مما لا شك فيه فإن الهبوط المفاجئ في اسعار صرف العملات خلال اليومين الماضين يفتح الباب أمام الكثير من التكهنات حول ما يجري، ويضع العديد من التساؤلات حول العوامل والاسباب المؤدية لذلك. خصوصاً في ظل الصمت وغياب المعلومات والبيانات المالية من الجهات المختصة.
الوضع الحاصل اليوم في البلد، بسبب الحرب المستمرة لقرابة أربع سنوات والتغيرات الاقتصادية اليومية المتأثرة بها تجعلنا نرتاب كثيراً في تحليل الوضع الاقتصادي- بشكل عام، واتجاهات اسعار الصرف- بشكل خاص. حيث يلعب الجانب السياسي- بأحداثه المتغيرة- ومجمل العوامل الأخرى، دوراً كبيراً في التأثير على الوضع الاقتصادي والمالي برمته.
وهناك العديد من العوامل، أو الأسباب، التي يمكن أن تكون وراء الهبوط الحاد لأسعار صرف العملات الأجنبية خلال اليومين الماضيين: -
- العامل الأول: ويمكن عنونته بتحركات الحكومة والبنك المركزي، خصوصاً بعد الارتفاع الجنوني لأسعار السلع، الناتج عن ارتفاع أسعار الصرف وبلوغها 810 ريال للدولار الواحد في اغسطس الماضي.
حيث تحركت الحكومة والبنك المركزي على أكثر من صعيد؛ ابتداءً بتشكيل اللجنة الاقتصادية، وتفعيل دور الوديعة السعودية، والبدء بتنفيذ آلية دعم السلع الأساسية عن طريق فتح الاعتمادات المستندية- طرف البنوك المحلية، وبيع الدولار للمستوردين بأسعار تقل عن السوق السوداء. مما ساعد على امتصاص جزء كبير من السيولة الزائدة عن السوق من العملة المحلية. والتي كانت توفر حافز للمضاربين في تمويلهم عمليات البيع والشراء.
ثم تحركاتها بضبط محلات الصرافة المخالفة وسحب تراخيصها، والتلويح لمختلف الكيانات ممن لهم علاقة بالتأثير على أسعار الصرف، مروراً بتأمين جزء من كمية المشتقات النفطية- (التي كانت تستورد بالشراء من السوق السوداء فتضغط على سعر صرف الدولار بشكل كبير فيها)- عن طريق المنحة السعودية، والتي تقدر بنحو 60 مليون دولار، والبدء أيضاً بتصدير كميات من المشتقات النفطية وتواصل الحكومة مع الشركات الأجنبية العاملة في سبيل عودتها للعمل في حقول النفط البعيدة عن منطقة الصراعات والحرب الدائرة.
بالإضافة إلى مجموعة القرارات التي تتخذ من قبل اللجنة الاقتصادية بشكل مستمر لمحاولة تحسين مستوى سعر صرف العملة المحلية، وانتهاءً بتغيير رئيس الحكومة، وعودتها إلى عدن لممارسة مهامها، وإيلائها الاهتمام الكبير للجوانب الاقتصادية والتنموية حسب تصريح رئيس الحكومة الجديد.
يمكن القول إن هذا العامل ساهم في تحسن سعر صرف العملة. لكن قد يشكك البعض بذلك، لأن الهبوط لم يكن متوقعاً بهذه السرعة وبهذه النسبة الكبيرة والزمن القياسي؛ حيث تهبط الاسعار من 720 إلى 530، وبنسبة تقارب 30% خلال ثلاثة إلى خمسة أيام!! هذا أمر يثير الريبة والشك!، ونتمنى من قيادة البنك المركزي والحكومة توضيح ما يدور؟ فالهبوط الحاد والمتسارع له تداعيات سيئة، كما هو الحال بالنسبة للارتفاع المتسارع، فهناك طبقة وفئة يمكن أن تتضرر بشكل كبير.
- العامل الثاني: ويرتبط هذا السبب بالمتغيرات السياسية الداخلية والخارجية في المنطقة، والتغير الحاصل في خارطة الحرب الدائرة في البلد. بالإضافة إلى التحركات الحثيثة مؤخراً من دول عظمى والضغط على جميع الأطراف لوضع حد للاقتتال الدائر لقرابة أربع سنوات وما خلفه من أزمة إنسانية لا نظير لها في العالم ولم تشهدها اليمن من قبل.
تكللت تلك التحركات بتسريب مسودة اتفاق على وقف الحرب، يمكن أن تكون موضوع نقاش للمباحثات القادمة بين طرفي الصراع في الشهر القادم. لكن هذا العامل ليس بالجديد على السوق. فأثناء مشاورات الكويت- والتي استمرت لأشهر؛ وحوار جنيف- والذي لم يتم في سبتمبر الماضي، اختبر السوق تلك التحركات وكانت مستويات التغيير في اسعار الصرف محدودة، مقارنة بهذا الهبوط الحاصل خلال اليومين الماضيين !!. وعلى أية حال، يبقى هذا أحد العوامل المؤثرة على تغيير أسعار الصرف مؤخراً.
- العامل الثالث: وهو الأسوأ. والذي أتمنى ألا يتحقق. ويتمثل باختلاق فجوة كبيرة في سعر الصرف، وذلك لامتصاص سيولة النقد الأجنبي من السوق بفعل الكثافة البيعية من المدخرين المدفوعين بالخوف من التراجع بنسب عالية لم يشهدوها من قبل..!!
حيث نتوقع أن يكون وراء هذا الهبوط رموز السوق السوداء، أو الأشباح ومن يديرون اقتصاد الحرب، أو ما يسمى باقتصاد الظل. وما يؤكد هذه الفرضية، أن السوق اختبر الهبوط المتكرر لمرات عديدة في غضون الأشهر الماضية، خصوصاً الهبوط البسيط بفارق أربعين أو خمسين ريال للدولار الواحد. والذي سرعان ما كان يعاود في الصعود بعد أن يكون قد تم شراء المعروض من النقد الأجنبي.
فمع تكرار مشهد الهبوط والصعود، بتلك المستويات البسيطة، تحفظ الكثيرون عن البيع، ولم تشهد السوق زخم بيعي للعملات الأجنبية، مما أضطر اللاعبين إلى تغير قواعد اللعبة هذه المرة، وتحديد مستوى جديد من الهبوط وبفوارق كبيرة، ليدفعوا المتشككين والمتمسكين إلى بيع ما لديهم. ومن ثم تعاود اسعار الصرف بالصعود مرةً أخرى، ويجني تجار السوق السوداء واقتصاد الظل صفقة العمر.
لكن، في كل الأحوال، فإن الصعود المتوقع خلال الفترة القادمة – إذا تم- لن يكون بحجم المستويات التي شهدناها في اغسطس الماضي. لأن مستويات المقاومة لدى السوق السوداء بدأت تضعف في ظل فعالية السياسات النقدية المتبعة والتي يجب أن تستمر.
قد تكون هناك عوامل أخرى لم نتطرق لها؛ على سبيل المثال: معركة كسر العظم بين من يتحكم بسعر الصرف بين صنعاء وعدن. لكنها تظل عوامل هامشية ليست بتلك التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الهبوط المتسارع.
- محلل مالي واقتصادي
اقراء أيضاً
ملي عيييب يا حافظ معياد.. لمو الاستقالة؟!