في بلادنا لم يكن قرار الحرب والسلم ثمرة قوة وطنية، او حصيلة صناعة مشتركة بين جميع القوى الحية، أو اذا تجاوزنا بالقول بدعم المشروعيات المختلفة والفاعلة داخل البلد، بل وحتى انها تحولت تلك السلطات صاحبة القرار والمشروعية لمجرد كومبارس وأدوات تنفيذية لجهات خارجية إقليمية ودولية لا أكثر، ما نتج عن ذلك هذه المعمعة وهذه المراوحات، ووقوف البلد في حالة تعطل كامل، دون أمل في الخروج من هذا الوضع، ما جعل المواطن يكفر بالدولة مساوياً بين اطراف الحرب، لعدم وجود نموذج واقعي ملموس لهذا المسمى "الدولة" التي ترعى المواطن، والتي يمكن التطلع لحضورها والإعجاب بها والركون والاعتماد عليها .
هذا الشتات الذي نعاني منه هو نتاج تخاذل كبير من قبل كل الأطراف الفاعلة، وتأجيل للاستحقاقات المهمة لحضور الدولة لمصلحة اطراف معينة والتي لا تعمل لمشروعات وطنية محلية للأسف، ولكنها تعمل مع اطراف خارجية بنوع من التبعية والانسحاق ، حتى في التقدير الكبير للدور الفاشل الذي شاركوا فيه وإكبار ذلك وتعظيم ما يقومون به على قصوره وعوره الظاهر للعيان، والذي تحول من مجرد داعم إلى طرف ومشارك في الحرب ليس بالشكل المباشر فقط ولكن حتى عبر أدوات عمل على تجنيدها على مرأى وسمع السلطة ، ودون أدنى اعتراض جدي وواقعي لها ، بل اصبح من ضمن بروتوكول الخطاب الرسمي كيل المديح والشكر والتقدير لهذه الأطراف.
فمن المهم ان يمتلك اطراف الحرب السيادة على نفسها كأقل تقدير، بحرية اختياراتها واستقلاليتها عن التبعية للغير حتى يمكن الحسم فيها أو التوصل لسلام عادل في حالات آخري ، أما ان يتحدث البعض عن نصر وهو لا يملك الاختيار والاستقلال فهذا حديث كاذب، وللأسف فكل الجهود التي تقدمها ليست سوى أوراق ضغط تستخدمها اطراف خارجية وبجهود ودماء ونفوس داخلية، ومشكلتنا الاعمق هو ان كل هدنة او عملية سلام او انتصار مؤقت ليست سوى استراحة مفخخة لجولات قادمة ربما تكون افظع من ذلك واعمق في ظل متغيرات خارجية كبيرة ودخول أطراف جديدة في الحرب، وهذا ما نشهده منذ بداية الحرب من تفريخ وتقسيم وظهور امراء حرب اكثر كلما طالت المدة.
ولم تعد حروب اليوم تستطيع ان تقدم نصر كاسح او هزيمة مذلة لأطرافها وخصوصا مع وجود تدخل أطراف خارجية، وفرضها اجنداتها بطريقة فضة كما هو حاصل في حالنا، وخصوصا صاحب المشروعية والذي يمتلك علاقات دولية مع مؤسساتها ودولها، والذي تحولت من داعمة لحضور الدولة وفرض سيطرتها إلى مجرد عامل توازن قوى داخل البلد، ليسهل التدخل والتحكم فيها مستقبلا. فلن تكون داعمة للاستقرار بل مجرد مهدئ عن الاندفاع وحسم الوضع القائم.
واعتقد أن أفضل نصر في هذه الحالة هو انتصار القادة والنخبة على ذواتهم واطماعهم ان يغيروا من قناعاتهم ومفاهيمهم، فكل المتدخلين الخارجيين يبدلون ادواتهم وبيادقهم من حين إلى آخر، وقد يعملون على خلق اطراف جديده وبمهام جديدة ومتجاوزة للمهام السابقة، ولن يتذكر الشعوب إلا العظماء والاوفياء لبلدانهم وأوطانهم في الأوقات الصعبة، أما الأُجراء والأتباع فلن يتذكروهم إلا بالخونة والضعفاء والمتخاذلين، فإطالة أمد الحرب او الرضا بهدنة هشة وسلام مفخخ غير ملزم بالقوة ولا يزيد الوضع الا سوء، وربما ما تستطيع ان تنتصر به اليوم لن يكون من الممكن الانتصار به غدا، والاوراق التي يمكن اللعب بها والضغط اليوم ستفقد قيمتها غدا ، وهذا اقل ما يمكن قراءته من سياق الحرب وسنواتها الثمان.
اقراء أيضاً
عبقرية ثورة 26 سبتمبر