حين تتردد كلمة "هجرة" أو "مهاجرين"، عادة ما تتبادر إلى الأذهان صور لأشخاص مكدسين على قوارب صغيرة متهالكة في عرض البحر يفرون إلى سواحل أوروبا طلبا لحياة أفضل.
لكن بعيدا عن هذه الصورة النمطية المرتبطة بمصطلح الهجرة لظروف معينة تمر بها بعض الدول، يلاحظ أن للكلمة تعريفا أوسع يجعلها تحمل معاني إيجابية كثيرة.
فالمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، تحدد المهاجر بأنه "أي شخص يتحرك أو ينتقل عبر حدود دولية أو داخل دولة، بعيدا عن مكان إقامته المعتاد، بغض النظر عن وضعه القانوني، وسبب انتقاله، ومدة الإقامة في بلد المقصد".
فيما تصنف إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية "المهاجرين الدوليين"، بأنهم من يعيشون في بلد خارج المكان الذي ولدوا فيه، أو البلد الذي يحملون جواز سفر فيه.
وتقول الأمم المتحدة إن أي شخص يقيم في بلد آخر لمدة تزيد على ثلاثة أشهر يمكن اعتباره مهاجرا دوليا.
وفق هذه التعريفات الأممية للهجرة، يوجد مهاجرون بين أبرز مشاهير العالم في مجالات مختلفة، بحسب تقرير لصحيفة "غارديان" البريطانية.
فمثلا، لاعب كرة القدم الشهير كريستيانو رونالدو، وعالم الفيزياء الأشهر ألبرت آينشتاين (1879 ـ 1955) وكثير غيرهما، هم مهاجرون.
رونالدو هو مواطن برتغالي، لكن سطع نجمه عندما احترف اللعبة في إنجلترا وإسبانيا طوال معظم مشواره الكروي.
كذلك ولد آينشتاين في ألمانيا، وعمل في جامعة برينستون الأمريكية لأكثر من عشرين عاما، وحصل على الجنسية الأمريكية عام 1940.
** عالم الاحتراف
الأمر أكثر شيوعا في كرة القدم، ومجال التمثيل والأوساط الأكاديمية في جميع أنحاء العالم.
وبحسب تحليل "غارديان" لبيانات من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لعام 2017، تبين أن 55 بالمئة من اللاعبين الذين لعبوا لمنتخب وطني عام 2017، لعبوا أيضا لأندية خارج البلاد التي يحملون جنسياتها.
وأكثر من 90 بالمئة من لاعبي المنتخبات الوطنية في كل من كولومبيا وبلجيكا وآيرلندا والسويد وسويسرا لعبوا لأندية في الخارج.
وحصل 87 بالمئة من لاعبي المنتخب الأرجنتيني و83 بالمئة من المنتخب البرازيلي على أموال من خارج بلديهما مقابل اللعب في الخارج.
و48 بالمئة من اللاعبين الإسبان و39 بالمئة من الفرنسيين والألمان، و13 بالمئة من الإيطاليين هم مهاجرون بالفعل.
ومن بين أفضل 100 لاعب عام 2017 ، يوجد 72 مهاجرا.
في المجال الفني بلغت نسبة المهاجرين 41 بالمئة من إجمالي من حصلوا على جوائز أوسكار منذ عام 2000.
كما أن 29 بالمئة ممن حصلوا على جوائز نوبل للسلام في مختلف المجالات منذ عام 1901 هم أيضا مهاجرون، وفق الصحيفة.
** خريطة المهاجرين
في 2017، أفادت الأمم المتحدة بأن نحو 258 مليون شخص، أي قرابة 3.4 بالمئة من سكان العالم، هم "مهاجرون دوليون"، أي يعيشون في بلد غير الذي ولدوا فيه.
وقالت المنظمة الدولية في تقرير عن اتجاهات الهجرة، إن واحدا من كل عشرة من هؤلاء هو طالب لجوء.
وأضافت أن الهجرة ساهمت بنسبة 42 بالمائة من النمو السكاني في أمريكا الشمالية بين عامي 2000 و2015، وأن سكان أوروبا كانوا سيتراجعون خلال تلك الفترة الزمنية دون الهجرة.
وبحسب المنظمة، يعيش أكبر عدد من المهاجرين الدوليين، نحو 50 مليونا، في الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن السعودية وألمانيا وروسيا لديها نحو 12 مليون مهاجر دولي، ثم المملكة المتحدة بنحو تسعة ملايين.
وقالت إن أكبر عدد من المهاجرين، 106 ملايين، جاؤوا من آسيا.
وتابعت أن الهند فيها أكبر عدد من السكان المولودين في البلاد، لكنهم يعيشون في أماكن أخرى بعدد 17 مليون نسمة، تليها المكسيك بـ 13 مليون نسمة.
** فرصة اقتصادية
وخلصت دراسة فرنسية نشرت في مجلة "Science Advances" الأمريكية الشهر الجاري، إلى أن المهاجرين وطالبي اللجوء أحدثوا تأثيرات إيجابية على اقتصادات الدول الأوروبية، وليسوا عبئا عليها كما يشاع.
وأجريت الدراسة بالتعاون بين المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (حكومي) وجامعة كليرمون ـ أوفيرني الفرنسية، وجامعة غرب باريس نانتير لاديفونس.
واستندت إلى بيانات اقتصادية من 15 دولة في أوروبا الغربية، شهدت أعلى معدلات للجوء بين عامي 1985 و2015.
وأوضحت أنه خلال تلك الفترة، ورغم تدفق المهاجرين، "لوحظ أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي زاد بشكل ملحوظ، وتراجعت معدلات البطالة".
الباحثون وجدوا أن "النفقات العامة الإضافية، والتي يشار إليها بأنها عبء ناجم عن تدفق اللاجئين، قد عوضتها زيادة الإيرادات الضريبية".
وأوضحوا أن "تدفقات طالبي اللجوء لا تؤدي إلى تدهور الأداء الاقتصادي أو التوازن المالي في البلدان المضيفة، لأن الزيادة في الإنفاق العام الذي يحدثه طالبو اللجوء يتم تعويضها بشكل أكبر عبر زيادة الإيرادات الضريبية من التحويلات".
وشددوا على أنه "عندما يصبح طالبو اللجوء مقيمين دائمين، تصبح آثارهم الاقتصادية الكلية إيجابية".
وخلص الباحثون إلى أن "أزمة المهاجرين المزعومة التي تمر بها أوروبا حاليا، ليس مرجحا أن تثير أزمة اقتصادية، بل قد تكون فرصة اقتصادية".
وتابعوا: "لا ننكر أن التدفقات الكبيرة من طالبي اللجوء إلى أوروبا تطرح تحديات سياسية عديدة، سواء داخل البلدان المضيفة أو فيما يتعلق بالتنسيق الأوروبي للسياسات الوطنية".
ومع ذلك "يمكن معالجة هذه التحديات السياسية بسهولة أكبر، إذا كان من الممكن تبديد الفكرة النمطية التي ترتبط بأن الهجرة الدولية تمثل عبئا اقتصاديا"، وفق الباحثين.