هناك شيء واحد غير طبيعي يلفت نظر الزائر لحي "لاإيستانسيا" بمدينة غوادالاجارا المكسيكية، وهو انتشار لافتات عرض المنازل للبيع على نطاق واسع.
وكان الناس قد شرعوا في النزوح من المدينة منذ مايو/أيار الماضي عندما عثرت الشرطة على بقايا جثة متحللة في منزل بشارع جانبي هادئ.
ففي الشهر الماضي هرب أحد ضحايا عمليات الخطف وأرشد الشرطة إلى عنوان عثرت داخله على جثة وثلاثة رؤوس مقطوعة.
وحتى الآن تم العثور على 15 موقعا يحوي جثثا داخل بيوت في غوادالاجارا عاصمة ولاية جاليسكو، وفي بعضها عشرات الجثث.
"يمكنك أن تلمس الخوف"
ويعد ذلك تطورا مثيرا للفزع في بلد شهد اختفاء نحو 40 ألف شخص منذ عام 2006.
وعندما يدفن المجرمون الضحايا يختلقون عوائق قانونية لمنع السلطات من الوصول إلى مواقع الجثث.
ولم تعد جهود البحث في غوادالاجارا تقتصر على الجاروف والفأس، بل امتدت لتشمل أليات ثقيلة للتنقيب عبر الأسمنت.
كما أن صمت غالبية الجيران يضفي المزيد من الغموض، رغم أن عددا قليلا اتصل بالشرطة للإبلاغ عن سماعهم صرخات أو انبعاث روائح لتحلل جثث.
وقال أحد سكان الحي، والذي طلب عدم الكشف عن هويته: "لا أحد يبلغ عن ما يعرفه، يمكنك أن تلمس الخوف هنا".
ومنذ أن نشرت الحكومة المكسيكية الجيش لمكافحة تجارة المخدرات عام 2006 تم الكشف عن العديد من المقابر الجماعية.
وكانت دراسة أجراها الصحفيون أليجاندرا غيولين وماغو توريز ومارسيلا توراتي قد توصلت إلى أنه تم العثور على 1978 موقع دفن سري في الفترة بين عامي 2006 و2016.
ودأب سياسيون على وصف المختفين بأنهم مجرمون رغم وجود أدلة دامغة على أن كثيرين منهم مواطنون أبرياء.
الحفر من أجل الموتى
وفي أنحاء المكسيك قام الآباء اليائسون بمهمة الحفر بحثا عن المفقودين، وقد أسفرت هذه الجهود عن اكتشافات صادمة.
ففي عام 2016 أدى بلاغ من مجهول حول منطقة غابات شرقي ولاية فيراكروز إلى التوصل لنحو 298 جثة وآلاف العظام في ذلك الموقع.
وتقول غوادالوب أغويلار، مؤسسة جماعة اتحاد أسر المفقودين في جاليسكو، إن العديد من العقبات تعترض طريق البحث عن المفقودين في غوادالاجارا.
وتبحث أغويلارا عن ابنها خوزيه لويس أرانا الذي اختفى في ضواحي غوادالاجارا منذ عام 2011.
وتقول أغويلار: "في المناطق الأخرى تجد المجرمين أقرب إلى الريف، أما هنا في المدينة فإنه من الخطر التجول بصحبة جثة لكن من الصعب البحث في عقار خاص لأنك بحاجة لإذن قضائي للدخول".
مدينة في حرب
وقال مسؤول أمني، لم يكشف عن هويته، لبي بي سي إن عصابتين وراء عمليات الدفن هذه في منازل غوادالاجارا.
والعصابة الأولى هي كارتل الجيل الجديد في جاليسكو، التي تعتبرها الحكومة أقوى منظمة إجرامية، والثانية هي نيوفا بلازا وهي عصابة منافسة انشقت عن الأولى عام 2017 مما فجر العنف في أنحاء المدينة.
وقال المسؤول إن العصابتين تستأجران البيوت من أصحابها الذين ليس لديهم علم بالغرض الذي تستخدم فيه عقاراتهم.
وأضاف قائلا "كما رصدنا أيضا حالات قام فيها رجال العصابات ببساطة باحتلال العقارات الخاصة غير المأهولة، فحولوها إلى مراكز تعذيب أو مواقع دفن".
ولم ترصد الظاهرة على مثل هذا النطاق منذ سلسلة عمليات القتل الجماعي في ولاية دورانغو عام 2011.
وحذر المسؤول الأمني من انتشار هذا التكتيك في أنحاء البلاد على يد العصابة الأولى التي تعزز قبضتها في مختلف الأنحاء.
ويعد الفقر وقلة السكان عوامل جذب لرجال العصابات، ويتفاقم الأمر في مجمع شالوفيستا السكني على أطراف غوادالاجارا مما دفع أبناء المنطقة إلى تحطيم أبواب العقارات الخالية حتى لا تضع العصابات يدها عليها.
"لا أحد يبحث"
وكانت الأزمة الأمنية في جاليسكو قد احتلت العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام في العالم في سبتمبر/أيلول الماضي عندما أوقفت السلطات شاحنة تبريد في ضواحي غوادالاجارا وعلى متنها 273 جثة مجهولة.
وكانت حكومة الولاية قد استأجرت الشاحنة بعد تكدس الجثث في المؤسسات المعنية بعمليات التشريح.
وألقى السياسيون بمسؤولية الفضيحة على أوكتافيو كوتيرو كبير أطباء التشريح في الولاية سابقا، والذي اتهم من جانبه الولاية بتجاهل نداءاته من أجل مزيد من التمويل.
وكشف النقاب أيضا عن أن هناك شاحنة تبريد ثانية تقل جثثا مجهولة. وبعد انتخابات يوليو/ تموز عام 2018 تم تغيير حكومة الولاية والحكومة الفيدرالية.
وقال كوتيرو إن القيادة الجديدة غير معنية بأزمة المختفين. وأضاف قائلا إن عدد مواقع الدفن في منازل غوادالاجارا يتجاوز الأرقام الرسيمة، داعيا لتوفير المزيد من التمويل لعمليات التشريح.
وبالنسبة لكوتيرو فإن الأمر يتجاوز أزمة أمنية في المكسيك ليتحول إلى قضية شخصية.
ففي يوليو/تموز من العام الماضي اختفت ابنته إنديرا كوتيرو دون أثر، وقد أعلنت الشرطة أنها بحثت خلال ذلك الشهر في بيوت المدينة كجزء من تحقيقاتها. ويقول كوتيرو إن السلطات لم تفعل شيئا آخر منذ ذلك الحين.
ومضى يقول: "أسوأ شيء هو عدم معرفة مكانها، فضلا عن حقيقة أنه لا أحد يبحث عنها".
المصدر: بي بي سي