لم تعد جرائم القتل والملاحقات التي ترتكبها المليشيات الانقلابية مقتصرة على خصومهم فحسب بل طالت أسرا وأفرادا من اتباعهم ومقاتلين في صفوفهم استجابة لنزواتهم الإجرامية وتعطشهم لسفك الدماء الذي اعتادوا عليه طيلة السنوات الماضية, وكما يملي عليهم فكرهم الضال والمنحرف.
وفاقمت الأزمة الاقتصادية والمالية في صنعاء وتهاوي قوات المليشيات الانقلابية في أكثر من جبهة من حدة الأزمات والمشاكل داخل صفوفهم.
وفي أحدث موقف في هذا السياق قتل ناجي المطري يوم أمس الإثنين أحد وجاهات مديرية ريدة وهو من المناصرين للمليشيات الانقلابية على خلفية اطلاق نار في مكتب بريد ريدة.
قتل بسبب الراتب
بدأت القصة عندما أطلق النار أحد أبناء منطقة ضحيان يوم أمس الاثنين على موظف البريد وذلك عندما أخبره بأن راتبه غير موجود ومصادر من قبل البنك المركزي ما أدى إلى إصابة الموظف إصابة بليغة في الرأس قبل أن يتدخل حارس البريد ويطلق النار ليقتل الشيخ ناجي المطري عن طريق الخطأ.
وبحسب شهود عيان فإن جميع من قاموا بإطلاق النار ينتمون إلى قوات الحرس الجمهوري سابقا الذين تحولوا إلى مليشيات فيما بعد بما فيهم القتيل الذي يعد من أبرز الوجاهات التي تجند للميلشيات في المديرية وفقا لمصادر محلية.
وفي منتصف سبتمبر الفائت قام اثنان من العناصر التابعة للمليشيات بمديرية القفلة ( من قبيلة ذو ميسر) بالتقطع لأحد الأطقم العسكرية التابعة للمشرف اعتراضا على عدم تسليم رواتبهم فأمر المشرف بإطلاق النار عليهما ما أدى إلى مقتل أحدهم وإصابة الآخر.
القتل لأتفه الأسباب
ينتهج ما تسميهم المليشيات (مشرفين) في المديريات اسلوب الغطرسة والإجرام تجاه المواطنين في مناطقهم ولا يستبعد أن يرتكب أحد المشرفين جريمة القتل لأتفه الأسباب حتى مع أقاربهم أو التابعين لهم ومناصريهم كما حدث في مديرية جبل عيال يزيد بمحافظة عمران في منتصف سبتمبر الفائت حينما قتل أحد المشرفين ويدعى أبو زايد والده لأنه قام بقطف (قات) من المزرعة دون إذنه وهو الأمر الذي يرفضه أبو زايد علما بأن مزرعة القات ملك للوالد.
وفي مشهد آخر بمحافظة ذمار قرية الجب أقدم عبده الطير في بداية سبتمبر الفائت على قتل أخيه عبدالله الطير الذي اعترض على رفع الصوت للصرخة داخل المسجد.
ويرصد ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي حوادث مماثلة بشكل شبه يومي لجرائم من هذا النوع في أغلب المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الانقلابية.
العقاب بتهمة الخيانة
بعد هزائم المليشيات المتوالية أمام قوات الشرعية وتكبدهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد يرفض الآباء إرسال أبنائهم إلى الجبهات فتقوم المليشيا بتهديدهم وتصنيفهم ضمن من يسموهم الفئة الصامتة التي يصفونها بالأشد خطرا والمشاركة في دعم ما تسميه العدوان.
كما تقوم المليشيا بملاحقة التابعين لهم في محافظة صعدة الذين يعودون من جبهات القتال ويرفضون مواصلة الحرب خصوصا أولئك الذين قامت جماعة الحوثي بتسليحهم واعتمدت لهم رواتب وتم دمجهم في مؤسسات الدولة العسكرية وفقا لمصادر خاصة.
وتجري اتهامات بين قيادات حوثية بالخيانة والعمالة لمن لم يشاركوا في جبهات القتال من الفئة الصامتة التابعة لهم ويعتبرونهم:( الذين يلوذون بالصمت مجرد خلايا نائمة ومهمتهم التثبيط وينخرون كالسوس ويخلخلون الجبهة من الداخل ويمثلون أشد خطورة على المجتمع من مؤيدي العدوان )حد وصف أحد القيادات الحوثية.
إرهاصات النهاية
ومن المعلوم سلفا أن الجماعات المسلحة والعصابات المليشاوية على مدار التأريخ لا تقوم على مبادئ وقيم ولا ضوابط تحكمها وتنظم عملها وليس لها أهدافا محددة وإنما دافعها الأساسي تحقيق أهداف ذاتية من بينها الثرى والتسلط وحين تتوسع وتتمدد سرعان ما تنشئ بينها الخصومات والخلافات الناشئة عن فقدان السيطرة وقلة الموارد التي اعتادت عليها, عندها تبدأ المعارك الداخلية والبحث عن المبررات الناتجة أصلا عن عدم الثقة.
وهنا تتعدد مراكز القوى داخل العصابة الواحدة فتصبح بأكثر من رأس ويبدأ التصارع بين الرؤوس النافذة بحثا عن السيطرة والانفراد فتتآكل من الداخل وتأكل بعضها بعضا وهذه كلها مؤشرات على اقتراب نهايتها وهو ما نلاحظه اليوم من ممارسات للمليشيات الانقلابية التي لم تكن ملموسة من قبل.