الفهم الحقيقي للحرية، ينبغي أن ينطلق من الوعي الحقيقي بمعنى الحرية المشروطة، التي ترفض التعدي على الآخر، أو تهميشه، أو محاولة تفريغ كيانه، أو سلبه حقه الطبيعي في الحياة التي كفلها له الله عز وجل.
حقه الطبيعي في أن يحيا آمناً، ينعم بحريته بين العيش في سلام، وإن سماه البعض استسلاماً، أو تمرداً على واقعه لا يخرج عن نطاق التعبير السلمي، أو مناقشة هذا الواقع المرير للبحث عن واقع أكثر جمالاً، وأكثر اطمئناناً للناس.
حقه في أن يحلم، ويأمن، ويختار، ويفكر بحرية، ويعبر كما يشاء دون تجريده من إنسانيته، أو تكفيره إن اختلف معك في الرأي، أو تجييش الآخرين عليه وتصنيفه في خانة مغلقة لا يمكنه الخروج منها، أو فرض الوصاية عليه بمبرر قلة وضوح الرؤية لديه، وعدم فهمه للمستقبل أو أساسيات البناء.
التوجه المستمر لتوعيته كابن ضال، يفتقد إلى القدرة على معرفة بداية الطريق..
هذا الحصار للآخرين بالمطلق، يشكل المعنى الأساسي للحرية لدى البعض. التي هي في الأصل ترفض ملامسة الآخرين، وتنتهي حرية أي فرد عند حدود حرية الآخر.
لكن من تراه يستوعب ما يجري، ويجعل الوعي بمفهوم الحرية الحقيقية، يتحالف مع احترام الآخر، والاقتناع بفهمه وقدرته على التفكير الصائب، والحوار الفكري مع مختلف الأفكار؟
ومن يحاسب هؤلاء الذين يجاهرون بالحجْر على الحريات، وتشكيل جيل يُقاد ولا يقود، فاشل في مواجهة أعداء الداخل، فكيف بإمكانه مواجهة أعداء الخارج؟
مؤشرات عدة ترسخ أقدام أعداء الحرية، الذين يرتبطون بروابط قوية على مستوى كل الأحداث.
يبدون أناساً أكفاء في مهماتهم، يتفوقون على الدوام بالضربة القاضية، وهم أذكى من التوقف أمام مصطلح الحرية، أو مناقشتها كمبدأ ينبغي الانشغال به، ورفض سلبه من قبل المعترضين...!!
الآخر بالنسبة لهم مجرد شخص متخلف، أو كيان اجتماعي دخيل، لا ينبغي أن يعلو صوته طالما تعارض ذلك مع المصالح المشتركة..!
المعطيات الحقيقية للتعامل معه، تقوم على تكريس رفضه للآخر، وتهميشه لكل من يعارضه، أو يحاوره، دون إعطاء أي فرصة لمواجهة النفس، أو محاكمتها إن اقتضى الأمر، أو حتى الاحتجاج عليها من منطلق الحاجة إلى كسر المألوف.
ومع ذلك يستوعب الآخر معنى الحرية التي يُنادى بها هو، والتي تعتمد على شل حريته وفكره، وفتح الذاكرة الكبرى للتفكير كبدائل للآخرين، بشكل يجعلهم أكثر أمناً واستقراراً وتمتعاً بالحياة.
اقراء أيضاً
رمضان.. تسامحوا
المتحولون
كسر "تابو" الرموز