في بيته المتواضع بحي شعبي بمدينة مراكش المغربية، محاطا بأسرته، يستقبل السيد عبد الكبير زائره بحماس يريده زائدا عن المألوف، يشد على يديه ويربت على كتفيه ولسانه لا ينفك عن الدعاء.
إصابته بمرض سرطان من نوع خاص فتك بنضارة وجهه وأسقط شعره ونال من نبرة صوته، لكن بصيص أمل في حياة أفضل لا يزال يطل من عينيه المنهكتين.
يقول هذا الرجل السبعيني بهدوء يشوبه حزن خفي للجزيرة نت وهو يقرب حفيده إلى جانبه، "قدر الله ماض فينا، وتجربتي مع المرض لم تكن سهلة".
سرطان ثدي الرجال
يعتبر عبد الكبير جاغوط واحدا من الحالات النادرة في العالم التي داهمها سرطان ثدي الرجال. قبل ثماني سنوات اكتشف المرض، وما زال تحت المراقبة الطبية، دعم أسرته القوي وخضوعه لعلاجات مختلفة رفعَا من نسبة علاجه وبقائه على قيد الحياة.
لا توجد إحصاءات رسمية ترصد عدد المصابين بهذا المرض في المملكة المغربية، لكن تنحصر النسبة في جهة الدار البيضاء وجهة الرباط ما بين 0.8% و1% من مجمل إصابات سرطان الثدي، في حين تقدر بنسبة ما بين 0.5% و1% في الولايات المتحدة مثلا.
ويبرز أستاذ أمراض السرطان والعلاج الإشعاعي بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش الدكتور عبد الحميد العمراني أن إصابة الرجال بهذا المرض لها خصوصية معينة، مما يجعله رغم ندرته أكثر خطرا.
ويشرح العمراني للجزيرة نت أن عدم وجود "غدة كبيرة" بثدي الرجل مثل المرأة يجعل المرض ينتقل بسرعة أكبر إلى الجلد والصدر، لكن نسبة شفائه مماثلة تقريبا بين الرجال والنساء مقارنة مع مرحلة التشخيص نفسها.
علامات المرض
يتذكر عبد الكبير كيف سلم بالأمر عندما أخبر به لأول مرة، لكنه شعر برهبة كبيرة حين وطأت قدماه مركز الأنكولوجيا وأمراض الدم بالمستشفى الجامعي بمدينة مراكش.
ويقول الاختصاصي النفسي هشام جبراوي للجزيرة نت إن معاناة المرضى نفسيا تزداد كلما تعلق الأمر بعضو "تناسلي"، وذلك في علاقة بالثقافة المحلية، وبالنسبة لسرطان الثدي يتفاقم هذا الألم ويؤثر في نفسية المريض عندما يصاب "ثدي الرجل".
ويؤكد البروفسور العمراني أن عوامل ثقافية تبرز في التعامل مع المرض، لكنه يشدد على أن "الحشمة" لا يجب أن تكون مانعا لأي رجل من أجل تتبع مرضه كلما ظهرت إحدى علاماته.
ويضيف أن هناك عوامل تزيد من خطر الإصابة، مثل إفراز هرمونات، إضافة لبعض العوامل الوراثية، تؤدي كلها إلى انتفاخ الثدي لدى الرجل أو ما يسمى علميا بـ"التثدي".
صدمة المرض
يقوم السيد عبد الكبير بحركة لا إرادية وهو يمد يده إلى "ثديه" كلما تحدث عن مرضه. ويحكي أنه اكتشف بداية ورما صغيرا مثل "حبة عدس" دون أن تؤلمه.
ومع مرور الوقت بدأ الألم يزعجه مما جعله يسارع إلى الطبيب من أجل معرفة حالته، لكن لم يخطر قط على باله أن الأمر يتعلق بمرض معروف أكثر عند النساء وأصيبت به بنتاه أيضا.
المواجهة
يوسم مرض السرطان في المخيلة الشعبية بالخطورة ويقترن بالموت ويسميه الناس "بالمرض الخبيث"، في حين يحكي عبد الكبير أنه كان يفكر أكثر في تكاليف العلاج، وهو الذي كان يكسب قوت يومه من مهنته سائقا لسيارة الأجرة ولم يعد يعمل الآن.
ويبرز رئيس جمعية الأخصائيين النفسانيين بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش هشام جبراوي أن خبرته الميدانية تؤكد أن مواجهة مثل هذا المرض الخطير تختلف حسب وضعية المريض الاجتماعية.
ويوضح أن من يعيش حالة عوز يفكر أكثر في الوسائل المادية للعلاج، أما من يتوفرون على تغطية صحية أو مصاريف مالية فهم يواجهون المرض بحالة من الإنكار الشديد وعدم التقبل "للقدر"، توصلهم إلى الاكتئاب.
المساندة النفسية
يقول عبد الكبير إنه كان يسأل نفسه في كل وقت عن مكانته "العائلية" التي يمكن أن تهتز، وهو "الرجل" الذي كان دائما يقوم بكل شيء ويوفر الحاجيات والضروريات، في وقت تؤكد فيه ابنته فاطمة أن أسرته تتعامل معه دون أن تشعره بأي شيء قد يزعجه.
ويضيف جبراوي أن هناك من يتقبل المرض ويتعامل معه كأمر واقع، ومن المرضى من يتجاهله ويحاول أن يعيش كأن شيئا لم يقع، لكن مضاعفات ذلك تكون وخيمة قد تنتهي بحالات نفسية خطيرة.
ويشدد على أن التهوين من المرض وعدم إتاحة الفرصة للمريض للتشكي واستصغار "بكائه" يزيد من آلامه، مبرزا أن المريض في كل الحالات يحتاج إلى مواكبة نفسية تخفف عنه، لكن يحتاج أيضا إلى دعم عائلي ضروري.
العلاج الهرموني
مثل أي مرض سرطاني، يختار الطبيب الوسيلة العلاجية المناسبة في كل حالة لسرطان ثدي الرجال، يقول الدكتور عبد الحميد العمراني.
ويضيف أن هناك العلاج الجراحي والعلاج الكيميائي والعلاج الهرموني الذي يعتقد البعض أنه لا يناسب مرض سرطان الثدي لدى الرجال.
وإضافة إلى ذلك نجد "العلاج المستهدِف" بأدوية جديدة تؤدي مفعولها على مستوى مستقبلات خاصة لمراقبة الخلايا السرطانية. ويبزر العمراني أن المغرب قطع أشواطا في هذا المجال في وقت لم يكن العلاج متاحا من قبل سوى عدد قليل من الأدوية.
في كل مرة يتحدث عبد الكبير عن مرضه، يشير تارة بيده وتارة أخرى بنظراته إلى زوجته "إيطو" في لحظة وفاء جميلة، في حين كلماته الرقيقة تجعل عيناها تغرورقان بالدمع، كما يذكر ابنه البكر بكلمات خير ويشكره على تكفله بمصاريف العائلة المادية.
المصدر : الجزيرة