لأنك لم تقرأ بما فيه الكفاية ولم تبحث عما تفتقده لم تجد الإجابة، المسألة بهذه البساطة، فأن لا تمتلك دارا للنشر، لا يعني أنك لا تستطيع النشر، بل أنت فقير ماديا وليست هناك قنوات تمكنك من تقديم إبداعك.
وإذا لم تقرأ تاريخ الأفكار اليمنية، -على سبيل المثال لا الحصر: فكرة مواجهة الإمامة الهاشمية بالحضارة والهوية اليمنية-، فهذه مشكلتك، وهي مشكلة وطنية أيضا، هي مشكلة النخب بالدرجة الأولى، التي لا تهتم إلا لمن يروج لها فقط. هي مشكلة الدولة اليمنية، التي لم تؤسس لتنمية اجتماعية واقتصادية.
يجادل عبدالهادي العزعزي مثلا أن ثورة سبتمبر هي أوفر حظا من كل الثورات من حيث الغناء والشعر والنثر بها، ومع ذلك لم تشتهر كل الأغاني والقصائد والمقولات والأفكار والنصوص، فتلك مسألة متعلقة بالثروة، الفقراء يقولون ويكتبون ويمضون، ومهمة الدارسين والباحثين والجامعات والمعاهد نشر ذلك. هل تعرف كتابا منشورا للعزعزي؟ لا. ليس هناك كتابا منشورا له، والجواب عائد لمشكلة الدولة والفقر، لا لنقص الإبداع.
العقل الذي بنى السدود في الصحاري وحول الجبال إلى مدرجات زراعية، وأقام الدول منذ آلاف السنوات، وقضى على الإمامة، وفجر أكتوبر هو شعب عظيم.
ألا ترى كيف التقط الشعب اليمني الربيع العربي في 2011 رغم المسافة الهائلة بينه وبين مصر في كل شيء، ولكنه حول نصر الكنانة إلى ثورة في اليمن.
وكما تعلم فإن اليمني لا يخرج من بلاده إلا مغتربا شريدا عن أسرته، ليوفر لها لقمة العيش، مقابل العمل في ظروف بالغة الصعوبة وشديدة الامتهان. انظر مثلا إلى حالتي أيوب طارش وأبوبكر سالم، ما هي شهرة أبوبكر لو لم يغادر اليمن ويقترب من مؤسسات عربية. تلك هي المشكلة بالدرجة الأولى.
نراك تلوم الشعب ولا تلوم الدولة، أي منطق هذا؟ أين حججك على سلامة هذا المنطق؟ أين أمثلتك الناجحة على ذلك من الدول الأخرى، ولماذا تذكر لنا أدباء وكتاب وروائيين ومفكرين كانت لديهم القدرة على النشر لظروفهم المادية وقربهم من مؤسسات الإنتاج والطباعة والنشر؟، برأيك من الأعظم حقا إذا قارنا بين نزار قباني وبين مطهر الإرياني، إذا استبعدنا أدوات النشر وقنوات الشهرة؟.
ألم تر عظمة الشعب في طلاب ابتعثوا لحراسة الإمامة مطلع القرن الماضي ووسطه فعادوا لبعث شعب كامل؟ أكانوا يفعلونها لو كانوا من خارج دائرة الإبداع والحضارة؟.
في المهرجانات التي تابعتها فرديا ونادرا ما أتابع أصلا: يصل المتسابقون اليمنيون في الشعر والأدب والغناء إلى مستويات متقدمة، ولم تصل أي دولة من الدول المجاورة إلى هذا المستوى اليمني.
بالأمس فقط شاهدنا الطفل بائع الماء عمرو أحمد، يذيع صيته في كثير من القنوات العربية والدولية كمبدع مذهل، هل سمعته يقول: أساعد أمي؟.
قل لي لماذا لم تقدمه النخب اليمنية الإبداعية والفكرية وقنواتها وقدمته وسائل التواصل بالصدفة ووصل إلى كبريات المحطات التلفزيونية العربية والدولية؟ هل شاهدت راعية الغنم الصداحة بأجمل ألوان الغناء والفن؟.
أشك في ذلك، وليست مشاهدتك أو عدم المشاهدة مشكلة، إن الفقر هو المشكلة، تلك المشكلة التي تخنق الحياة في المهد، والفقر راجع لغياب الدولة الديمقراطية.
إن مشكلة الشعب هي الإمامة -كما تعرف وتكرر دائما- ولكن الاستشهاد بمقولات لكتاب يقتدون بكتاب آخرين، فتلك حجة داحضة عليك، وليس لها من الحق شيئ وإن هم إلا يخرصون.
شاهدت الحلقة، كنت أود أن تأتي بأرقام وإحصاءات وإنجازات تدل على ما ذكرت، وتثبت بالحجة والبرهان والمقارنة ما تتقوله عن شعب اليمن، لكنك لم تفعل، لم تبحث، الواضح أنك لم تقرأ، هذا مافي الأمر.
إن أمثلتك الفنية سقطة بالغة، أأولئك أمثلة؟ أولئك حجج وبراهين؟ لماذا إذن لم يكونوا في طلائع النجوم العالميين؟
أن تقول كل أسبوع ما تريد بالطريقة التي تريد، لا يعني أنك المعصوم المطلق والحَكَم الخبير بكل شيء؟
لو أعدت النظر إلى مضمون ما قدمت وما شهدت به بمعايير صادقة ومحددة لاستحييت من نفسك، من الثقة البالغة عند الأحكام الجافية، ما الذي يفرق بين أحكامك في الفن والفكر والإبداع، وأحكام الطغاة في كل شيء، ها أنت تكاد تقول: إن أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، ولكن ليس في حكم الدول وإنما في المجال الذي نصَّبْت نفسك حاكما فيه. فلا ترم شعبا بدائك وتنسل.
إن المقارنة بلا معايير واضحة قابلة للقياس طغيان، وعدم بناء المقارنات على أرقام فضيحة، والاستناد إلى المعايير الشخصية جهل. إن الجرأة على إصدار الأحكام بهذه البساطة بلا أبحاث علمية رصينة تسلطٌ وادعاء ودافعه شخصي يتقمص نفسية القائل لقد جئت بما لم تستطعه الأوائل، مع الفارق الهائل بين الاثنين.
في ختام الحلقة افتقدت أن تكرر عبارة الطاغية الهالك القذافي: أنا المجد، أنا التاريخ، من أنتم أيها الجرذان؟.
اقراء أيضاً
كيف يهزم العصيان المدني الحوثيين؟
تهديد الحوثي ككلب بلا أنياب
كي لا يخطف الحوثي المبعوث الأممي