من الجلد والقباطي قبل الإسلام إلى الثياب اليمانية في عهد الرسول الكريم إلى الحرير وماء الذهب في يومنا هذا.. كُسيت الكعبة عبر العصور كمظهر من مظاهر الاهتمام والتشريف والتبجيل للبيت الحرام.
لا تعكس الكلمات المتداخلة المنقوشة على كسوة الكعبة جمال الخط العربي والطراز الإسلامي فحسب، بل تعكس أيضاً دقة في الصنع وحرفية عالية ورَّثها عبدالله خالد جاسم إلى ولده تركي، وتشاركاها مع 170 عاملاً انكبوا على كتابة هذه النقوش لنحو 10 أشهر.
تُصنع الكسوة باستخدام 675 كيلوغراماً من الحرير الخام الأسود للجزء الخارجي والأخضر للبطانة الداخلية، إضافة إلى 100 كيلوغرام من خيوط الفضة المطلية بماء الذهب و120 كيلوغراماً من خيوط الفضة الخالصة، لكتابة الآيات القرآنية المنقوشة عليها، بتكلفة إجمالية تصل إلى 24 مليون ريال سعودي (6.4 مليون دولار).
ويتم تغيير كسوة الكعبة سنوياً خلال موسم الحج صبيحة يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة.
كيف تصنع كسوة الكعبة؟
صناعة الكسوة هي صناعة فريدة تمتزج فيها التقنيات الحديثة والأدوات التقليدية، الوارد والمحلي، الروحي والجمالي.
تدخل الخامات المستخدمة المعامل لاختبارها أولاً والتأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات. وفي جامعات المملكة دراسات علمية مسجلة عن عملية تصنيع الكسوة.
وعقب انتهاء الإنتاج الذي يتم ضمن مصنع الكسوة يقام احتفال سنوي في المصنع لتسليمها إلى كبير سدنة البيت، وأثناء فريضة الحج تستبدل الكعبة كسوتها لتستقبل الحجاج في ثوبها الجديد أول أيام عيد الأضحى.
ويصل الاهتمام بالكسوة حد وجود فرقة كاملة في الحرم على مدار 24 ساعة لإصلاح أي تلف قد يطرأ عليها بسبب تعلق البعض بها ومحاولاتهم قص أجزاء منها للتبرك بها أو للذكرى.
أما الكسوة القديمة فَتُقطع قطعاً وتُهدى من العاهل السعودي لرؤساء الدول والسلك الدبلوماسي خلال الحج.
كسوة الكعبة قبل الإسلام
كست العرب قبل الإسلام الكعبة تشريفاً وتعظيماً لها، وعندما كساها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد فتح مكة في العام التاسع للهجرة أصبحت كسوتها واحدةً من الشعائر الإسلامية يحرص عليها الخلفاء والحكام المسلمون على مر العصور.
انتقلت مسؤولية صناعة الكسوة إلى المملكة بعد أن ظلت تقليداً مصرياً لقرون.
وفي مصنع إنتاج الكسوة في مكة يستخدم حرير وأصباغ من إيطاليا وخيوط من الفضة بعضها مطلي بماء الذهب من ألمانيا.
ولم تحل الآلات الحديثة حتى الآن مكان العمالة اليدوية بسبب صعوبة إنتاج الحروف البارزة المستخدمة في نقش الآيات القرآنية عليها.
مصنع الكسوة.. العاملون فيه من السعودية حصراً
يقول عبد الله (56 عاماً) وولده تركي أن مهنتهما مصدر فخر لهما وهي بالمقام الأول ابتغاء للأجر.
ويفخر الاثنان بقدرتهما على قراءة الآيات والنقوش المكتوبة على الكسوة بسهولة، في حين يصعب ذلك على كثير من زوار البيت الحرام.
ويثق الاثنان مع زملائهما في قسم الحزام، وهو الأكبر والأهم في مصنع الكسوة، ثقتهم في استمرار الدور المحوري للعمل اليدوي في المصنع الذي لا يعمل به أي أجانب منذ عهد العاهل السعودي الراحل الملك فهد الذي أمر بسعودة المصنع بالكامل.
حيث يحصل المرشحون للعمل في المصنع على تدريب عملي لستة أشهر ثم ينضمون إلى المصنع لستة أشهر أخرى من التدريب العملي والنظري على يد أحد الخبراء أو مدير قسم.
أعمال أخرى يتولاها مصنع الكسوة
فضلاً عن الكسوة، ينتج المصنع أيضا قطعاً لسفارات المملكة ولوحات إهداء وكسوة الحُجرة النبوية بالمدينة المنورة، لكن هذه لا يجري تغييرها إلا بأوامر ملكية لعدم وجود عوامل جوية تتلفها بحيث تستلزم تغييرها سنوياً.
يتولى المصنع أيضاً تنفيذ إهداءات بأوامر ملكية.
فعلى سبيل المثال، أهدى الملك فهد مقر الأمم المتحدة إحدى ستائر الباب في سنة من السنين، إلى جانب إهداءات من مقام خادم الحرمين الشريفين لرؤساء الدول.
يعمل نحو 100 فني في قسم الحزام، الذي يتولى تصنيع حزام الكسوة والستارة التي توضع على باب الكعبة والصمديات وهي تصاميم توضع على الأركان وتحوي سورة الإخلاص.
المصدر: رويترز