تتسبب الإنسانية في تدمير موارد الكوكب بمستويات مخيفة على نحوٍ متزايد، وذلك وفقاً لدراسة جديدة كشفت أنَّنا استهلكنا في 212 يوماً فقط من الكربون، والطعام، والمياه، والنسيج، والأراضي، والأخشاب ما ينبغي استهلاكه خلال عامٍ كامل، مُسجِّلين بذلك زمناً قياسيا.
وتقول صحيفة The Guardian البريطانية أنه نتيجة لذلك، فإنَّ يوم تجاوز قدرة الأرض -وهو مؤشرٌ لليوم الذي يتجاوز فيه مقدار الاستهلاك في سنة معينة قدرة الطبيعة على التعويض في نفس السنة- سيحل هذا العام في الأول من أغسطس/آب القادم، مبكراً عن أي عام آخر منذ بدء عملية التسجيل.
ومع ارتفاع عدد سكان العالم وازدياد استهلاكهم، وخصوصاً في ما يتعلق بالانبعاثات الكربونية، انتقل «يوم تجاوز قدرة الأرض» من أواخر سبتمبر/أيلول 2000 إلى 8 أغسطس هذه السنة. لكن ثمة جانباً إيجابيّاً، فقد تباطأت وتيرة تبكيره إلى أقل من يوم واحد سنويّاً خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بمعدل ثلاثة أيام سنويّاً منذ بدأ التجاوز في مطلع سبعينيات القرن العشرين.
البشرية في حاجة إلى ضعفي موارد الأرض إذا ما استمرت على هذا الوضع في المديونية البيئية
ووفقاً لشبكة البصمة البيئية العالمية، وهي منظمة بحثية دولية تصدر تقييماً سنوياً حول حجم المديونية البيئية على البشرية، لو احتفظنا بهذا النهم الحالي في استهلاك الموارد، سنحتاج لقرابة 1.7 ضعف موارد الأرض المتاحة.
واتفاق باريس المناخي هو أقوى تعبير حتى الآن عن حاجة العالم إلى تخفيض حاد في البصمة الكربونية. الانهيار أو الاستقرار هو خيار. ونحن نناشد الدول والمدن والأفراد باتخاذ إجراءات سريعة وجريئة لجعل أهداف باريس واقعاً يمكن تحقيقه.
كان حساب يوم تجاوز قدرة الأرض قد بدأ منذ السبعينيات، حين كان النمو السكاني وارتفاع معدلات الطلب يدفعان مستويات الاستهلاك لتتجاوز حدود الاستدامة. ومنذ ذلك الحين، أصبح اليوم الذي تتجاوز الإنسانية فيه ميزانيتها من الاستهلاك السنوي يحل أبكر.
قبل ثلاثين عاماً، كان يوم تجاوز قدرة الأرض يحل في 15 أكتوبر/تشرين الأول. وقبل عشرين عاماً، كان يحل في 30 سبتمبر/أيلول. وقبل 10 أعوام، كان يحل في 15 أغسطس/آب. كان هناك تباطؤ وجيز في تقلُّص زمن تجاوز قدرة الأرض، لكنَّ العامين الأخيرين شهدا عودة الوتيرة المتسارعة مرةً أخرى. وبهذه المعدلات الحالية، قد يشهد العام القادم لأول مرة حلول يوم تجاوز قدرة الأرض في شهر يوليو/تموز.
وإذا افـــتـــرضـــنا أن الانــبـعــاثـات الكربونية العالمية ستنخفض بحلول عام 2030 بنسبة 30 في المئة على الأقل عن مستوياتها الحالية، تماشياً مع السيناريو الذي اقترحته الهيئة، فيمكن تأخير يوم تجاوز قدرة الأرض إلى 16 سبتمبر/أيلول 2030 (على افتراض استمرار بقية البصمة في التوسع بالمعدل الحالي) بحسب شبكة البصمة البيئية العالمية.
وعلى الرغم من تحقيق بعض المكاسب قصيرة المدى إلا أن إزالة الغابات سوف تتسبب في نقص المياه
وفيما تتيح المعدلات الأكبر من أي وقتٍ مضى من مستويات إنتاج الغذاء، والتعدين، وإزالة الغابات، وحرق الوقود الأحفوري تحقيق مكاسب قصيرة المدى (وغير موزعة بعدالة) على مستوى جودة الحياة، فإنَّ التبعات على المدى البعيد تزداد وضوحاً على مستوى تآكل التربة، ونقص المياه، واضطرابات المناخ.
واستناداً إلى 15000 معلومة من بيانات الأمم المتحدة تتم مقارنة البصمة البيئية للإنسان عبر قياس الاستغلال البشري للموارد الطبيعية للأرض مع القدرة الحيوية للكوكب.
بمعنى آخر، قدرة الأرض على تجديد وإعادة تجديد احتياطياتها وقدرتها على امتصاص الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وبناء على هذه الحسابات فإن استهلاك البشرية تجاوز نسبة 70 بالمئة من الموارد المتاحة وبعبارة أخرى، ما يعادل 1.7 كوكب مثل الأرض ضروري لتلبية احتياجات البشرية.
وكما يقول ماتيس واكرناغل المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشبكة البصمة البيئية العالمية، فإنَّ يوم الحساب يقترب.
ليست الغابات فقط بل أن الإفراط في صيد السمك سوف يتسبب في تجاوز قدرة موارد الأرض
ووفقاً لموقع يوم تجاوز الموارد، على الإنترنت، فإن الإفراط في صيد الأسماك، والإفراط في استثمار الغابات، وإطلاق ثاني أوكسيد الكربون في الجوّ بأكثر مما تستطيع وسائل التصريف الطبيعية، مثل الغابات أن تزيله، من أسباب تجاوزنا لقدرة موارد الأرض. والعواقب خطيرة.
وكما جاء في الموقع، فإن «تأثيرات الإفراط الإيكولوجي واضحة بالفعل من خلال تآكل التربة، والتصحر، وانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية، والرعي الجائر، وإزالة الغابات، والانقراض السريع للأنواع، وانهيار المصائد وزيادة تركيز الكربون في الجو. ويضيف الموقع أن «محدودية رأس المال الطبيعي تشكل خطراً على الأداء الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي».
ويقول: «إنَّ اقتصادنا المعاصر يحاول الاحتيال على الكوكب. فنحن نقترض موارد مستقبل الأرض لندير اقتصاد حاضرها. وكأي عملية احتيال، فإنَّها تؤتي ثمارها لبعض الوقت. لكن مع إغراق الدول والشركات والأُسر نفسها في الديون أكثر فأكثر، فسرعان ما ستنهار في نهاية المطاف».
ومع ذلك فهناك أمل لتأخير تجاوز قدرة الأرض لخمسة أيام كاملة
لكنَّ هذا الوضع قابلٌ لعكس مساره. إذ تفيد دراسة أجرتها المجموعة أنَّ المواقف السياسية أكثر فاعليةً بكثيرٍ من الخيارات الفردية. وتشير على سبيل المثال إلى أنَّ استبدال 50% من معدلات استهلاك اللحوم بحميةٍ غذائيةٍ نباتيةٍ سيكون من شأنه تأخير يوم تجاوز قدرة الأرض لخمسة أيامٍ كاملةٍ. ورفع الكفاءة الإنتاجية في البناء والصناعة كذلك قد يُحدِث فارقاً يصل لثلاثة أسابيع، وخفض 50% من مكونات الكربون في البصمة الإيكولوجية سيمنحنا ثلاثة أشهرٍ لالتقاط أنفاسنا.
في الماضي، كانت فترات التباطؤ الاقتصادي -التي من شأنها تخفيض استهلاك الطاقة- تُحرِّك الميزانية البيئية في الاتجاه الإيجابي أيضاً. وقد شهدت الأزمة الاقتصادية التي وقعت عامي 2007 و2008 تأخُّر يوم تجاوز قدرة الأرض لخمسة أيامٍ. وخفَّف الركود الذي شهدته الثمانينيات والتسعينيات قليلاً من الحِمل أيضاً، وبالمثل حدث مع صدمة النفط في منتصف السبعينيات.
وقد كشفت دراساتٌ علمية منفصلة أُجرِيت العام الماضي أنَّ ثلث مساحات الأراضي اليوم باتت متدهورةً أو مُنحلّة (أي تأثرت قيمتها البيوفيزيائية)، في حين أصبحت الغابات المدارية مصدراً للكربون بدلاً من أن تكون مصفاةً له. كذلك دقَّ العلماء ناقوس الخطر بشأن الطقس الغريب، خصوصاً في القطب الشمالي، وبشأنانخفاض أعداد النحل وغيره من الحشرات المُلقِّحة الضرورية للمحاصيل.
وتعتبر النفايات الغذائية مشكلة رئيسية أخرى. فثلث الغذاء المنتج في جميع أنحاء العالم، يُهدَر أو يضيع- وتبلغ النسبة 40% في الولايات المتحدة.
والسكان مصدر قلق واضح. فالمزيد من السكان يحتاجون مزيداً من المساحة والموارد. كما أن للاستراتيجيات الرامية إلى تحقيق الاستقرار في النمو السكاني فوائد اجتماعية. و»تعليم الفتيات، وتوفير فرص الحصول على وسائل تنظيم الأسرة المأمونة والميسورة والفعالة»، و»تمكين المرأة»، من الأمور الأساسية لخفض النمو السكاني، وتؤدي إلى تحسين التنمية الاقتصادية والنتائج الصحية.
ولأن البشر سكان مدن بصورة متزايدة– حيث يتوقع أن يكون 70-80% منهم من سكان المدن عام 2050- فإن أموراً مثل المباني ذات الكفاءة في استخدام الطاقة، وتقسيم المناطق بشكل متكامل، والمدن المدمَجة وغير ذلك، من الأمور الحاسمة في خفض بصمتنا الكربونية.
المصدر: عربي بوست