تعود أصول النظرية الإمامية للهاشمية وكهنوتها إلى وقت مبكر من صدر الإسلام قبل الانقسام المذهبي والديني ، وشهدت تطورات مهمة أثناء حكم الأمويين والعباسيين، مع التقسيم المذهبي والعرقي، غير أن نشأتها حدثت في أواخر حياة النبي محمد (ص).
روي من حديث لمعاذ بن جبل أن الرسول قال له وهو يودعه في سفره إلى اليمن: (..إن أهل بيتي يعتقدون أنهم أولى الناس بي وإن أولى الناس بي المتقون...) وروت كتب السير أن العباس قال لعلي بن أبي طالب قبيل وفاة الرسول محمد (ص) : ادخل إليه فسله إن كان الأمر لنا، فتنبه علي لذلك ونهاه: إن منعها الآن ستمنع عنا للأبد.
وكان الرسول محمد مدركا قبل موته لاستمرار الأعراف الجاهلية الشيطانية حتى بعد نبوته، حيث روي عنه في حديثه للأنصار: إنكم ستجدون بعدي أثرة) أي أنه كان موقنا باستئثار أهل بيته.
وحين خرج الحسين بن علي على يزيد بن معاوية برر خروجه: "إنما خرجت لأصلح أمة جدي محمد".
ولن ندخل في جدل تاريخي عقيم وليس هنا محله، فقد أزال انقلاب كهنوت الإمامة بالحوثي اللبس عن القلوب والزيغ عن الأبصار من خطورة كهنوت الهاشميين، ليس المؤمنون بالجاردوية والولاية فحسب بل كل الهاشميين على وجه الإطلاق ، وعند فقهاء اللغة والأصول أن الاستثناءات تؤكد القواعد ولا تنفيها.
وبينما تكاد الآراء والمواقف الحادة تتطابق من الكهنوتية الهاشمية وعرقيتها في المناطق الخاضعة لفترة طويلة للإمامة تقل حدة النقد والتعصب ضدها في المناطق البعيدة كالجنوب عموما وتعز ومأرب .
على أن الحقيقة الثابتة على مدى اثني عشر قرن من تواجد سلالة الكهنوت في اليمن تؤكد أن كل هاشمي ليس حوثيا بالضرورة ولكنه إمامي قطعا وإن بدرجة مختلفة، فبينما يصر كهنوت السلالة في صعدة وصنعاء على أحقيتهم بالإمامة والاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية بناء على سلالتهم المقدسة، فإن هاشميي الجنوب وتعز وحضرموت مصرون على تمايز اجتماعي وعلمي يمنعهم من الاختلاط مع بقية السكان. وعندنا يقولون عن بول صغيرهم (بول سيد لا ينجس، أي لا يذهب الطهارة)، وفي حرب الإمامة الأخيرة تحول غالبية الهاشميين إلى مقاتلين متوحشين للإمامة كهواشم الرميمة والصراري والجنيد والسروري.
ورغم الاختراق أو الإدماج الذي قام به الإصلاح والسلفيون بشكل عام للسلالة الهاشمية وتعيين قيادات هاشمية في مؤسساتهم فإن كل مناوئي الحوثي من الهاشمية لا يعود لرفضهم فكرة الإمامة والحق الديني فيها والتفوق العرقي، بل لصراعات مصالح ومذاهب فيما بينهم وبين الحوثيين. والإمامة بطبيعتها وفكرتها معرضة للانقسام بشكل كبير إذ تشترط فقط على الخارجين عن الإمام حتى لو كان هاشميا أن يكون الخارج هاشميا قادرا أو على علم أكثر من الإمام القائم، وعليه يفسر طبيعة الصراعات داخل الكنهوت الإمامي.
على أنه رغم مرور قرون على تأليف الإمامة لنظريتها السلالية في الحكم والتمييز الاجتماعي والطبقي فإنه لا يوجد هاشمي واحد من خارج تنظيم الإمامة تخلى عن لقبه أو الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عليه، وأكثر من ذلك لم يتعرض أي هاشمي سني أو سلفي أو إصلاحي أو اشتراكي أو قومي لنسف مبدأ الولاية والإمامة والسلالة بشكل منهجي ونظري كي يثبت أنه ليس إماميا.
وبناءا عليه فإن واقع الهاشميين في اليمن اليوم ينقسم بين مؤيد للحوثي بأغلبية ساحقة ومعارض له بنسبة ضئيلة لكنهم مجمعون على أفضليتهم وأحقيتهم بالإمامة والولاية والعلم والمكانة الاجتماعية والاقتصادية. وهذا بالضرورة يستوجب التعامل معهم يمنيا باعتبارهم كهنوتا سواء كانوا في صف الحوثي أو ضده كطريق وحيد وصحيح ومشروع، وينبغي أن يستمر حتى القضاء على الكهنوت الهاشمي، على أن يكون بشكل هادف ومنظم ولا يشتت الجهود ولا يفتح الجبهات العدمية، بمعنى أن الخطر الحوثي القائم الآن هو أكثر خطورة ضررا من الخطر المحتمل لهؤلاء.
اقراء أيضاً
كيف يهزم العصيان المدني الحوثيين؟
تهديد الحوثي ككلب بلا أنياب
كي لا يخطف الحوثي المبعوث الأممي