في الأمس، ظهرت لنا صور صادمة عن أسر نازحة من محافظة الحديدة تفترش العراء في الظلام على أبواب محافظات لحج منعت من الدخول من قبل جماعات مسلحة محسوبة على دولة الإمارات. تذكرنا بصور اللاجئين في جنوب سوريا على حدود الأردن الذين منعوا من الدخول أيضا في الأسبوع الأخير.
لم يحدث أن نزح اليمانيون بهذه الكثافة منذ الطوفان العظيم. ما يقرب 2.5 مليون مواطن اضطرتهم الحرب لترك منازلهم بما فيها سعيا وراء النجاة منذ 2014. وأصوات الاشتباكات على أبواب منازلهم، كثيرون لم يسعفهم الخطر في أخذ حتى فُرش لا تحافها في العراء حتى تمد لهم يٌد قد تتأخر. يتوزع النازحون داخليا بين أكثر من 700 مخيم أو مباني ومدارس حكومية أو بنايات لم تكتمل أو أسر مضيفة. من يملك منهم بعض المال يقوم باستئجار منزل يأويه حتى موعد لا يعلمه.
حتى أسابيع كانت الحديدة مقصد لكثير من النازحين خاصة تعز وحجة. ثم اضطر هؤلاء النازحون والمضيفون في الحديدة للبحث عن مكان آخر للنزوح. هكذا يعيش اليمانيون في تراجيديا عظيمة؛ فنازح قديم يأوي نازح جديد ومضيف ينزح مع نازح.
أسر مر عليها سنوات لم تستطع العودة إلى الديار التي لا تعلم هل مازالت ديارا أم غدت أطلالا. أسباب كثيرة أدت إلى عدم قدرتهم على العودة مثل أن كثير من المناطق مازالت تعج بالألغام كما هو حال نازحي مديرية موزع الذي فروا إلى مديرية المخاء، والذين لا يستطيعون العودة لأن قراهم أصبحت حقول ألغام مميتة.
يؤثر النزوح الاضطراري نفسيا على الأسر خاصة الأطفال. كثيرون يظلون في العراء قبل أن يجدوا مخيمات إيواء تفتقر للحماية والخدمات الأساسية كالإضاءة والماء الصالح للشرب والصرف الصحي والرعاية الطبية والتعليم للأطفال. تعتبر مخيمات النزوح مكانا يدمر الصحة النفسية والجسدية لقاطنيه الذين يفتقدون الخصوصية والأمان والخدمات الأساسية للحياة. تضطر أسر تتكون من 5 إلى 7 أفراد للعيش شهورا في فصل مدرسي أو خيمة وأحيانا تتشارك أكثر من أسرة نفس المساحة الضيقة.
كثير من العائدين يعودون على منازل مدمرة كليا أو متضررة جزئيا كعودة ناقصة أو غير مكتملة، عودة بذكريات مؤلمة إلى ذكريات مكسورة. تحتاج منازلهم لإعادة الإعمار الذي لا يبدو أن له أفق في القريب، نظرا أن إعادة الإعمار ليست ذات أولوية للمانحين والمنظمات الدولية من جهة والتي تعتبر الإغاثة العاجلة هي الأولوية مع استمرار الصراع ودخول مناطق جديدة في دائرة النزاع المسلح. كما أن الحكومة عاجزة في الوقت الراهن عن قيادة جهود إعادة الإعمار، وهي التي ما زلت تبحث عن مكان تمارس فيه عملها دون عراقيل وعوائق.
حوالي 12% من اليمنيين مسجلين كنازحين أو عائدين من نزوح. ونسبة أخرى لم تصلها سجلات المنظمات الدولية من ميسوري الحال الذي نزحوا من منازلهم إلى منازل مستأجرة في مدن أخرى. حتى المناطق التي نزحوا إليها، يعاني فيها المجتمع المضيف من أوضاع اقتصادية سيئة وخدمات متدنية أو شبه معدومة.
ولا أحد يستطيع التنبؤ متى تنتهي هذه المأساة الطويلة.
*المقال خاص بـ "يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
منحدر المجاعة في اليمن
جندرة الحرب اليمنية
بين الكنيسة الأوروبية و القبيلة اليمنية