ينهض اليمنيون كل صباح ، معفرين بأوجاع هذه البلاد ، المنقوعة بالدم والبارود ، تتناسخ حكايات الحرب ، وتأخذ شكل وباء يجتاح الجسد ، ينتهي به الألم الى قعر الذاكرة والوعي الجمعي ، أرق يعبر اليمنيون دروبه بصمت ، يدوسون على جراحاتهم المفتوحة ، يخبئون مخاوفهم ، ويؤجلون احلامهم كذلك ، يخرج عبده الشرعبي معصوب الرأس بشميزه ، نصف عار ، حدقاته للسماء ، يا الله صباحك ، غير آبه بتلك البقع على اطماره ، التي يتركها آثار عمله في البناء ، لكنه يحدق بالبقع السوداء في جدار الوطن ، كيفه وماهيه واينه ولمو كل هذا يحدث من حولنا ؟ يسألني ابن شرعب المولود في تهامة ، تتقاطر في ذهنه ، اسئلة الموت ، فينفثها بآهة صدر معطوب بدخان سجائره ، غير آبه بأدخنة الأرق والتعب المحدق بنا ، متشبثا بإيمانه المسكون في تجاويف روحه ، الله كريم سيكتب الله لنا فرج ومخرج ، يمضي لا ينكسر ، كأي يمني غير مكترث بأشواك الزمن ، فقد منحته مناعة ضد الالم ، ووهبته لياقة كيف يخوض معاركه اليومية وينجو من الهزيمة .
يتهمني البعض يأنني متفائل حتى أنني استدعي النصر فيما لا تزال المعركة ناشبة ، وحقارات الخيانات والخذلان سارية المفعول ، في مسار انجاز بقعة للضوء في فضاء احلامنا ، بانقشاع آخر عكفي من كواهلنا المتعبة .
قبل ساعة من مقابلتي لهذا المواطن الشرغبي ، كنت قرأت حكمة قالها توماس كارليل " قل للمرء انه شجاع وسوف تساعده على ان يصبح كذلك " لنكن دوما على مشارف الأمل ورأس الشجاعة بدل البقاء في منحدر اليأس والمخاوف ، نستجر الشائعات والاراجيف ، ونمتهن بضاعة الصعاليك في البقاء جيوبا فارغة ، على رصيف البطالة ، نمضغ الامنيات والاحلام الراكدة ..
" دعونا نبتكر للغد ، بدلا من القلق على ماحدث بالامس ، كما يقول ستيف جوبز " .
البارحة كنت مع مدرس من الحديدة ، عبر التيليجرام ، اختار ان يشتغل حمال للطوب على ظهره ، الذي لم ينحني لعاصفة مجاعة ، تسببت فيها كائنات الكهوف، لم ينهزم هذا المعلم امام كيس الدقيق ، اوجده من عرق ناصيته الشامخة ، الشيئ الوحيد الاكثر كلفة من مواجهة الموت بأعين مفتوحة ، هو الشعور بالهزيمة ، أمام الاشياء بمبررات الضعف والدونية وبحدقات منطفئة ..
خلاصة مادار بيننا ، ان حد الرغيف الذي يقلق الكثير من الناس سيغدوا بصلابة الخنجر ، يفلق رأس النهابة ومصاصي دماء اليمنيين .
المهمشين ممن اتتصروا لكرامتهم ، وحولوا الفؤوس البدائية ونعالهم الى سلاح مقدس لأجل الحياة بكرامة ، ومواجهة القتلة في تهامة ، كان الفأس بيد امرأة اقوى ماجمعه الاغراب من مسلحين ، لكسر ارادة مهمش هو في نظر كائنات الكهف مجرد خادم ، في المعرص ، القرية النائية في اقاصي شمال الريف التهامي ، سقط العرق المدنس امام تلك النعال الشامخة ، في المقابل رأيت حجم النذالة والحقارة والدونية والمهانة ، وهي تملأ اوداج مسؤول متحوث في الحديدة ، ممن سمنوا كالعجول ، في زمن العدوان !! يهرش كرشه ، كدب قطبي متخم بعد تناول جيفته ، يخاطب بوجه عار من الخجل ، معلمين يقفون بأمعاء خاوية ، ليقولون لهم ، التدريس بدون الراتب هو تحد وصمود ضد العدوان ، متناسيا بأن العدوان هو من ينهب عرق وكرامة ورغيف خبز ابناء تهامة .. ومن يسرق حرية وارواح الناس تحت مقاصل التعذيب وفي سجونه السرية .
شموخ ذلك المهمش القروي في تهامة ، لسان حاله يقول ، اذا كانت حياتنا لا تساوي شيئا ، امام هؤلاء الوحوش ، واذا كنا نعيش اسوأ من حيوان ، فلن نفقد شيئا ان قتلنا ذلك الذي يزدري ادميتنا على اساس اللون محاولا ازهاق كرامتنا .. كأنه يقول "هؤلاء الكلاب ينسون انه من المستحيل ان تواصل ضرب الانسان الي الابد ، في يوم رائق سوف يتعلم هذا الانسان استخدام هذا السوط ويضرب من اوجعه ذات يوم به ، ليمنح روحه بعض الراحة وحتى العزاء " كما يقول بتريفين في ثورة المشنوقين ..
صرخة الألم المختبئة في هذا الانسان المطعون ، وهو يصرخ متألما ، وقد أنشب القتلة مخالبهم في المهاجع المكتضة بأشواقه واوجاعه ، لم يعد امام امثال هذا ، الا ان ينتصروا لأنفسهم .. ابشروا ايها القتلة بأن ثورة فؤوس الكرامة ، اوشكت ان تهوي ، على رؤوسكم الوقحة .
من قناة الكاتب بتليجرام
اقراء أيضاً