نجحت استراتيجيات الاحتواء الحالية وحتى أكثرها شدة وفاعلية في إبطاء انتشار فيروس كورونا المعروف باسم Covid-19 والذي صنفته منظمة الصحة العالمية كوباء عالمي.
ومع هذا التصنيف، تحولت الأنظار الآن إلى احتمالات إنتاج لقاح باعتباره الملاذ الوحيد الذي يمكن أن يمنع الناس من الإصابة بالمرض الذي يسببه الفيروس التاجي الجديد Sars-CoV-2 .
وتتسابق حوالي 35 شركة ومعهد أكاديمي لصنع مثل هذا اللقاح، أربعة منهم على الأقل لديهم بالفعل لقاحات تم اختبارها في الحيوانات. أول هذه اللقاحات من إنتاج شركة "موديرنا" للتكنولوجيا الحيوية ومقرها بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية، وسيدخل في تجارب بشرية في أبريل القادم.
ويعود الفضل في هذه السرعة غير المسبوقة إلى حد كبير إلى الجهود الصينية المبكرة لتحديد تسلسل المادة الوراثية للفيروس الجديد.
وقد شاركت الصين هذا التسلسل مع العالم في أوائل يناير، مما سمح لمجموعات البحث في جميع أنحاء العالم بزراعة الفيروس الحي ودراسة كيفية غزوه للخلايا البشرية وجعل الناس مرضى.
ومن المعروف أن الفيروس الجديد من عائلة كورونا ( الفيروسات التاجية) التي تسببت سابقا في وبائي متلازمة الجهاز التنفسي الحادة (Sars) في الصين في 2002-2004، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (Mers) ، التي بدأت في السعودية في عام 2012.
وتعمل شركة "نوفافاكس" ومقرها ميريلاند، على إعادة تكييف لقاحات الوبائين السابقين، لإنتاج لقاج جديد، وتقول إن لديها العديد من اللقاحات المرشحة للاختبار ودخول التجارب البشرية هذا الربيع. فيما استندت "موديرنا"في جهودها على عملها السابق في فيروس Mers .
مع الإشارة إلى أن الفيروس الجديد يتشارك بنحو 80-90 في المئة من مادته الوراثية مع الفيروسات المسببة للوبائين السابقين.
كيف تعمل اللقاحات؟
وتعمل جميع اللقاحات بمبدأ أساسي وهو حقن الجسم بجرعات مخفضة من الفيروس (ضعيفا أو غير نشط) لتحفيز المناعة البشرية على إنتاج أجسام مضادة يتم حفظها في الذاكرة المناعية ومن ثم إعادة استخدامها مرة في حالة التعرض لذات الفيروس مرة أخرى مستقبلا.
وتستخدم بعض الشركات هذه الأساليب لإنتاج لقاحها الجديد، رغم أن لها سلبيات من بينها أن الفيروس الحي قد يسبب المرض لمتلقيه، فيما اللقاح المصنوع من فيروسات مضعفة قد يحتاج متلقيه إلى جرعات متكررة للحصول على المناعة الكافية لمقاومة المرض.
اللقاح المؤتلف
لذلك، تسعى بعض الشركات إلى استخدام تقنيات أحدث مثل اللقاح المؤتلف أو ما يسمى بـ vaccine Recombinant.
"نوفافاكس" على سيبل المثال، تستخدم هذه الطريقة لإنتاج لقاحها، وتشمل استخلاص الشفرة الوراثية للبروتينات الشوكية ( Spike ) الموجودة على سطح الفيروس، وهي التي من خلالها يتمكن الفيروس من التعرف والالتصاق بالخلية البشرية والاندماج فيها. وهذا الجزء من الفيروس تحديدا، هو الذي يدفع الجهاز المناعي إلى إنتاج اجسام مضادة لمقاومته.
وبعد ذلك تقوم الشركات بإنتاج كميات كبيرة من هذا البروتين عبر إدخالة في جينوم كائنات حية دقيقة مثل البكتيريا أو الخميرة.
مسينجر أر إن إيه
وهناك طرق أخرى أحدث لإنتاج لقاح جديد تتخطي إنتاج البروتيات الشوكية، من بينها الاستفادة من التعليمات الوراثية التي يتبعها الفيروس لإعادة إنشاء نفسه. شركتا "موديرنا" و "كيورفاك" كلاهما يعملان على إنتاج لقاح من إحدى مكونات الفيروس الجينية ويسمى messenger RNA.
"سيبي" وهو تحالف شركات شهير يمول إنتاج اللقاحات، أيضا يتجه لاستخدام التقنيات الحديثة لإنتاج لقاح جديد، وقد أعلن تخصيص أكثر من أربعة ملايين دولار لتمويل المشروع بالشراكة مع "نوفافاكس" وجامعة أوكسفورد البريطانية.
التجارب السريرية
كما ذكر، من المنتظر أن تبدأ التجارب البشرية على اللقاح في أبريل القادم، ولكن حتى لو سارت على ما يرام، فهناك العديد من العوائق قبل أن يصبح التحصين العالمي ممكنا.
وتعتبر التجارب السريرية من الخطوات الضرورية جدا قبل المصادقة على أي لقاح، وهي تشمل ثلاث مراحل. الأولى تجريبه على عشرات المتطوعين الأصحاء لاختبار سلامة اللقاح ورصد آثاره الضارة.
ثانيا، تجريبه على مئات الأشخاص، وعادة في المناطق المؤبوءة بالمرض لتحديد فعالية اللقاح، وثالثا تجريبه على آلاف الأشخاص.
وتتطلب هذه المراحل تمويلات مادية كبيرة، لذلك قلة من الشركات قادرة على مواصلة المشوار، حسب خبراء.
فمن الممكن أن تخلص النتائج إلى أن اللقاح غير آمن، أو غير فعال أو الاثنين معا. كما أن المصادقة على بعض أنواع اللقاحات، قد تتطلب عشر سنوات وأكثر.
الأول من نوعه
وما قد يعقد أيضا إنتاج لقاح جديد، ليس فقط أنه خاص بفيروس جديد، وإنما سيكون الأول من نوعه الذي ينتج من مواد وراثية ( RNA أو DNA)، لذلك، فالأمر قد يتطلب إجراءات صارمة قبل الموافقة عليه.
ومن التعقيدات الأخرى أن اللقاح وبعد الموافقة عليه، يجب إنتاجه بكميات كبيرة جدا، وهذه قد تكون معضلة لعدم توفر القدرات الإنتاجية اللازمة.
كما أن تكلفته العالية قد تجعل من الصعب توفيره للجميع، خاصة الدول الفقيرة.
المصدر: الحرة الأمريكية