يمكن لصالح ذلك الرجل السيئ الذي خلعه شعبه عام 2011، وعاد لينتقم منه، أن يفرح بصوملة بلاده بعدما بشر بهذا النموذج مرارا وقايض المنادين بالتغيير، بثنائية بقائه أو تحويل اليمن لصومال آخر في الجزيرة العربية.
قبل الثورة التي كانت ضرورة لإنقاذ البلاد، كانت اليمن تصنف دولة فاشلة تغرق بالفساد يحكمها شخص واحد منذ أواخر السبعينات وورث مؤسساتها المختلفة تدريجيا لأسرته، ثم انتقل لتنفيذ نموذجه بإشعال الحرب بعد تمرده، وأوصلها إلى وضع الصومال عند انهيار الدولة عام 1991. الحرب وصلت إلى أحياء المدن وهي إحدى منجزات صالح التي عمل لتحقيقها حين توعد اليمنيين بأن الدماء ستسيل إلى الركب، وبعد عامين من الحرب وصلت الأحزان إلى كل بيت، وما يزال يتحدث عن صمود لأكثر من 11 عاما، وهو لن يخسر شيئا لا مالا ولا رجالا من أسرته وخزينته.
لكن المفارقة أنه وبينما تستعيد الصومال دولتها تدريجيا وتستكمل بناء مؤسساتها وتجري أول انتخابات برلمانية وتستعد لأخرى رئاسية، تهوي اليمن إلى قعر الجحيم وقد وصلت، بانهيار الدولة وهجرة مواطنيها للخارج بخلاف نزوح الداخل.
بالعودة للماضي قليلا، وتحديدا إلى مطلع 2015 كان قطار التغيير يسير للأمام وإن ببطء، يفصله عن الوصول لنهاية المرحلة الانتقالية استكمال إعداد مسودة الدستور وطرحها للاستفتاء الشعبي وإجراء الانتخابات، غير أن صالح وحلفائه الحوثيين قطعوا هذا الطريق واختاروا الحرب وتوقفت البلاد هنا وما زالت عالقة بانتظار الخلاص.
بعد كل هذا يمكن القول إن اليمن تعود لماضي الصومال بينما تحل الأخيرة مكانها، مع بعض الفوارق، دولة منهارة وصل بنكها المركزي لمرحلة العجز عن دفع رواتب الموظفين، ومجاعة تتفشى وأوبئة تنتشر كانت قد اندثرت، وحرب تأكل الأخضر واليابس.
قرابة ثلاثين ألف يمني نزحوا للصومال في مقابل عودة نفس الرقم تقريبا من اللاجئين الصوماليين في اليمن، وهكذا يتبادل الشعبان النزوح ويتبادلان تجربة انهيار الدولة والحرب الأهلية.
ولمن قد يسأل من أين يمول صالح حروبه؟ والجواب موجود في أحدث تقرير للجنة العقوبات الدولية بشأن اليمن والتي أكدت قيام نجله خالد بأنشطة مالية مشبوهة وعمليات غسيل أموال ترتبط بست شركات وخمسة بنوك في خمس دول للتحايل على العقوبات الدولية، استخدمها لغسيل الأموال، من ضمنها مبلغ 84 مليون دولار تم «غسيلها» في ثلاثة أسابيع خلال العام 2014.
وتقدر الأمم المتحدة ثروة صالح التي نهبها من أموال الشعب والمساعدات بـ60 مليار دولار، في حين بات 21 مليون يمني بأمس الحاجة للمساعدات، وتلك ثروتهم وهم أحق بها، لو تعاونت بعض الدول خاصة العربية لتجميدها وإعادتها لصالح السلطة الشرعية.
اليمن ستعود وقد بدأت تتعافى في المحافظات المحررة ولن تستغرق ربع قرن مثل الصومال لإعادة الدولة، لكن الكلفة كبيرة وهذا ما أراده الراقص على رؤوس الثعابين كما يسمي نفسه.
*العرب القطرية
اقراء أيضاً
"العوني" المغموس بالنضال
المجاعة والأوبئة في عهد الأئمة
الحوثي في فيلم «المتسول»