في خطاب عبد الملك الحوثي الذي اعترف فيه بهزيمة سلالته وميليشياته في الساحل الغربي لتهامة، أرجع ذلك لأسباب موضوعية، فسر هذه الأسباب بعدة عوامل أولها أن الحديدة من الأطراف وأن بيئتها غير حاضنة للفكر الإمامي، غير أنه أكد أن عمقه الاستراتيجي في مأمن.
العمق الاستراتيجي الذي يقصده عبد الملك الحوثي يشمل محافظات ذمار وصنعاء وعمران وصعدة، ويعتقد الحوثي أن هذه المحافظات تمثل عمقا للإمامة لأنها تؤمن بولاية الهاشميين على الحكم وحقهم الإلهي الحصري في ذلك، غير أن الواقع ليس ما تريده السلالة وتتمناه.
لم يسيطر الحوثي على أي منطقة في المحافظات المذكورة إلا بمعارك شرسة في كل مديرية امتدت لأشهر وربما لسنوات كما هو الحال في صعدة حيث يعتقد الحوثي أنها حصنه الآمن ومعقله الكبير، أما في عمران فقد امتدت المعارك لسنوات ضد الحوثي قبل 2011 واستمرت قرابة عام قبيل إسقاط صنعاء، ولم يسيطر الحوثي على صنعاء إلا بعد معارك عنيفة وشرسة ضد كل مديرياتها. وسقطت كل هذه المديريات ليس لولاء للإمامة ولكن لأنها تركت مخذولة من الدولة التي لم تقاتل ضد الحوثيين أبدا باستثناء معسكرات قاومت حتى هزمت.
ولم يكن الحوثي حين يدخل هذه المناطق أو القبائل إلا بعد أن يكون مشايخ هذه القبيلة أو تلك قد قاتلت وانهزمت وتشرد الفاعلون فيها، بعد مقتل مئات أو ربما آلاف من أبنائها.
خريطة المعارك التي دارت وقتلاها وجرحاها ابتداء من صعدة وحتى إسقاط الجمهورية والدولة خلفت قتلى وجرحى بالآلاف وكان ضحية الحوثيين في 2013 في حجة وفقا لمنظمة وثاق الحقوقية قرابة أربعة عشر ألف بين قتيل وجريح ومعوق ومختطف، وهي أرقام تعكس طبيعة الولاء والانتماء لهذه القبيلة.
وبالنظر إلى خارطة مشايخ معظم المحافظات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي سنجد أن أغلبهم انسحبوا إلى مأرب أو السعودية وبعضهم في جبهات القتال، أما من كان قد تبقى منهم وفقا لولائه لصالح قبل أن يقتل على يد الحوثيين فإنهم إما هربوا أو قتلوا أو خطفوا.
ولا يعني أن تجنيد الحوثيين من هذه المناطق ولاء لها للسلالة الهاشمية، بل هو نتاج طبيعي لقدرة المنتصر على الحشد في ظل الواقع المزري لتلك المناطق، ولو سيطر الحوثي على أي منطقة لاستطاع تجنيد مقاتلين له، وفقا لمنطق القوة وشروط المنتصر وهيمنته.
على أن خطاب الحوثي المعترف بهزيمته يؤذن أن خط دفاعاته عن المنطقة التي تحاول الإمامة الهاشمية حكمها قد انهارت فعليا، وبذلك الانهيار ستنتقل المعارك إلى العمق الذي تعتقد الإمامة أنه سيعصمها من الزوال.
ومع ذلك فإن دورا مهما يقع على عاتق شبكات المؤتمر الشعبي العام وقبائله، وقياداته وخاصة من أنصار شبكة صالح بعد التنكيل الشديد الذي تعرضوا له من قبل الإمامة الحوثية، نظرا لنفوذه الواسع هناك والذي تجلى في مظاهراته بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين للمؤتمر في السبعين بأغسطس الماضي.
على المؤتمر الشعبي وقبائله وشبكاته أن يثأروا لأنفسهم عبر الشرعية من الهزيمة المرة التي حلت بهم على يد من قدموا له كل الخدمات الصعبة، وتقويما للاعوجاج الذي اصاب المؤتمر الشعبي خلال الفترة ما بين 2011 وحتى نهاية 2017م.
بكل تأكيد الدور الذي يقع على المؤتمر مهم في معارك تحرير صنعاء وعمران وصعدة وذمار وغيرها، من المناطق، وسيكون له فائدة تمكن المؤتمر من الاحتفاظ بنفوذ واسع له هناك بعد خسارته الكثير من النفوذ في أغلب المناطق المحررة بالجنوب والشرق وتعز، بحكم أن المناطق غير المحررة لازالت تمثل الثقل السكاني الأكبر في اليمن مما يمكن المؤتمر في حال شارك بفاعلية واستثار أنصاره وأعضاءه وشبكاته في ضرب الحوثيين وخاصة على المستوى الاستخباراتي، من إعادة بناء نفسه وموقعه المهم في خارطة البنية السياسية في اليمن.
اقراء أيضاً
كيف يهزم العصيان المدني الحوثيين؟
تهديد الحوثي ككلب بلا أنياب
كي لا يخطف الحوثي المبعوث الأممي