إذا ما فكرنا الآن بإنشاء "هوية بصرية" أو "ديزاين" لبلد مثل اليمن على أمل تسويقه للعالم كمنتج إنساني فإننا سنكون مجبرين على استخدام عناصر تيبوغرافية ترمز للدم والسلاح، ولن يكون باستطاعتنا مهما أطلقنا لخيالنا الإبداعي العنان إلا إنتاج رمز الكلاشنكوف والرصاص والخرافة الدينية والطائفية.
بنخبة سياسية بلا خيال شق اليمنيون طريقهم نحو السلاح والاحتراب ولم تقدم أي قوة سياسية برنامجا سياسيا يمكن اعتباره تصميما فريدا يتمتع بالخيال اللازم لعبور النفق المظلم، وكل ما تم تقديمه منذ ???? لم يكن يعدو أن يكون مجرد مماحكات سياسية لا تراعي ضرورات المستقبل، فحين قدمت القوى السياسية المعارضة مبادرة في ???? طالبت بنظام برلماني نكاية بسلطة صالح الرئاسية، ولأنها نخبة بلا خيال تخلت عن هذه الرؤية في أول فرصة سنحت لها، وكان ذلك في مؤتمر الحوار الوطني ???? الذي أقر في النهاية مسودة دستور ينص على أن النظام الرئاسي نظام دائم للبلد.
وحين طرح قانون تنظيم حمل السلاح في العام ???? وبدأت تعلو الأصوات مطالبة بضرورة فرض هيبة الدولة تعالت أصوات فاقدي الخيال مطالبة بمنع صدور القانون وحشدت كل إمكانياتها وحججها الواهية لعرقلة صدوره.
وحين كان البلد يغرق بالسلاح والفوضى والاستبداد والجهل الذي انتشر في كل ربوع البلد راحت نخب دينية تخوض معارك من قبيل "الإسلام مصدر رئيسي للتشريع" كمعركة تشريعية وشعبية كبرى، أو من قبيل كيف أن الحكومة تحارب الدين، أو من قبيل إنشاء هيئة للأمر بالمعروف، وهي معارك تفصح عن افتقارنا لبصيرة وخيال يمكننا من معرفة الداء واستنتاج الدواء.
كنا بحاجة لرؤية سياسية تخرجنا من حالة اللادولة واللاديمقراطية واللاسلطة ولم يقدم أحد شيئا جديرا بالثقة والاحترام.
وحين جاء ???? تحرك الشباب بخيال حالم بالمستقبل كانوا يعرفون ما يريدون وما زالوا كذلك، ورغم ما ألم بالثورة والحلم من انتكاسات فإن روادها وصانعيها من الشباب يدركون أن أحلامهم مستقرها المستقبل ومآلها التحقق.
ولقد كان مؤتمر الحوار الوطني نافذة ضوء حقق الجميع فيها قدرا معقولا من الحلم، لقد وضعوا لليمنيين ولأول مرة خريطة طريق يمكن من خلالها الولوج إلى يمن جديد بلا فقر ولا جوع ولا زعيم فرد مستبد باسم الجمهورية المغدورة.
ولأننا ابتلينا كما أسلفنا بنخب بلا خيال فلقد راح جمع من الناس يهاجم القوى السياسية -وعلى رأسها حزب الإصلاح اليمني- كامتداد لهجوم أوسع ضد الجمهورية والدولة اليمنية التي ما زالت مجرد حلم في مؤتمر حوار.
إذا أردت أن تنقض على جمهورية ما فاذبح أولا تعدديتها السياسية، وامتدح مشروع مليشيات أو عسكر، وهاجم بضراوة تكتلا يدعو للسياسة ويعمل فيها.
وحين كان الحوثيون وصالح ينقضون على الدولة والجمهورية ويذبحونهما من الوريد إلى الوريد كان الجمع فرحى، يصور لهم خيالهم الضحل المعركة برمتها مجرد معركة ضد خصم سياسي من الجيد إزاحته وينتهي الغبار، ولم ينته الغبار بل تحول إلى دماء سكبت في كل أرض.
وهكذا تظل نكبتنا في نخبة بلا خيال يمكنها من ابتداع معادلات وطنية ناتجها مستقبل جمهوري بلا صراع سلطوي، بل سلاح وبندقية بلا بؤس وفقر وجوع.
الجزيرة نت
اقراء أيضاً
السلام مع لغم
المدينة التي تنام قبل التاسعة!
الحوثيون كتجلٍّ أخيرٍ للإمامة