ظهر مقطعٌ آسرٌ لآخر ناجٍ معروف ينحدر من قبيلة أمازونية، وكان يجوب الغابات الاستوائية وحيداً منذ 22 عاماً، بعد أن أُبيد باقي أفراد قبيلته على يد قتلة من أصحاب مزارع تربية المواشي، الذين استولوا على أراضيهم منذ عقدين.
وظهر الرجل نصف عارٍ وفي الخمسينيات من عمره، وكان يستخدم فأساً ليقطع شجرة، وذلك خلال المقطع الذي التقطه مسؤولون من الحكومة البرازيلية في ولاية روندونيا النائية، وفقاً لما نشرته صحيفة Daily Mail البريطانية، الجمعة 20 يوليو/تموز 2018.
ويُعتقد وجود 113 قبيلة معزولة تعيش في الأمازون، وشوهدت 27 قبيلة منها عن طريق خبراء يحاولون تعقُّب تحركاتهم. ويعرف هذا الرجل الذين ينتمي إلى واحدة من هذه القبائل باسم «Índio do Buraco» أو «هندي الحفرة»، والتقطته الكاميرات لأول مرة عام 1998. وقد قضى هذا الرجل أغلب حياته في صيد خنازير الغابة والطيور والقرود بقوس وسهم، ويعيش في كوخ محاط بنباتات الذرة والبابايا.
ويعتقد خبراء من هيئة FUNAI الحكومية، المعنية بقبائل السكان الأصليين، أن الرجل ينحدر من قبيلة تتكون من ستة أفراد، قُتل خمسة منهم على يد مزارعين في التسعينيات. وأخبر الناجون من المجموعات الأخرى من السكان الأصليين كيف أطلق المزارعون الغزاة عليهم النار من الخلف، أثناء استيلائهم على أراضيهم خلال هذه المدة. وألقت الهيئة اللوم علناً على أصحاب مزارع تربية الماشية في مقتل أبناء قبيلته.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه يُعتقد أن الرجل تمكَّن من النجاة عندما قتل المزارعون ومغتصبو الأراضي سكان الأمازون الأصليين، وطردوهم خلال عقدي السبعينات والثمانينات.
وقالت هيئة FUNAI في منشور لها: «الاستعمار الفوضوي وتأسيس المزارع وتسجيلها بصورة غير قانونية خلال عقد الثمانينات (في ولاية روندونيا) أدّيا إلى هجمات متكررة على السكان الأصليين المعزولين، الذين عاشوا هناك حتى ذلك الحين، وذلك في عملية متواصلة من طردهم من أراضيهم وقتلهم».
وأضافت الهيئة، أنه بعد الهجوم الأخير الذي نفَّذه المزارعون في أواخر عام 1995، فإن المجموعة التي كانت على الأرجح صغيرة في الأساس -حسب التقارير- يعتقد الموظفون المحليون أنها كانت تتكون من ستة أشخاص، وصارت شخصاً واحداً. في حين لم يُعاقَب المذنبون على الإطلاق.
لماذا سُمي بـ «هندي الحفرة»؟
تنص القوانين التي تكفلها FUNAI على ترك المجموعات المعزولة في المنطقة دون المساس بها، إلا أنهم رصدوا نشاطه من مسافة بعيدة منذ أن شوهد لأول مرة عام 1996. ولا يعرف هؤلاء المسؤولون اسمه أو اسم قبيلته، لكنهم عملوا على توسعة محيط منزله في الأدغال لتصل إلى 8.070 هكتار (حوالي 20 فداناً من الأرض) كي يتمكَّن من الحفاظ على نمط حياته.
أُسِّسَت محميةٌ للسكان الأصليين تُعرَف باسم «تانارا» في التسعينيات، ضمن تحركات لحماية أراضيه. وكان عمال FUNAI يتركون له أسلحة بدائية مثل الفؤوس والمناجل كي يتمكن من العثور عليها، لكنهم لم يسمحوا له برؤيتهم على الإطلاق.
ويتفقد الخبراء بانتظام المنطقة كي يتأكدوا من أنه لا يزال على قيد الحياة ويجدونه في الغالب يحفر حفرات في الأرض، وهو ما أكسبه هذا اللقب -هندي الحفرة- كي ينصب الشَّرك للحيوانات أو يختبئ فيها بنفسه. وقضى الرجل وقته في قطع الأشجار واصطياد الحيوانات ليأكلها، والتجول شبه عارٍ، ولا ي
رتدي سوى قطعة قماش. وقال ألتير ألغاير، وهو منسق محلي في هيئة FUNAI، إن «هذا الرجل، غير المعروف لنا -حتى إنه فقد كل شيء مثل أهله وسلسلة من الممارسات الثقافية- أثبت أنه إذا كان المرء وحيداً ووسط الأدغال، حتى خلال كل هذه المدة، فمن الممكن أن ينجو ويقاوم التحالف مع المجتمع».
وأوردت صحيفة The Guardian البريطانية ما قالته فيونا واطسون، الباحثة في مجموعة Survival International، إن الفيديو الذي ظهر فيه الرجل «استثنائي»، نظراً إلى أن أرضه محاطة بالمزارع من كل الجوانب.
وأضافت الباحثة: «تضطلع FUNAI بمهمة عرض أنه لا يزال حياً وفي صحة جيدة. والشيء المهم أن FUNAI تمكنت من الإبقاء على أرضه. فالحقيقة التي تفيد بأنه لا يزال على قيد الحياة تعطيك أملاً. إنه الرمز الأخير، إن شئت قول ذلك».
وتقول مجموعة Survival International إن هناك ما يقرب من 300 هندي معزولين يعيشون في منطقة ماساكو بولاية روندونيا، ويُعتَقَد أيضاً أن كثيراً من القبائل اختارت أن تتجنَّب التواصل استناداً إلى المواجهات السابقة التي نتج عنها تدمير منازلهم في الغابات.
ويقول خبراء إن القبائل عُرف عنها إطلاق السهام على الغرباء أو الطائرات أو الانسحاب بكل بساطة إلى داخل الغابة.
وتواجه مجموعات أخرى معزولة خطر الانقراض لأن أبناءها لم يبق منهم سوى أفراد معدودين، حسبما تقول مجموعة Survival International، حيث يواجه هؤلاء خطراً متزايداً من جراء توسع البنية التحتية ومشروعات بناء الطرق، إضافة إلى أنهم يهجرون أراضيهم أكثر من أي وقت مضى ليتجنَّبوا الضوضاء وتلوث الهواء المصاحب لذلك. ولمّا كانت هذه القبائل معزولة عن العالم الخارجي، فإنهم عرضة للإصابة بأمراض مثل الإنفلونزا وأدوار البرد الشائعة.
ودعت مجموعة Survival International إلى ضرورة حماية الأشخاص المعزولين في البرازيل، وقالت: «يجب الاعتراف بحقوق أراضيهم قبل أن يختفوا إلى الأبد هم والغابات التي يعتمدون عليها».
وتمتد غابات الأمازون المطيرة إلى مليونين و100 ألف ميل مربع، في وجود مناطق شاسعة يُعتقد أنها لا تزال غير مُستكشفة، وفي العام 2016، التُقطت صورٌ نادرةٌ من مروحية كانت تحوم فوق أدغال الأمازون وأظهرت أبناء واحدة من آخر القبائل المعزولة في العالم.
وعندما اقتربت المروحية لأول مرة هذا الشهر، أصابهم الذعر وهربوا من بيوت القش في المنطقة الفسيحة الخاصة بهم ليختبئوا تحت أوراق الشجر، فيما تشجع الرجال في المرة السابقة وأطلقوا وابلاً من السهام البدائية على ذلك الدخيل الصاخب، وفقاً لـ Daily Mail.
ويحيا هؤلاء الهنود في مجموعات رُحّلٍ معزولةٍ في عمق غابات الأمازون بالقرب من الحدود البيروفية. وأخبر المصور ريكاردو ستوكرت مجلة The National Geographic قائلاً: «إنها لعاطفة قوية أن تفكر خلال القرن الحادي والعشرين أنه لا يزال هناك أشخاص على غير صلة بالحضارة، ويعيشون مثلما عاش أجدادهم منذ 20 ألف سنة».
وفي عام 2008، ظهرت مجموعةٌ من الصور المذهلة لأبناء قبيلة يُصوِّبون الرماح، ويطلقون السهام على طائرة تئِزُّ أعلى رؤوسهم. وكانت بشرتهم ملونة باللون الأحمر، ورؤوسهم حليقة جزئياً، بينما جُذبت سهامهم إلى الخلف على وتر القوس الطويل، وصُوِّبَت مباشرةً نحو الطائرة.
المصدر: عربي بوست