يقصد بالمعارضة في صنعاء هي تجمعات عابرة القبيلة والمنطقة وتمثل مصالح المدينة وقطاعات واسعة من السكان، ولديها مطالب إصلاحية محددة للأوضاع لا تكون بالضرورة تهدف إلى إنهاء سيطرة أسرة الحوثي، بل تعمل على تنظيمها وضبطها وفق صيغة معينة ومقبولة لدى قطاعات واسعة.
أما مفهوم شعبيا فهي أن تكون ممثلة لما يمكن وصفه بالقطاع الخاص، وآثار الطبقة الوسطى، والطبقة الوسطى الجديدة التي نشأت بعد سقوط الجمهورية، التي تبتعد يوما بعد آخر عن أسرة الحوثي ومن خلفها ومعها.
على مدى سنوات طويلة مضت منذ سقوط الجمهورية، كان دوي المدافع وانفجارات الألغام الحوثية، وازيز رصاص قناصة الحوثي تطغى على أي صوت معارض في صنعاء والمحافظات الأخرى المحتلة من إيران عبر الجماعة الحوثية.
لا يعني السؤال أعلاه، أن ليس هناك معارضة للحوثي أو قبولا شعبيا به، فذلك حقيقة لا تقبل النقاش، والحوثي يدرك أنه منبوذ وتتزايد عزلته يوما بعد آخر، ولكن المقصود هو أن تنشأ معارضة من البنية التي انقلبت على الجمهورية ولها مساهمات عدة في سقوطها في العقدين الماضيين، ووصلت في علاقتها مع جماعة الحوثي إلى قطيعة تامة ومن ثم مطالبات بإصلاحات.
وفق المؤشرات التي حدثت في الفترة القليلة الماضية من الهدنة، فإن اتجاه الشارع الذي يمثل مصالح المجتمع المذكورة بداية المقال يصدر إشارات مشجعة على بداية حركة معارضة.
يمثل القضاة الجزء الرئيس من أركان سلطة الإمامة لدى عامة الناس، وتمثل السلطة القضائية ركنا رئيسا لأي دولة حديثة، ومقارنة بين موقع القضاة في السلطة الحديثة وسلطة الإمامة ومنها الحوثي فإن دورهم كبير جدا، ولهم مكانة خاصة وموقعا مؤثرا في أجهزة التنظيم الحوثي.
كل خطابات الحوثي تجاه المشاكل والتحديات التي تواجهها الجماعة تنحصر تقريبا حول الزراعة وإصلاح ذات البين الذي يعتمده القضاء، أي أنهم وسيلة التدخل الوحيدة المتاحة للحوثي لتهدئة الشارع والحد من المشاكل.
حدث مؤخرا أن اصطدم الحوثي بالقضاة، تتفاوت التقديرات المتاحة لعدد الهاشميين في السلك القضائي، لكنها لا تقل عن نسبة60% في كل اليمن، وترتفع عند الحوثي في أقل التقديرات إلى 80%.
دلالات إضراب نادي القضاة ليس نتيجة اللحظة الراهنة التي قتل فيها عضو المحكمة العليا محمد حمران قبل أسبوعين في قلب صنعاء، بل نتيجة خلافات وصدامات لم تعد الغرف المغلقة ممكنة لتجاوزها.
مطلع يناير 2021 تراجع نادي القضاة عن إضراب شامل، بعد أربعة أشهر فقط من تشكيل محمد علي الحوثي المنظومة العدلية التي تعمل بديلا للقضاء أو فوقه لصالح محمد علي الحوثي، كما أنشأ أحمد حامد الخصم الرئيس لمحمد علي الحوثي بالفترة نفسها هيئة الإنصاف والمظالم، تعمل أيضا بديلاً للقضاة أو فوقه. لكنه حقق انتصارا مدويا ومفاجئا عندما أعلن إضرابا شاملا (باستثناء النيابة الجزائية والمحكمة الجزائية) ودخل اضرابه أسبوعه الثاني.
تجاهلت جماعة الحوثي كليا مطالب القضاة التي شملت تغيير مجلس القضاء الأعلى أعلى سلطة قضائية لدى الحوثي، والمطالبة بمنع تدخلات وهيمنة محمد علي الحوثي بدرجة رئيسية على القضاة ولكنها تشكل هيئة أحمد حامد والقادة الحوثيين الذين يعملون كقضاة بحكم قوتهم، وحماية القضاة وصرف المرتبات والالتزام بالدستور والقانون.
عند النظر إلى هذه المطالب يكون التفسير الأوضح لها أنها تطالب بإصلاحات حقيقية في سلطة جماعة الحوثي، تتضمن ضرورة تقليص يد أسرة الحوثي وقادة الجماعة، النافذين، ويعني اعتماد القضاة على دستور الجمهوريه والقانون رغم التعديلات الحوثية عليه أن رؤية الجماعة وبرنامجها للحكم قد فشل وقد بدأ يواجه معارضة حقيقية، لها رؤيتها الخاصة والحاسمة للإصلاح استنادا إلى الجمهورية السابقة التي دمرتها الجماعة.
وعليه يمكن القول إن المعارضة الشعبية في والمحافظات الأخرى قد وجدت وقطعت شوطا طويلا وصارت حقيقة هناك، وأن النقاش صار حول دور هذه المعارضة في إمكانية تحقيق الإصلاحات .
اقراء أيضاً
كيف يهزم العصيان المدني الحوثيين؟
تهديد الحوثي ككلب بلا أنياب
كي لا يخطف الحوثي المبعوث الأممي