للحروب آثار تدميرية صامتة غير تلك المرئية بالعين على شكل دمار مادي أو جسدي (عضوي). آثار تحدث خلف الجدران المشيدة التي لم يصبها القصف أو الاشتباكات لكن أصابها ضيق و نكد المعيشة و الشعور بالحرمان و حتى فقدان الرغبة بالحياة لدى كثير من الناس الذين وجدوا أنفسهم بلا مصدر للدخل.
اليوم تكتفي مئات آلاف الأسر اليمنية بوجبة واحدة في اليوم، كما أن الملايين يعانون من سوء التغذية الذي يؤثر على النمو الجسدي و النفسي للأطفال. و تدخل 107 مديرية من أصل 333 مديرية كمناطق مهددة بالجماعة.
تتمثل الآثار الصامتة للحرب بالتدمير النفسي والأسري والاجتماعي نتيجة البطالة و الفاقة و التوتر و القلق النفسي. و ربما أنه يسهل إعادة الإعمار وعلاج الإصابات الجسدية على عكس الأضرار النفسية التي تدوم طويلا بعد انتهاء الحرب و يصعب التخلص منها. و هذه الآثار بدورها تعرقل تعافي المجتمع و عودته إلى حياته الطبيعية كما كان.
لا تشمل تكلفة الحرب في اليمن دمار المباني والبنية التحتية فحسب، بل تتمثل أيضا في تزايد نسبة البطالة غير المسبوقة، حيث فقد جراء ذلك حوالي 80% من الشباب العاملين وظائفهم و لم يتبقَ أمام الشاب اليمني سوى البحث عن عمل ليوم واحد لسد الحد الأدنى من احتياجاته اليومية.
كانت اليمن تعاني أساسا من ارتفاع في معدل البطالة و عدد من هم تحت مستوى خط الفقر، لكنها النسب زادت سوءا مع الحرب بدخول أعداد جديدة في القائمة نتيجة الركود الاقتصادي و المخاطر التي تواجه قطاع الأعمال مما دفع كثير من الشركات للإقفال أو كثير من رجال الأعمال لنقل رؤوس أموالهم إلى بلدان أخرى مستقرة و ذات مخاطر أقل. بالتزامن توقف الرواتب الحكومية لملايين اليمنيين منذ أكثر من عام و نصف و التي كانت أساسا بالكاد تقضي حوائجهم.
تعتبر البطالة من أهم أسباب المشاكل الأسرية لما تسببه من ضغوط نفسية على رب الأسرة و التي يصعب عليه السيطرة عليها و من ثم تتحول لدى البعض على شكل عنف لفظي أو جسدي على الزوجة و الأطفال و قد تنتهي بالطلاق و تفكك الأسرة. حيث أن قابلية الناس للشعور و الإحساس بالألم ترتفع في حال عدم عملهم واعتبار البطالة المصدر الرئيس لعدم السعادة والرضا عندهم. فالبطالة بمفهومها الشامل لا تعني -فقط- حرمان الشخص من مصدر معيشته، و إنما تعني أيضاً، حرمانه من الشعور بجدوى وجوده، و ذهابه إلى دوامة الفراغ القاتل الذي ينهكه نفسيا و من ثم جسديا و يهشم نظرته الايجابية لنفسه و من ثم لمن هم حوله.
ثبت الحرب ألا غناء عن حاجة أي شعب للحكومة. فرغم أن عشرات المنظمات الدولية و الإنسانية تنشط في الجانب الإنساني و الإغاثي إلا أن الوضع في إنحدار مستمر و مضطرد. فيوما بعد يوم تزداد أعداد الأسر ذات الاحتياجات القصوى و حالات سوء التغذية و الأمراض. كما أن حالات الوفاة بأسباب الحرب الجانبية تفوق أعداد القتلى نتيجة المعارك أو القصف العشوائي.
لذلك لابد أن تؤخذ الآثار الاجتماعية للحرب و لا نكتفي بالتقييم للآثار السياسية، فكلها تشكل سلسلة مترابطة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و أسريا. ثم أن التفكير بالحلول السياسية يجب أن يأخذ في الحسبان كيفية معالجة المجتمع من آثار الحرب على أفراده و علاقته البينية و الأسرية. و كيف يمكن إعادة تأهيل جيل كامل من الأطفال تربوا تحت كم هائل من الضغوط النفسية، و في حالات في ظل عنف اجتماعي وأسري؟
اقراء أيضاً
منحدر المجاعة في اليمن
جندرة الحرب اليمنية
بين الكنيسة الأوروبية و القبيلة اليمنية