في الليلة السابقة لعيد نوروز تنطلق احتفالات العيد بعد إحياء أسطورة كاوا الحداد، عن طريق إشعال النيران على القمم والمرتفعات في القرى.
بينما يقوم الشباب في المدن بتجميع إطارات السيارات المستعملة وإشعالها طوال الليل كرمز للصمود. في هذه الأثناء تنشغل العائلات الكردية مساءً بحفلات الرقص على موسيقى المغني الكردي الشهير شفان برور.
بالإضافة إلى إعداد موائد عشاء يجتمعون حولها ليلاً، ويتبادلون الحديث فيها عن تحضيرات الاحتفال في اليوم التالي. ويستعد الأكراد لهذا العيد من خلال تزيين كل من النساء، والرجال، والكبار، والصغار باللباس الكردي التقليدي.
ومن ثمّ الخروج به من المنازل إلى الطبيعة الخضراء، وطهي الأطباق التقليدية، بالإضافة للعب بالماء، كرمز للتَّطهُّر.
بينما يتم الاستعداد له لدى الأكراد الفرس من خلال وضع مائدة تتضمن 7 أشياء تبدأ بحرف السين، وهي: «سبزه» تعني الخضراوات، «سركة» تعني الخل، «سنجد» تعني ثمرة تشبه التمر، «سمنو» تعني نوعاً من الحلوى الإيرانية، «سيب» تعني التفاح، «سير» تعني الثوم، «السماق» وهو أحد أنواع البهارات.
حدثان مهمان وراء عيد نوروز
يرتبط هذا العيد، أسطورة كان أم واقعاً، بحدثين هامين، أولهما فلكي مرتبط بيوم 21 مارس/آذار، وهو يوم تعامُد الشمس على منتصف الكرة الأرضية (خط الاستواء)، جالبة الاعتدال الربيعي إلى نصف الكرة الشمالي.
والاعتدال الخريفي إلى النصف الجنوبي، حيث تتساوى فيه ساعات الليل والنهار وينقشع البرد والزمهرير، وتبدأ الزهور بالتفتح، وتكتسي الطبيعة بلونها الأخضر والملون فهو عيد الربيع.
أمّا الحدث الثاني فيرتبط بثورة «كاوا الحداد»، الرمز الذي حرَّر الشعب الكردي في التاريخ القديم من ظلم وطغيان الحاكم المستبد، ما جعل هذا العيد رمزاً للتحرر.
يقال إن نوروز هو يوم هبوط النبي آدم على الأرض
تعود كلمة نوروز إلى مقطعين: الأول «نو» ويعني الجديد، والمقطع الثاني «روز»، ويعني حياة في اللغة الفارسية، ليصبح المعنى بذلك «حياة جديدة».
وهناك العديد من الحكايات، والأقوال، والأساطير التي تحدثت عن نوروز، أحدها يقول إن نوروز هو يوم هبوط النبي آدم عليه السلام على سطح الأرض.
ونظراً لثراء تراث نوروز، وعمقه التاريخي، وتشعباته الميثولوجية دمجت العديد من الأسر الإمبراطورية كالساسانية الكردية، والأخمينية الفارسية تراثها مع تاريخ نوروز.
الأمر الذي رسم لها تاريخاً خاصاً، وزاد من نفوذها، وقوَّى جذورَها العميقة لدى كل من شعوب آسيا الوسطى والغربية، والبلقان.
كما يعتبر الإيرانيون أن نوروز يأتي بالتزامن مع تجدد الطبيعة من دلالات الحب، والأمل، والسلام، والتفاؤل.
كما أنه متعلّق بالملك الفارسي جمشيد
ومن الأساطير الأخرى التي تتحدث عن عيد نوروز، أنه كان هناك ملك فارسي اسمه جمشيد، له سلطان واسع على الجن والإنس، ونقل إلى كافة ممالك حكمه على سرير ذهبي في يوم حلول الشمس في برج الحمل، لذلك تمّ تقديس ذلك اليوم.
وثمة رواية فارسية أخرى تقول إن الملك الفارسي جمشيد، الذي كان يدعى باسم جم، كان يسير في العالم، فوصل إلى أذربيجان، وأمر بنصب عرش له. وعندما جلس عليه أشرقت الشمس، وسطع نورها على تاجه وعرشه، فابتهج الناس، وقالوا: إنّه يوم جديد.
نوروز وعلاقته بكاوا الحداد
تكاد لا تخلو أي جلسة عائلية لدى الأكراد من الحديث عن كاوا الحداد، قبيل أيام قليلة من عيد نوروز.
كاوا الحداد هو البطل الكردي الأسطوري الذي أنهى ظلماً تعرَّض له الأكراد على يد ملك فارسي يدعى أزديهاك.
وتقول الأسطورة إنَّ أزديهاك كان يأكل أدمغة الأطفال الأكراد بسبب مرض أصابه.
فقدم له كاوا الحداد دماغ خروف بدلاً من دماغ ابنته، ما تسبَّب له بلعنة أنبتت أفاعي في كتفيه. فيما سار باقي الأكراد على نهج كاوا، وقدَّموا أدمغة خراف بدلاً من أدمغة أبنائهم الذين هرَّبوهم إليه في الجبال.
ومع مرور سنوات طويلة شكَّل كاوا جيشاً جرَّاراً من الأطفال، تمكَّن من القضاء على الملك الظالم، وأوصل رسالة النصر عبر البلاد عن طريق إشعال النيران على رؤوس الجبال.
لهذا يقوم الأكراد بإشعال النيران في كل مكان يوم الاحتفال بعيد نوروز.
من هم الأكراد؟
الأكراد، أو كما يحبون أن يُطلق عليهم «الكرد»، هم أكبر أقلية موجودة في العالم، ويبلغ تعدادهم أكثر من 30 مليون شخص، ينتشرون في دول عدّة.
وأبرز ما يميّزهم هو امتلاكهم تاريخاً عريقاً مليئاً بتراث ثري من العادات والتقاليد الجميلة، الأمر الذي جعلهم من أكثر الشعوب تميزاً عبر العصور.
انقسم الأكراد إلى أربع مجموعات، هي «الكرمانجي، والكلهود، والكوران، واللور»، وكل مجموعة لها لهجة خاصة بها، ولا يزال من غير الواضح إلى الآن أصل كلمة «كرد».
ومع ذلك، يعتقد كثيرون أنَّ اسم «أكراد» كان موجوداً على مدى مئات السنين، حتى قبل تشكّل الأكراد كمجموعة عرقية متميّزة.
وكان المعنى الأصلي للمصطلح هو: قبائل إيرانية بدوية، بينما كان الاستخدام الأول للكلمة باللغة الفارسية الوسطى، التي كانت سائدة في عهد الإمبراطورية الساسانية، ومن هناك توالت إلى العربية منذ الأيام الأولى للإسلام.
عيد نوروز موجود لدى بقيّة الشعوب أيضاً
عيد نوروز ليس خاصاً بالأكراد وحسب، بل إنه يعتبر يوم رأس السنة الفارسية أيضاً، التي وصلت إلى العام 1398. ويعتبر نوروز العيد الوحيد الذي يُحتفل به من قبل قوميات وأديان وشعوب مختلفة عبر القارات، وبمظاهر احتفالية ضخمة وباذخة أحياناً.
كما يجمع العيد الشعوب الآرية، التي كانت تعيش منذ آلاف السنين في البقعة الجغرافية التي سميت بعد انتهاء عصر الإمبراطوريات ببلاد فارس، ثم تغيرت إلى إيران.
وهو عطلة رسمية في الكثير من البلدان مثل إيران والعراق وقرغيزستان وأذربيجان، وغيرها من الدول التي تعترف حكوماتها بهذا العيد.
الاحتفال بهذا العيد لا يقتصر على الشعوب الإيرانية (الفرس والكرد والآذريين والبشتون وغيرهم)، بل يشمل قوميات وبلدان عديدة مثل تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان ومقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وكوجارات وشمال غربي الصين، وغيرها من الأقوام في غربي آسيا.
المصدر: عربي بوست