لا أبشع من جريمة قتل الصحفي محمد عبده العبسي، إلا فهلوة المطالبين بـ"كشف الحقيقة " !
مات الصحفي العصامي مسموماُ كما أكد تقرير الطب الشرعي في الأردن.
هل هناك حقيقة تمتلك روحا وتمشي على قدمين كهذه التي أطلقها التقرير؟
بدلا من القبض على هذه الجريمة متلبسة، بذل كثيرون جهدا مضنياً في التحليل وتقليب الإفتراضات، وصار التقرير مادة يمضغها الجميع في مهمة هي أقرب للتمييع من الإهتمام.
إنشغلوا عن جريمة القتل بالمادة القاتلة وكيف يمكن الحصول عليها في عملية تحضير كيميائي، أو للتشكيك في صحة التقرير بعد أن غدت جثة الشهيد تحت الثرى ويصعب جلب عينات لإعادة الفحص، رغم عدم جدوى أي من كل ذلك.
كأن الراحل العبسي كان يجري التجارب لصناعة مركبات جديدة في معمل كيميائي وهناك إحتمال أنه اختنق بغاز قاتل !
أما البعض فلم يتعب وهو يسرد وقائع الفساد التي أشتغل عليها الصحفي العبسي وهي مفخخة بشبكة قتلة ولوبيات متداخلة المصالح أو متضاربة، الأهم أنها تقف على رأس ميليشيات الحوثي عفاش، لكنه لم يتعب أيضأ من المطالبة بالكشف عن القتلة وإجراء " تحقيق مستقل"!
هذا الصنف من المتفذلكين سيما من ناشطي الشبكة الناعمة للميليشيات، يريد القول بأن الصحفي محمد العبسي كان يعمل على قضايا خطيرة، في مناطق يحكمها حزب الخضر بالمانيا!
قتلة الشهيد العبسي هم العصابة ذاتها من قتل اليمنيين بكل الطرق، قصفاً وتدميرا وتهجيرا، وزرعاً للألغام، لديهم وسائل إعلام وأجهزة أمنية محترفة قتل، وشبكات لصوصية تسرق الأموال والأرواح معاً.
إذا شئتم الدقة، قتله عبدالملك الحوثي الذي قال في خطاب متلفزن محرضاَ قطعانه وأجهزته من القتلة، إن الصحفيين هم أخطر من المقاتلين في الميدان، مثلما كان القاتل عفاش وشبكته الموزعة على ضفاف الموت في كل زاوية.
نبالغ في لعب دور المنظمات المحايدة، كأننا نعيش في السويد، وليس في بلد،شهد أكثر طرق القتل وحشية على يد منظمة جريمة، تمارس سلطة الأمر الواقع، وكان محمد العبسي يعيش هناك حيث ساطور القتلة ينتظر اللحظة المواتية ليضع حداً لحياته.
بالنسبة لواقعة قتل تخص صحفي، فلائحة جرائم الميليشيات ملطخة بسوابق قتل صحفيين استخدمتهم الميليشيات دروعاً بشرية كيوسف العيزري وعبدالله قابل في ذمار، على نحو أكثر وحشية من الطريقة التي استخدم فيها تنظيم القاعدة الصحفي الأمريكي قبل أكثر من عامين في شبوة ..
هل تحتاجون الى سابقة لتدلكم على واقعة قتل الميلشيات الإرهابية، لصحفي بواسطة أول أكسيد الكربون ؟
حسنا .. هو محمد العبسي !
أما كيف فعلت، فليس ذلك مهماً البتة، فالذي يسيطرعلى شبكة من الاجهزة الامنية متعددة الروؤس ومهارات القتل، وويرتبط بدولة إرهابية كإيران ضليعة في إنتاج كل وسائل القتل المباشر وغير المباشر،هل سيكون صعباً عليه الإجهاز على صحفي يمثل تهديداً لرؤوسه، بغاز قاتل ؟
هذه جريمة اغتيال سياسي، لصحفي نشط بصورة كبيرة على ملفات فساد كبار زعماء الميليشيات وقفازات "إستثمار السوق السوداء" لشبكة الجريمة ذاتها، فهل تحتاجون الى أدلة دامغة أكثر من ذلك ؟
المتضررون من نشاط الصحفي الراحل، شبكة نافذة لاشك ، داخل حلف الميليشيات،لا تبدأ عند شخص معين، لكنها حتماً تضع وسيم البخيتي، بهلوان عفاش المتنقل، أول الخيط الذي أوصل سم القتلة، الى قلب الشهيد العبسي.
هي جريمة أيضاً في سياق أفعال ميليشيا إحترفت القتل بكل الصور، ولا أعتقد أن الحصافة المصطنعة للبعض، بترديد الأسئلة عن الفاعلين، ستقود الى الحقيقة بقدر ما تبدو فعالة في إبعاد التهم عن قتلة يجاهرون بوجودهم المدمر في كل مسامات البلد وحياته.
إذا كنا سنسأل من القاتل، فعلينا أن نسأل عن من يقف خلف إختطاف الآلاف وقتل العشرات منهم تعذيبا، والأهم بالنسبة للصحفيين كدليل مادي، هناك حياة 12 صحفياً مازالوا مخفيين في قبضة العضابة نفسها منذ نحو عامين ويتعرضون للتعذيب.
أن تضع إصبعك في وجه القتلة أفضل من هذه " المطمطة " الخجولة للكلام، كما لو كنت تبحث عن ظفر القاتل كدليل في لحم الضحية ،بينما القاتل ذاته يمسك بالساطور ملطخاً بالدم!
لن يلتفت الينا العالم، ونحن نبدو حيارى على هذا النحو كما لوكنا نشطاء في منظمات دولية. لنقل بصورة واضحة: إن داعش التي الغت بجرائمها حدود لغة الحياد لدى المنظمات الدولية التي تعتبرها منظمة إجرام، هي ذاتها ميليشيات الحوثي صالح، نسختها الرديفة في اليمن، إذ فتكت باليمنيين بكل الصور الوحشية: ذبحت، وأحرقت، وزرعت الألغام واغتالت بالسم أيضاً.
أمام هكذا سياسة إجرام ممنهج، حين نغمغم كما هو رائج الآن، سنقتل العبسي مجدداً مرات ومرات، وسنكون نسخاً أخرى من كتيبة ميليشيات القتل " الإعلامية" التي تؤيد كل جرائم الميليشيات وتطالب "الكشف عن ملابسات الجريمة"!
في أربعينية الشهيد الذي ترك خلفه عائلة كان هو ركنها الشديد، جدير باليمنيين أن يبتكروا طرقاً لتكريم العبسي الذي قاتل على تخوم الموت، من أجل اليمن، ومواجهة الفساد، ففتكت به العصابة.
بحسب ماعلمت، يسعى بعض رفاق وزملاء العزيز الراحل، بناء ضريح للعبسي، وهذه جهود طيبة، لكنها قد تكون غير ضرورية الآن.
لوأنهم وظفوا كل علاقاتهم بالسعي لشراء منزل لعائلته، لجعلوا تراب الشهيد يبتسم وسيكون سعيداً في قبره، لأن شيئاً مهماً تحقق من أهداف كفاحه، فقد بذل كل طاقته لإبقاء العائلة واقفة في بلد لا تتوقف دورات سقوطه.
على رجال الأعمال، وما أكثرهم من أبناء منطقته ومن تعز واليمن بصورة عامة، تأمين حياة شقيقاته بشراء منزل يأوي الأسرة التي فتك برجالها الموت واحداً بعد الآخر.
ذلك سيكون تعبيراً بسيطا عن التقدير لأعمال الصحفي الجسور، وتخفيفاً لفاجعة قاسية لن تبرح إلا عندما تجد الأسرة أن ظلال روح محمد لازالت تمنحهم بعض الأمان.
رحمة الله عليك يا صديقي ..
لروحك الراحة الأبدية، واللعنة على القتلة ..
اقراء أيضاً
الإسم الآخر للخيانة: علي عباس الحوثي!
تعز المحاصرة تتضامن مع الأمم المتحدة !