في العقائد الزيدية الجارودية والإمامة، الحكم والسلطة حق إلهي لمن خرج مطالبًا به من بني هاشم إذا امتلك القوة، ضمن مجموعة شروط أخرى، تنص عليها تلك العقائد الإجرامية.
أدى الغضب الشعبي المتفاقم مؤخرًا الذي تصدّره نادي المعلمين اليمنيين، ومؤسسات نقابية أخرى من بينها مؤسسات القطاع الخاص وشيوخ القبائل والطلاب عبر الإضرابات والتظاهرات وبيانات الاحتجاج، إلى زعزعة تلك العقيدة حتى بين أتباعها، وظهر عبدالملك الحوثي قبل أيام يعد بتغيير قادم أواخر الأسبوع الجاري.
خلال الأيام الماضية، أعلنت القيادات الحوثية المختلفة، بما فيها المسيطرة على مؤسسات الدولة في صنعاء عن تفويض واسع من قبلها لعبدالملك الحوثي باتخاذ الإجراءات اللازمة للتغيير الجذري الذي يزعم الحوثي أنه سيتخذه.
وبينما يريد الحوثيون إظهار ولاء شديد لسيدهم عبدالملك الحوثي، عبر بيانات التفويض، فإن الحقيقة تعني أنهم فعلوا العكس تمامًا.
أبسط تعريفات التفويض تقول هي "عملية يجري من خلالها منح طرف آخر صلاحيات التصرف للقيام بأنشطة معينة، خلال فترة محددة، مع بقاء المسؤولية على الشخص المفوض، وهو مفهوم إداري يتم من خلاله تخويل المرؤوس لإنجاز مهام محددة، بهدف تخفيف الأعباء على القائد أو المدير. نشأ المفهوم قبل قرون في الإدارة، ويستخدم مؤخرا في السياسة".
وبالتالي فمنح عبدالملك الحوثي التفويض، يعني اعتراف ضمني واسع من العصابة الحوثية، بفشل الإمامة، ونزعها عنه، من حيث قصدوا دعمه وتقويته، ويشير عدم الرد من الحوثي نفسه على تلك البيانات وعدم إيقاف إصدارها خلال الأيام القليلة الماضية، إلى عجز شديد يعانيه، وضعف يشعر به، وواقع يتخبطه أمام بعض أتباعه الأقوياء.
صحيح أن عبدالملك الحوثي ما زال قويًا أمام أتباعه، وما زال الإمام المطلق وفق عقائده، وعقائد الإمامة الجارودية، ويتمتع بسلطات واسعة من دون محاسبة، طبقا لها، إلا أن تياره وقوته، شهدت انقسامات حادة وواسعة خاصة على المستوى الأدنى، بين الموظفين والمسلحين الحوثيين، وصولا إلى المستوى الأعلى حيث ينسب أحمد حامد مدير مكتب المشاط (ورئيس سلسلة واسعة من المؤسسات الحوثية، وهو واحد من أهم القيادات الحوثية)، الفضل لنفسه في تعيين عبدالملك الحوثي خلفًا لأخيه الصريع حسين الحوثي، وفق ما نشره حوثيون يعارضون أحمد حامد.
وبغض النظر عن التغييرات التي يزعم الحوثي أنه سيقوم بها، إلا أنها ستؤدي حتمًا إلى الإطاحة ببعض مراكز القوة التي ساهمت في وقت ما، بقوة المليشيا الحوثية، وستفتح الباب واسعًا أمام حركة من الصراعات الواسعة، بين الأقوياء في العصابة الحوثية. وبمجرد ظهور الصراع على مستوى تيارات وجماعات أو حتى على الأقل بين القيادات، مهما كان نوع الصراع، ضربة أخرى لمفهوم الإمامة، بين أتباعها، وإثبات إضافي لبشاعتها ودمويتها، وقبل أي شيء آخر، ضربة لإمامة عبدالملك الحوثي ومركزه وقوته، وستنقل الصراعات حتمًا إلى مستويات داخل الجماعة، بعد نهاية عهد وحدتها.
ولأن الأمر كذلك؛ يبدو أن عبدالملك الحوثي أو القيادة العليا في الجماعة، تشعر بحاجة ماسة لدعم من مختلف فصائلها، لإظهار التماسك والقوة، نتيجة رعب تعيشه من الغضب الشعبي، وبالتالي فهو حاجة نفسية لعبدالملك الحوثي كأي طاغية مستبد.
ويدل أيضا هذا التفويض على أن الحوثي يعتزم إجراء تغييرات واسعة فيما يبدو على هيكلية عصابته، وقد بدأ أنصار يحيى الرزامي على سبيل المثال، يصفونه برئيس اللجنة العسكرية العليا، التي تمنح بالغالب للقيادات العليا من حيث المنصب والرتبة، في الدول وفي المليشيات، مع أن الرزامي قائد محور فقط، في العصابة، وهو منصب أقل بكثير من منصب القائد الأعلى أو وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة المناطق العسكرية.
ويكشف إعلان الحوثي عن التوقيت في المولد النبوي، عن دلالات مهمة، أولها أنها جاءت بعد زيارة الوفد الحوثي إلى الرياض، وضمانه أن الرياض صارت فعلا خارج الصراع، وبدأ يركز على تثبيت سلطته، وتأسيسها على مقاسه وحده، دون شركائه من العصابة الحوثية، كما فعل يحيى حميد الدين بعد خروج الأتراك من اليمن، بقتل واعتقال أهم شركائه. ويريد من خلال المولد ربط تأسيس دولته الجديدة أو مرحلته الجديدة بالمولد، بحيث تكون نشأتها متصادفة مع المولد النبوي، ومرتبطة به، وأيضا، يريدها في وقت المولد الذي يعمل على حشده منذ أكثر من شهر، لاستعراض قوته أمام خصومه الداخليين وإرهابهم عن مجابهته.
اقراء أيضاً
كيف يهزم العصيان المدني الحوثيين؟
تهديد الحوثي ككلب بلا أنياب
كي لا يخطف الحوثي المبعوث الأممي