[اليوم، الموافق 20 يونيو، هو اليوم العالمي للجوء]
-----------------------------------------------
قبل أن تقرأ هذا المقال، تذكر أنني لا أشجع على اللجوء؛ ولكن ما دام أن القدر قد أرغم الملايين من أبناء الوطن العربي على اللجوء إلى بلد الغير، كان علي لزامًا أن أوصل هذه الرسالة..
أولًا ما المعنى الحقيقي للجوء؟
اللجوء بمعناه الحقيقي هو الاحتماء بقوة لديها سلطة وسيادة تمكنها من حمايتك حتى يزول عنك الخطر. وقد كان العربي قديمًا عندما يشعر بالخطر على حياته أو تداهمه أيادي الغدر يطلب الحماية ممن لديه قوة أو نفوذ، ليبقى تحت حمايته حتى يزول ذلك الخطر. والكثير من الأبطال العرب قديمًا لجأوا إلى غيرهم، رغم مكاناتهم الاجتماعية. ولم يكن ذلك العمل معيبةً بالنسبة لهم؛ بل كان البعض يعتبر مثل هذه الخطوة من الحكمة في التصرف. ولنذكر بعض هذه الشخصيات:
عبد المطلب بن هاشم، جد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، قد لجأ إلى الكعبة عندما هاجمها أبرهة الحبشي، ولم يقاتل حفاظًا على أرواح قومه. كذلك النبي عليه الصلاة والسلام، قد لجأ إلى المدينة. وبلغة هذا العصر كان هو وأصحابه لاجئين في المدينة المنورة. ولكن كان هدفهم، من لجوئهم ذلك، هو الاستعداد للرجوع بقوة؛ فما أن وصلوا المدينة حتى هبّ كل واحدٍ منهم إلى العمل بجد، فلم يكونوا عالة على أهل المدينة، منتظرين منهم الصدقة، رغم أنهم خرجوا من مكة صفر اليدين. فرأينا منهم التجار، ورأينا أصحاب الحرف والفرسان، وغيرهم. وقبلها، لجأ بعضهم إلى ملك الحبشة، ونشروا الإسلام هنالك، وتاجروا في الحبشة وساعدوا المسلمين ولم يقفوا مكتوفي اليدين.
إذًا؛ لنجعل من نبينا، عليه الصلاة والسلام، وأصحابه، حِكَمْ وعِبَرْ ومثال أعلى لنا، خصوصًا في زمننا هذا، حيث كثرت فيه الحروب وازداد عدد اللاجئين.
إذا كنت ممن كَتبَ عليه القدر أن يكون لاجئًا، فاقرأ هذه الكلمات بأذُن قلبك، وكُن ممن يُحَوِّل من الليمون الحامض مشروبًا مفيدًا ورائعًا. ولتعلم أن اللجوء ليست فترة للسياحة والراحة، وتجربة كل أنواع المتعة، فتنسى بلدك وتقرر أن تمكث في بلد اللجوء دون رجعة، فهذه من خصال الأنذال.
هناك ثلاثة أنواع من اللاجئين سأتحدث عنهم هنا، لأنهم من أريد أن تصل إليهم هذه الرسالة:
- الفئة الأولى؛ وهم من أرغمتهم الحرب للدراسة في الخارج. وهم يُعتَبَرون لاجئين أيضًا، ولو أن إقاماتهم لا تقول ذلك. وهم في الحقيقة من يعلق الوطن عليهم الآمال. للأسف الشديد، الكثير من الطلاب- بسبب الأوضاع التي تعيشها بلده- أصبح هدفه هو: كيف يستطيع أن يبقى في بلد الغير، ويعمل ويحصل على الجنسية، وليذهب الوطن وأبنائه في ستين داهية. لو أن الجميع يفكر هكذا، فلنقرأ على بلداننا الفاتحة..!!
الطالب عندما يدرس في بلد الغير، لابد أن يضع بلده أول أهدافه السامية. وليعلم أن بلد الغير، مهما قدمت له من التسهيلات والإغراءات، إلا أن الإنسان عزيزٌ ببلده، لا ببلد غيره. ولا أعني هنا أن نُلقي بأنفسنا إلى التهلكة؛ لكن لنستعد كل الاستعداد، حتى إذا ما سمعنا نداء الوطن، فلنُلّبي جميعًا، لنبنيه من جديد.
- الفئة الثانية؛ وهم تَّجار العواطف. هؤلاء الناس، للأسف، يهاجرون إلى بلد الغير للتجارة بآلام الناس وأوجاعهم. حيث يُظهِرون أبناء بلدهم على أنهم أتعس الشعوب وأذلهم، وأن أجسامهم قد أصبحت هياكل عظمية لا تقوى على الحركة من شدة الجوع، فيشوهون بسمعة أبناء بلدهم بطريقة شنيعة، حتى يستعطفون الناس، ويأخذون منهم المساعدات باسم فعل الخير، ثم يستغلونها بطريقتهم في تجاراتهم الخاصة، ولا يوصلون إلى من تحدثوا بأسمائهم سوى النزر اليسير مما جنوا..!!
وهذه الفئة، هم أعداء الوطن والمواطن، ولابد أن يُحاكموا. أما تستحيون على أنفسكم، فتأكلون أموال المساكين الذين يموتون من الجوع، بينما أنتم تعيشون بأموالهم في القصور ورغد العيش؟! نستحلفكم بالله، ألا تتاجروا بآلام المواطنين.. أما يكفيهم ما يواجهون في بلدهم؟! أما لقيتم غير هذه التجارة حتى تكسبون الأموال؟!
الفئة الثالثة؛ وهي الفئة الكادحة. وهم من خرجوا لينجوا بأرواحهم وعوائلهم، ومعظمهم فقراء لا يملكون شيء. الوطن لا يريد من هذه الفئة سوى أن يتذكروا دائمًا أنهم لاجئين، لا باحثين عن وطن آخر، حتى إذا ما استعاد الوطن عافيته، يعودون إليه مرةً أخرى، يبنونه، ويعيشون فيه بحلوه ومره.
أخيرًا؛ تذَكّر أن اللجوء ليس عيبًا، العيب أن تنسى أنك لاجئ، وتذَكّر ايضًا أن من يفضِّل بلد الغير على بلده، يبقى ذليلًا مهانا، وإن رفعته الأيام. فـ"جبران خليل جبران"، رغم حصوله على الجنسية الأمريكية، إلا أنه ظلَّ يحنّ إلى بلده، لبنان، ويكتب عنه وعن الوطن العربي، يناقش قضاياه ولم ينساه البتة.
فلأمثال هؤلاء، وكل من يعمل من أجل وطنه، تُرفعُ القبعات.
اقراء أيضاً