مهما بدت الليبرالية الغربية الجديدة بشعة إلا أنها تجد نفسها مضطرة للإذعان ومستجيبة للحد الأدنى من القيم التي تتبناها في خطابها مثل حقوق الإنسان واللاجئين وغيرها من القضايا. في الجهة الأخرى تبدو الليبرالية في شرق آسيا، تحديدا كوريا الجنوبية ادعائية ومزيفة بشكل مقرف. تتبنى كوريا عولمة -فقط- من أجل تصدير منتجاتها للعالم الثالث لكنها تسقط أمام أبسط التزام أخلاقي في عالم تعتبره سوقا لسلعها.
بدأ الأمر مثيرا للدهشة في تزامن إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بداية الشهر الجاري، أنها ستسمح لحوالي 1250 يمنيا بالبقاء في الولايات المتحدة لمدة 18 شهرا على الأقل تحت الحماية بسبب الحرب والأزمة الإنسانية في بلدهم. مع خبر توقيع عريضة في كوريا الجنوبية ضد اللاجئين اليمنيين، وعددهم 550 شخصا.
ففي حين يركز العالم على عنصرية ترمب ضد الأجانب والتي تواجه برفض شعبي أمريكي داخلي، هناك عنصرية في العالم المعزول بكوريا الجنوبية، الدولة التي تستفيد من الليبرالية وحرية السوق لتسويق وبيع سلعها إلى العالم لكنها ترى وجود الأجانب أمرا غير مرغوب فيه ولا يمانع الإعلام بازدراء كل ما هو أجنبي بشكل صادم.
لم يكن أن يصل الأمر في ألمانيا إلى أن يعبر أكثر 50% من المواطنين عن رفضهم للاجئين كما حدث في كوريا، أو أن ينجح اليمين الألماني المتطرف في توقيع عريضة تضم 700 ألف توقيع للحكومة تطالبها بتشديد قوانين اللجوء كما حدث في كوريا الجنوبية، الجميلة في هاتفها سامسونج والقبيحة في عنصريتها وانعزالها.
ومن الغريب أن هذه العزلة الثقافية التي تضربها كوريا الجنوبية على نفسها دون الآخر لم تواجه بعزلة مقابلة ترى في كل ما هو منتج كوري شيئا مشبوها. تنتشر السلع الكورية من الأجهزة الإلكترونية إلى السيارات في كل شارع وحارة في اليمن ولم نفكر يوما بمقاطعتها أو رفضها لأسباب ثقافية أو سياسية كما يمكن أن يحدث مع منتجات إسرائيلية. في الحقيقة أشعر بالامتعاض فلا أعتقد أنه يمكنني أن أقبل باقتناء منتج كوري جنوبي بسبب الانطباع عن بلد يرفض وجودك بينما يغزوك بسلعه ومنتجاته.
من يريد أن ينغلق على نفسه فعليه أن يتوقع ردات فعل مقابلة ترفضه حتى كمنتج. يجهل الكوريون أن أغلب اليمنيين يقتنون أجهزة سامسونج وكثير منهم يقودون سيارات هونداي، أو اتفاقية الفساد الشهيرة التي وقعتها الحكومة الكورية مع النظام اليمني السابق ببيع الغاز الطبيعي بسعر غاية في التدني مقابل عمولات ورشاوي غير قانونية.
يبدو أن موجة التطرف لا تجتاح أوروبا وأمريكا فقط، فحتى ذلك الجزء من العالم الذي يبدو لطيفا الملامح، هو بشع بشكل يقودك لإعادة التفكير في أن العالم أصبح مكانا أفضل للحياة مع التطور والعولمة والعالم الذي أصبح قرية واحدة.
في الأخير، لم تعد الهجرة وسيلة نجاة للشعوب التي تعاني الحروب. هناك الكثير من الألم وربما الطرد. لم يعد أمام اليمنيين إلا البقاء ومحاولة الوقوف ببلدهم. "القمح مـرٌّ في حقول الآخرين. والماء مالح".
*المقال خاص بـ "يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
منحدر المجاعة في اليمن
جندرة الحرب اليمنية
بين الكنيسة الأوروبية و القبيلة اليمنية