إن سألت شابا أين يريد أن يعمل حاليا؟ سيرد عليك في الأمم المتحدة تحديدا في مجال الإغاثة. لا أنكر ولا أدعي النزاهة بأني لست أحد أولئك الشباب الطامحين للعمل في منظمة دولية لما توفره من أجور جيدة وميزات للسيرة الذاتية؛ ولأن سواق العمل فيها هو المتاح الوحيد تقريبا في الوقت الراهن. لكن نادرا جدا أن تجد من يدخل هذه المنظمات للقيمة المفترضة من وجودها: إنقاذ الأرواح ومساعدة المحتاجين.
أفكر بشكل وسواسي أحيانا؛ أي نوع من المساعدة يمكن أن تخرج من هذه البنايات المحصنة بالأسلاك الشائكة والحواجز الإسمنتية والرفاهية المبالغة في التأثيث والتجهيزات كفنادق فاخرة. تغوص في التفاصيل وتجد أن اغلب المساعدات تذهب كأجور إدارية وعن الفساد المنظم والخفي الذكي في آن. الفساد الذي يصعب أن تكتشفه لأنه لا يتم بالطرق التقليدية بل بطرق بروتوكولية.
سنأخذ مثالا عن التوظيف الذي يتم داخل دوائر مغلقة في المنظمات في عمليات تقودها العلاقات الشخصية والمحسوبية، وبطرق تبدو نظيفة، فالمنظمات الدولية تتبع إجراءات التوظيف المتعارف عليها من إعلانات وتتيح التقديم ثم تستدعي قائمة من المتقدمين للمقابلة، لكن غالبا الشخص يكون قد حدد مسبقا وما يتم هو من قبيل ادعاء الشفافية كإجراءات مفرغة وليس كقيم متبعة.
بالطبع تحتاج المنظمات للتجهيزات اللازمة للقيام بوظائفها ومهامها المنشأة من أجلها. لكن الحديث هنا عن المبالغة في المصروفات الإدارية من أموال يفترض أنها خصصت لمساعدة النازحين. يفترض أن يكون هناك حد أعلى للنفقات التشغيلية كالتجهيزات والأجور وأن تخضع المنظمات الدولية المانحة للرقابة والمسألة والتدقيق في قوائمها المالية بشكل دوري ومفاجئ كما يحدث مع المنظمات المحلية ومن طرف ثالث محايد بينها وبين الدول أو المؤسسات المانحة. لأن هذه المنظمات المانحة العاملة في اليمن تأخذ أموالا من حكومات وصناديق مانحة أخرى عبر دعوات أو تنظيم مؤتمرات تدعو لمساعدة اليمن وانقاذ الأرواح.
يبدو الأمر مزعجا للعين حين تضطر لرؤية الفخامة في المباني المليئة بالسيارات المصفحة والتجهيزات الفاخرة وقد تمت دعوتك لحضور اجتماع لمساعدة النازحين. أنت لا ترى نازحين هنا بل مرفهين. إنه تناقض يمس إنسانيتك ويشعرك أنك مجرد طفيل يتغذى على الأوجاع، التي يوجد من يتمنى مساعدة أصحابها فعلا.
حين تنظر إلى أغلب المشاريع المقدمة من أجل الحصول على تمويلات بملايين الدولارات تجد أن أغلبها لم توضع بطرق تحقق الفائدة المرجوة للمحتاجين بقدر ما وضعت من أجل فائدة الجهة المانحة والممنوحة.
وكثير من المشاريع ذات الأولوية تتعرض للرفض بسبب صعوبة التنفيذ والتحديات التي يتهرب منها المانح والممول فما يهمهم بالدرجة الأولى وضع تقارير حول ذهاب هذه الأموال وليس حول الفائدة التي حققتها هذه الأموال. المانح والجهة الممنوحة غالبا تفكر كيف تصرف هذه الأموال وليس في أين تصرف هذه الأموال.
وعند النظر لـ "كيف" يتم اختيار الكيفية الأسهل، تلك التي لا تتطلب جهدا مضاعفا من المانح والممنوح في تنفيذ المشروع رغم العائد المرتفع لكليهما. ولا ننكر أن هناك منظمات تهتم بجانب "أين ومن وكيف نستهدف" أكثر من "كيف نصرف هذه الأموال".
على سبيل المثال، المشاريع التي توفر مساعدات جاهزة على شكل نقد أو عينيات تعتبر الأسهل في التنفيذ ووضع التقارير لكنها على المدى الطويل تخلق نوع من الاعتمادية والاتكالية لدى الأسر المستهدفة.
لكن تلك المشاريع التي تقدم دعما للأسر المستفيدة عبر حثها على القيام بجهد مقابل النقد في مشاريع تخدم المجتمع كإصلاح نظام المياه والصرف الصحي وترميم المنشآت العامة تجد أن من النادر من يطبقها.
*المقال خاص بـ "يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
منحدر المجاعة في اليمن
جندرة الحرب اليمنية
بين الكنيسة الأوروبية و القبيلة اليمنية