سقف واحد.
أما الخطر الداهم فيكون بإلغاء نظام العمل من المنزل وعودة الطلاب إلى المدارس وإلغاء عزل المرضى وعزل أفراد المسكن الواحد.
ويرى كوتشارسكي الترتيب الذي فرضت به القيود سينعكس على ترتيب رفعها".
لكن تحديد القيود الممكن رفعها سيكون مبنيا على توازنات صعبة. سيتطلب موازنة مدى فائدته للمجتمع والاقتصاد مقابل مخاطر انتشار الفيروس.
ويقول نيل فيرغسون الأستاذ بجامعة إمبريال كوليدج لندن "نريد التوصل إلى مجموعة من السياسات تحافظ على كبح جماح الفيروس".
ويضيف "ستتخذ الإجراءات على الأغلب اعتمادا على السن والجغرافيا، وسيكون علينا زيادة عمليات الفحص من أجل عزل المصابين بشكل فعال وتحديد حالات الإصابة".
بطاقة مناعة؟
يجري تداول فكرة إصدار بطاقات أو شهادات للأشخاص الذين اكتسبوا مناعة. ويمضي الأمر على النحو التالي: إذا أُصيب شخص بالمرض، يخضع لفحص، وإذا ثبت أن بداخله أجساما مضادة قادرة على قتل الفيروس، يصبح بإمكانه استئناف حياته التي اعتاد عليها.
لكن هناك عدد من التحديات العلمية.
لا يوجد فحص دقيق للأجسام المضادة. ولا نعرف كم من الزمن تستمر المناعة. كما لا نعرف إن كانت الاجسام المضادة - التي يمكن أن تحميك من المرض - تحول دون نقلك للمرض.
متى وأين نرفع الإغلاق؟
اقترح فيرغيسون بدء رفع القيود مع نهاية شهر مايو/ أيار.
لكن يجب اتخاذ قرار بشأن المستوى الذي يجب أن ينخفض إليه انتشار الفيروس، وذلك بعد الوصول إلى الذروة.
بإمكاننا الوصول إلى أقل مستوى ممكن من العدوى، وهو ما سيقلل فرص عودة الفيروس في موجة ثانية، لكن هذا يتطلب تمديد فترة الإغلاق.
وبإمكاننا أيضا الخروج من الإغلاق في وقت أبكر وقبول إمكانية بقاء حالات أكثر من العدوى، وهو ما سيكون له مشاكله خاصة.
ويجب كذلك اتخاذ قرار في ما يتعلق بنطاق رفع الإغلاق، وما إذا كان سيتم التعامل مع الدولة بأكملها كوحدة واحدة أم كل مدينة أو إقليم على حدة.
ما الذي يمكن أن يغير جوهر الوضع؟
في حال إنتاج لقاح ستتغير كل المعادلات، ولن تكون هناك حاجة للعزلة الاجتماعية. ولكن يعتقد أن هذا الأمر سيستغرق أكثر من سنة كاملة.
إذا لم ينقذنا اللقاح تبقى إمكانية "حصانة القطيع" واردة، أي حين يصاب عدد كاف من الناس (يصل إلى 70 في المئة من السكان) سيقف هذا في طريق انتشار الفيروس بشكل كبير.
إنتاج علاجات فعالة سيكون حلا معقولا، لو تمكنت هذه العلاجات من كبح أعراض المرض لتقتصر على السعال والحمى دون الوصول إلى مضاعفات خطيرة تتطلب النقل إلى أقسام العناية الفائقة بالمستشفيات.
في الشهور القادمة، قد نقترب، أو على الأقل بالنسبة للبعض، من الحياة العادية. لكن الطريق مازال طويلا أمامنا جميعا.
المصدر: بي بي سي
أخبار ذات صلة
السبت, 11 أبريل, 2020
العلماء حائرون.. كيف يموت مرضى كورونا؟
السبت, 11 أبريل, 2020
نصائح طبية للمحافظة على الصحة النفسية خلال جائحة كورونا
الجمعة, 10 أبريل, 2020
هل يحدّ موسم الصيف من انتشار وباء "كورونا"؟